شعار قسم مدونات

"غامبول" الفيلسوف الساخر

blogs - غامبول

إذا كنت من جيل التسعينات أو الثمانيات أو ما قبل ذلك فلا بدّ أنّك شعرت بالفارق بين برامج الرسوم المتحرّكة فيما سبق والرسوم المتحرّكة لهذه الأيام.

  

صورة البطل:

البطل في الرسوم المتحركة القديمة غالباَ ما يمتاز بقوى خارقة، وصفات مثالية كحب الخير والانتصار له والتضحية في سبيله والإصرار والعزيمة ومساعدة الآخرين والإيثار والأمثلة كثيرة على ذلك مثل سوبر مان، بات مان، غرانديز، أما أبطال الرسوم المتحرّكة في هذه الأيّام فهم – في الغالب- شخصيّات عادية، بل قد يكونون مثاراً للسخرية في كثير من الأحيان من مثل العم جدّو، غامبول، لكن هذا لا يعني أن كل الشخصيات كذلك، ناروتو وغوغو ساروا على الصيغة الكلاسيكية من الرسوم المتحرّكة باعتبارهم شخصيات خارقة للطبيعة.

 

القصة :

عرف الأدب اليوناني والأدب الإنكليزي قديماً شيئاً يسمى بـ"المأساة" وعرف أيضاً ما يُعرف بـ"الملهاة" وباستطاعتك أن تشاهد الفرق بين القصص القديمة للرسوم المتحركة الحزينة وبين قصص اليوم، لا بدّ أنّك -أيها القارئ- قد بكيت مثلي فيما سبق على قصّة "ماركو الصغير" الذي طاف الأرجنتين بحثاً عن أمّه، أو لا بدّ أنك بكيت أكثر على "سالي" التي تحوّلت إلى عاملة نظافة في الميتم بعد أن كانت سيّدة في العالم المخمليّ، أمّا برامج الأطفال في هذه الأيّام – في أغلبها – قد أخذت منحى الإضحاك والمغامرات بشكل أكبر وصارت "الملهاة" عنوانها العريض.

 

اللغة :

لا تتحرّج برامج الأطفال في أيّامنا هذه من استخدام بعض الكلمات العاميّة المحكيّة، بخلاف البرامج القديمة التي اعتادت على الألفاظ الفخمة الجزلة.

 

غامبول :

لا يمثّل غامبول شخصيّة مثاليّة، ولا بطلاً خارقاً للعادة، لقد أصبحت تلك أشياء من الماضي، فـ"غامبول" طفل في الحادية عشرة يرتكب الحماقات، ويقع في المشكلات، ويدّعي في كلّ مرّة أنّه يتعلّم من أخطائه وعثراته ولكنّه لا يفعل ذلك، والأجمل من كلّ ذلك أن "غامبول" يطلق الحكم والمواعظ المضحكة في كثير من الأحيان، وسننقل جزءاً منها في آخر المقالة، أمّا والد غامبول فإنه يُدعى بريتشارد والوالد هنا لا يمتّ للمثالية والانضباط والحزم بصلة، وهذا شيء جديد في عالم الرسوم المتحرّكة التي اعتادت أن تجعل للأب الصفات المثالية، ريتشارد يأكل كثيراً بل كثيراً جدّاً وبشكل مقزّز أحياناً، ولا يجيد شيئاً سوى الاتكاء على الأريكة وإسداء النصائح الفارغة، بالإضافة طبعاً لشخصيات أخرى كالأخ "داروين" والأخت العبقرية "أناييس".

 

النمذجة Modelasation:

المشكلة في الرسوم المتحرّكة القديمة أنها تعطي صوراً ونماذج لا تتطابق مع الواقع، وهذا ما يجعل الطفل أقلّ تفاعلاً وتأثّراً بها، فغالباً ما كان الحديث عنها أشبه بالحديث عن المدينة الفاضلة، أمّا "غامبول" فهو أكثر واقعية وأكثر قرباً وتأثيراً.

 

بعض القيم الفكرية في غامبول:

في إحدى أشهر الحلقات "المسؤولية" يشعر غامبول وأخوه داروين أنّ عليهما الاعتناء بأختهم الصغيرة أناييس فتراهم يبالغون بحمايتها، فيمنعونها من التلفاز، ومن استخدام حوض الاستحمام، ويؤدي بهم للوقوع بالمتاعب، وتدمير المنزل، وما ذلك إلّا ليفهم الطفل أنّ المبالغة في الاهتمام تعطي نتائج عكسيّة، وإن الاهتمام شيء والتملّك شيء آخر، وفي حلقة "العصا السحرية" يسعى غامبول وداروين في سبيل تحقيق رغبات والدهما الذي ظنّ أنه وجد عصاه السحريّة التي حلم بها منذ صغره، لم يريدا أن يحزن والدهما ويخيب أمله بشيء لبث عمره يحلم به، لكن يكتشف الوالد فيما بعد أنّ عصاه ليست سحرية، لكنّه يُدرك أنّ تحقيق الأمنيات يكون بالعمل والإصرار لا بالأوهام والقوى الخارقة!

 

بعض أقول غامبول وحكمه الساخرة:

"كن كالصابونة تعاشر جميع الأوساخ وتبقى نظيفة"

"إذا كنت تشعر بالحزن اشعر بالفرح وانتهى الموضوع إنها مجرّد شعشرة"

"إذا أزعجك أحدهم فلا مشكلة أن تخسر حذاءك"

"إذا لم تضحك لك الحياة فدغدها"

"لا تلوموا الجيل الأصغر أنتم الذي ربيتموه"

"لا تيأس من الحياة اجعلها تيأس منك"

"لا تتعلّق بأحد فالناس ليسوا أشجاراً وأنت ست قرداً"

 

ختاماً، قد يرى آخرون أن هكذا رسوم متحرّكة تسعى لترسيخ اللامبالاة والإهمال والسخف، وقد يرى آخرون أنّها تنقل الواقع بمصداقيّة، ولكن هذا لا يمنعنا أن نصطفى منها ما يتوافق مع مبادئنا وثقافتنا وأخْذ ما صفى وترك ما كدر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.