شعار قسم مدونات

إن سُئلتَ يَوماً.. كيفَ أنتَ؟!

blogs تفكير، تأمل

إن سُئلتَ يَوماً، كيفَ أنتَ، فإني صَبورٌ عَلى مِحنِ الزمَان شَديد، جَديرٌ عَلى أن لا يُرى بي حُزن فَيشمت كل عَادٍ أو صَديق، وعَلى قَدر إيمَان الإنسَان يَكونُ جَوابه، فالصَبر احتواءُ الروحِ مِن القَلق، وحَصر اللسَان مِن الشَكوى، قال الله تَعالى في كتابهِ الكَريم في سُورة البَلد، آية رقَم (4) "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" آية عَظيمة الشَأن، اختَصرت حَقيقة الحَياة التي جُبلت عَلى الأكدَار، فالإنسَان يُواجه في مَسيرةِ حَياته الطَويلة طَريقه المُوشّى بالصّعاب، وَهَذا يَتطلّب منهُ طَاقة وَقدرة تمكّنه مِن تحّمل ذلكَ والاستمرَار فيه حتّى يصِل إلَى مُراده، فالصَبر طَاقة هَائلة، لما فيها مِن حَبسِ النَفس عَلى مَا نكرَه، دُونَ جَزع يؤدّي إلى ضياع الأجر.

 

الصَبر سِمة الأنبيَاء وَالمُرسلين، الذينَ كَابدوا البَلاء والإيذَاء، لكنّهم صَبروا وشَكروا مُوقنين بنصرِ الله، ذلك النَصر المَقرون بالصَبر، والذي يُعين عَلى مُعترك الحَياة، قالَ الله تعالى في كتابهِ الكَريم، في سُورة آل عمران، آية رقَم (200) "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونونظراً لعظَم مِيزة الصَبر، نجد أن الصبورَ اسمٌ مِن أسمَاء الله تعالى، فهو عِبادة نُؤجر عَليها، ويُبتلى المَرء على قَدر دينهِ ليُؤجر، فالمِحن لم تُوجد لنتعَثر ونُولول؛ إنما لنصبِر، فكلما كَبر البَلاء عَظم الصَبر والجَزاء.

 

قَد يخونك الحُزن عندَ أول عَثرة، فتهوي دُموعك، ويغطّ قَلبك في حُزن دَامس، فتنزوي عَن العَالم  في اكتئابٍ غَائر، فَلا تتيقّظ إلا وقَد بَالت نفسكَ عَلى مِحنة أخُرى، تبليكَ بَلاء مَطروحاً لآخر رَمق في حَياتك، اصبر، فالصَبر شَيء جَميل، بالرَغم من تلكَ الأشيَاء المُترتبة عليه، فالمَصاعب وَاقع لا مَفرّ منه، لكِن سَيبقى هُناكَ وقتُ للبقَاء، ليسَ منَ السَهل عَلينا تقبل الأمُور عِندمَا لا تَكون عَلى ما يرُام، فيعظُم الوَجع الذي يتربعُ يَسار الصَدر، ويعلُوه ألماً يتخَلل أوسَاط الكَلام، حتى نُمسي بقايَا أراوحٍ ثَقيلة، لكن بعدَ فَوات الأوان سَندركُ أنَّ كلّ شيء نَرغبه، سَوف يأتي وَسوف يكون.

 

للصَبر أجرٌ عَظيم في الدنيَا والآخرَة، فالله تعالى يُعطي خيراً ممّا أخَذ، ويُوهب فضلاً لا ينضَب مَعينه، ويوفّيه الله جَزاء صَبره ويَسكنه فَسيح جَناته، فالصَبر عَظيم في العُسر، جَليل في اليُس

رحِم الله قائلاً: (لا تعجّل بحوائجك قبل وقتها، فيتألّم قلبك ويضيق صدركَ ويغشاكَ القنوط)، فكلّ جميل لا ينسَاه الله؛ بل يُجاب في وقتهِ المُناسب، فيُعطيك إيّاه ويُرضيك، فاصبِر عَلى رزقكَ، فالصَبر مَطلبٌ لِمن تَتوق نفسه للمعالِي، وطريقٌ للفَوز والنَجاح. إن غَدوتَ فِي مِحنة، بالتَأكيد سَتلجأ إلى أمرينِ لا ثَالث لهما: إما أن تَشكو وتستَكين لما حَدث، وإما أن تصبرَ وتحتسبَ عندَ الله لتتخطّى مَلحمَة الحَياة، وفي قِصة سَيدنا يُوسف، التي نُقشت مُحيّاها بالصَبر الجَميل، وما حلَّ بِها من فَقد سَيدنا يَعقوب لابنه سَيدنا يُوسف، لكنّه معَ ذلكَ لَم يسخَط ولَم يشكُ، بل اكتفى ببثّ حزنه وألمه وَضيقهِ إلى الله حتى ابيضَّت عَيناه، قَال الله تعالى في كتابهِ الكَريم، في سورة يوسف، آية رقم (86) "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"، فهذا دُعاءٌ جَليل من نَفسٍ يَقينة بِفرج الله، رَاسخة لا تُزلزلها الحُوادث.

 

إن كَثرت البَلايا، فاصبِر واحتَسب الثَواب عند الله، وادعُ الله بخُشوع وتضرُّع، فالصَبر عَاقبة مَحمودة الأثَر، وسبَيل لتحقيقِ المُراد إن كَانت الثقَة بالله قرينه، وهَذا هو سَيدنا زكريا عليه السَلام، قد بلغَ مِن الكِبر عتيّاً، إلا أنَ يقينه بالله لَم يَحُل بينهُ وبينَ الصَبر، إلى أن جاءَ أمر الله بينَ الكَاف والنُون، فَبشرَه الله بمطلبه، قالَ الله تعالى في كتابهِ الكريم، في سورة مريم، آية رقم (7) "يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا".

 

إنّ الصَابر يكونُ في مَعية الله وعونهِ ورحمته، فمَن الذي يَضرنا إن كَانت نَواصينا بيدِ ربِّ العِباد، قال تعالى في كتابهِ الكَريم في سُورة يُوسف، آية رقَم (18) "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ"، للصَبر أجرٌ عَظيم في الدنيَا والآخرَة، فالله تعالى يُعطي خيراً ممّا أخَذ، ويُوهب فضلاً لا ينضَب مَعينه، ويوفّيه الله جَزاء صَبره ويَسكنه فَسيح جَناته، فالصَبر عَظيم في العُسر، جَليل في اليُسر، فحَلاوة الظُفر تَمحو مَرارة الصَبر، وأجَمل ثَوبٍ أنتَ لابسُه، فكَم مِن هُموم بعد طول تكشّفت.

 

عَليكَ أن تُحيكَ مِن مَصائبك ومِحنكَ ثوباً مِن القُوة والعزيمة والصَبر، حَتى تُدركَ بأنكَ أقوَى مِن سَفاسِف الأمُور.

 

اصبِر عَلى مضَض الأدلاجِ في الأسَحر

وفي الرَواح إلى الطَاعاتِ في البكر

إنّي رأيتُ وفي الأيّام تَجربةٌ

للصبرِ عَاقبة مَحمودةَ الأثَر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.