شعار قسم مدونات

مصر والانقلاب العسكري.. إعدام وطن

blogs - اعدام وطن

تابعت اليوم مثل غيري الحكم الجائر الذي صدر على 75 من الأسرى داخل سجون العسكر، بتحويل أوراقهم إلى مفتي الجمهورية، والحقيقة أن الحكم لم يفاجئني، بل أتوقع الأسوأ دائما من هؤلاء الظلمة، وقضاتهم الفاسدين، لكن رجع بي التفكير إلى بداية الانقلاب، وكيف واجه الانقلاب الحراك الثوري وقتها بأُسلوب ربما ظنه البعض في وقته أنه أسلوب عادى، وفى الحقيقة كان طريقاً مُمنهجاً رسم مسبقاً في خطة الانقلاب العسكري، لم ندرك كيف سنواجه أو نفسد خطته، وللوقوف على هذا الأمر نقول الآتي:

أولًا: بدء الانقلاب العسكري باعتقال أعداداً كبيرة من المشاركين في الحراك الثوري المناهض للانقلاب، من المسيرات اليومية، أو من منازلهم عبر عودة ظاهرة زوار الفجر، لكن الغريب أنه كان يفبرك لهم قضايا، ثم يحولهم للنيابة، ثم يكون قرار النيابة بتجديد الحبس مرة أو مرتين، وربما أكثر، ثم يكون القرار بالإفراج بكفالة مالية، تتراوح ما بين 2000 إلى 50000 جنيهاً مصرياً – حسب الرصد في محافظتي – وكان هذا المبلغ يختلف حسب قدرة المعتقل مالياً ووزنه القيادي في قيادة تحالف دعم الشرعية، والحقيقة لفت نظري هذا الموضوع بعد تكرره، وقمت على الفور بالتحدث إلى عدد من قيادات التحالف وأخبرتهم، أن المقصود من هذا الفعل هو استنزاف الحراك والتحالف مالياً، وفى نفس الوقت ربط من خرجوا بكفالات بقضايا يتم استخدامها بعد ذلك في الضغط على هؤلاء المفرج عنهم. لذلك أرى أن يصدر التحالف قراراً بعدم خروج أي شخص عن طريق دفع الكفالة، ولهذا الأمر من وجهة نظري وقتها يساهم في أمرين:

1- المحافظة على الموارد المالية، والتي مما لا شك فيه هي أحد أدوات الصراع في العالم كله.

2- إرباك الانقلاب، حيث أن الحراك لا يزال قوياً، وهذا سيدفعه إلى التروي في الاعتقال العشوائي، والذي أثر تأثيراً بالغاً على الحراك فيما بعد (فمما لا شك فيه أن اعتقال الفرد ولو لبضع شهور ثم خروجه بعد ذلك كان يؤثر على مشاركته في الحراك) وهذا ايضاً أمراً تم رصده من قيادة التحالف على مستوى الجمهورية.

لكن كان الرد وقتها أنك تقول هذا لأنك لم تُعتقل، ولو تم اعتقالك ستبادر إلى دفع الكفالة، وسيكون لك موقفاً آخر، مما دفعني للحقيقة رغم عدم الاقتناع إلى السكوت، رغم إدراكي أن مصير الاستسلام لهذا الاستنزاف معروف وحتمي.

الحقيقة والتي تتأكد لي يوماً بعد يوم، أننا كنا نتحرك في مواجهة الانقلاب العسكري بعدم رؤية أو مشروع ولو حتى على سبيل النضال السياسي والقانوني، مما دفعنا إلى هزائم متلاحقة

ثانيا: بدء الظهور في الصورة، فالمحاكمات لقادة التحالف والرئيس محمد مرسي – فك الله أسرهم جميعاً – وأعجبني في البداية موقف الرئيس مرسي، في رفضه للمحاكمة، واعتبار أن هذه محاكمة غير دستورية، وأن الدستور والقانون وضعا إجراءات معينة لمحاكمة رئيس الجمهورية، لكنى رغم هذا كنت متعجباً من موقف قيادة التحالف، فهم رجال لا يشك في صمودهم وعزائمهم. لكن لماذا يقبلون المشاركة في هذه المسرحيات الهذلية، وإن كان الأمر في البداية يمكن أن يتسامح فيه، لكن لماذا الاستمرار في هذه المهزلة.

وتذكرت موقف الإخوان المسلمين من انتخابات 2010، حيث كانت كل المؤشرات تؤدى إلى أن نظام مبارك سوف يزور الانتخابات بالكامل ليضمن تمرير موضوع التوريث دون معارضة، ومع ذلك شارك الاخوان في هذه المسرحية، لكن الحقيقة أن مشاركتهم كانت لها إيجابية خطيرة، رغم اعتراض البعض عليهم وقتها، وهي أن مشاركتها فضحت تزوير النظام في المرحلة الأولى، ثم قاطعت الانتخابات في المرحلة التالية فأحرجت النظام إحراجاً كبيراً. أدى بعد ذلك إلى عدة تحركات مع عدد من القوى السياسية نتج عنها ثورة يناير بعدها بقليل، فتحدثت إلى أحد الحقوقيين المنشغلين بقضايا التحالف، وحدثت بعده عدداً من القيادات أيضاً، لماذا نستمر في هذه المهزلة، رغم علمنا أنه ستصدر أحكاماً وسيكون بعضها بالإعدام، وقلت لهم يومها لو أفرج عن جميع المعتقلين فلن يتم الإفراج عن اثنين وسيحكم عليهما بالإعدام، وهما الدكتور محمد البلتاجي والدكتور صفوت حجازي، نظراً لكونها من أيقونات الثورة الفاعلة.

كما أن الاستمرار في هذه المهزلة سيعطى شرعية ولو جزئية لهذه المحاكمات، وقلت لهم كيف يصرح المعتقلون بأن هناك انتهاكات تمارس ضدهم ويطلبون من هيئة المحكمة التدخل لرفع الظلم عنهم، وتقابل هذا الأمر الهيئة بعدم المبالاة، ثم نستمر في الإقرار لها وبحكمها. بل وكيف يخاطب هؤلاء الأحرار هذه الهيئة الهزلية، بخطاب محترم، بقولهم سيادة القاضي وما شابه، وهو بعيد كل البعد عن ممارسة الحكم بموجب دستورهم وقانونهم اللذين وضعوهما. وكان الرد علي يومها: بأننا نستفيد بهذه المحاكمات عبر خروجنا في الإعلام وشَغل السوشيال ميديا بقضيتنا، واهتمام كل القنوات العالمية بهذه المحاكمات، متناسين أن هذا الانقلاب أخذ شرعية التحرك من الأنظمة التي تشرف على كثير من هذه القنوات. لكن الحقيقة والتي تتأكد لي يوماً بعد يوم، أننا كنا نتحرك في مواجهة الانقلاب العسكري بعدم رؤية أو مشروع ولو حتى على سبيل النضال السياسي والقانوني، مما دفعنا إلى هزائم متلاحقة، تجعلني أرجو من المخلصين من أبناء هذا الوطن وكل الأحرار أن يدركوا طبيعة المعركة ويحاولوا اللعب معها بأدوات المبادر الذي يتحرك وفق خطة واضحة ومربكة لخصومه، لا المدافع، الذي عجز حتى عن امتلاك أدوات المدافعة، أسأل الله أن يفك أسر أبطالنا الأحرار، وأن يلهم أبناء الوطن الطريق الذي يخلصهم من بطش عصابة العسكر، اللهم آمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.