شعار قسم مدونات

فلسفة اللاإنجابية.. بين الحقيقة والواقع الأليم!

BLOGS حامل

في ظل التطور والتغيرات الهائلة التي تحصل اليوم، وفي ظل الأوضاع الصعبة بشتّى أنواعها، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وغيرها، بدأ مفهوم الإنجاب يتغير، وبدأت النظرة تتحول، وقرر الفرد إما التوقف مؤقتا، أو اللاإنجاب. وكل هذا يندرج تحت عدة أسباب جعلت الفرد يتخذ هذه الفلسفة قاعدة وحقيقة يجب أن تظهر. هل سألت روحك بداية لمَ ننجب؟ لمَ نتناسل ونأتي بأرواح إلى حياة تشبه كل شيء إلا الحياة؟ 

إن أكبر إجرام يُرتكب اليوم وكان يرتكب منذ مدة هو الإنجاب، فلمَ نراهن على أرواح؟ ولمَ نفرح سويعات ومن ثم يبدأ هم لا يزول؟ هم لكلا الطرفين، ويتضاعف لدى الطرف الآخر ألا وهو المولود. فكرة التناسل بحد ذاتها مروعة، خاصة في يومنا هذا، البشرية تتناسل لعدة أسباب، لكن الأسباب جميعها تؤول لمصلحة المُنجِب وليس المُنجَب. أن أعظم قرار أناني قد يتخذه أي شخص هو إنجاب طفل على هذه الدنيا. لا الظروف تسمح، ولا العوامل مهيئة لاستقبال جدد، وأين البشرية عن الموجودين هنا ويعانون. فهذا القرار بحد ذاته هو نهاية حياة قد يُظن بأنها ستبزغ للنور قريباً، لكن الحقيقة أنها ستعدم حالما يخرج المولود لهذا العالم النتن.

لكل أهداف دوافع، وللإنجاب دوافع، فلا يُتخذ هذا القرار في محض صدفة أو نشوة، الدافع الأول للإنجاب هو تحقيق ما لم يقدر الوالدان تحقيقه، أي أن الطفل يولد وتولد أحلامه معه، مع سبق التقرير من والديه! ولا ننسى أيضا بأنَّ هذا التقرير المسبق منذ فترة طويلة يظهر حالما يبدأ الطفل باتخاذ أول قرار له، وبحجة الخبرة يسيطرون على قرارات المولود.. وأيضاً، فكرة بأن إنجاب طفل يمكن أن يغير وضع الأم أو الأب إلى حال أفضل حالما الإتيان بهذه الروح إلى الأرض، هي أحمق فكرة ولدت من العدم، فمعظم الآباء يوّرثون أولادهم طباعهم منذ أن كانوا صغار! فكيف بهذه الطباع أن تدثر بمجرد الإنجاب؟

أن عالم اليوم مختلف تماماً عن عالم الأمس، فما كان أمس ممنوع أصبح اليوم متاح، وقيم الأمس لم تعد اليوم موجودة، بل إن الانحدار الأخلاقي والفكري أخذٌ في التزايد، وإن وُجِدت بعض القيم، فعند البعض الذي سيدثر قريبا. إذاً لمَ نقرر أن نجلبَ روح ستلعن وجودها فيما بعد، وأي أنانية أودت بنا إلى هذا القرار؟ ألم نكتشف بعد حقيقة التناسل؟

undefined

فلسفة الحياة أكبر وأشد رعبا من فلسفة الموت، أنَّ الموت أحياناً يصبح خياراً للشخص، فهناك الشخص الذي يجلب الموت بالانتحار، وهناك من ينتظر حتفه ويفكر فيه في نهاية اليوم. إن الموت أسمى بدرجاتٍ أعظم من الحياة، يتقاتلون على الحياة ولا يدركون أن الآتي أعظم. إن الموت عملية مقدسة تعني انقطاع أنفساك عن استنشاق كل ما هو عفن، أن تسمو روحك بعيداً عن هذا الهراء الذي يجري هنا، عن التملك، التسلط، حكم الغابة والأسر، أسرٌ بنوعيه، روحي وبدني. يرتعبون من الموت فيتشبثون بالحياة، يفعلون كل ما يخطر ببالهم يغوصون في الرذائل، يقذفون أولاداً ويستمتعون بالمزيد، ولسنا سوى ضحايا، ومعظم الضحايا ستصير جاني والآخر مثلي، سيلعن من كان سببا في وجوده. إذا لمَ ننجب حتى الآن. الوقت تغير والأوضاع تغيرت، إن الأمان الذي كان يُعاش سابقاً لم يعد الآن، إذا لمَ ننجب؟ وما حال أطفال أفريقيا، أطفال الكوليرا وفقر الدم والمجاعات، أطفال الهياكل والعدم، أين نحن عنهم؟ 

لنكف عن إنجاب ما لا يرغب بالحياة. لنكف عن أنانية تعترينا، لمَ لا نتبنى مبدأ الكفالة، في كل مرة أرى طفلاً يولد أشفق على حاله، لا أستطيع مداعبته، أشعر بأن كل هذا الفرح المؤقت سينتهي إما بحرب أو مجاعة، البشرية لم تعد كما كانت، زمن الطيبين لم يعد موجود. إذاً لم ننجب؟ 

دعنا عزيزي القارئ نتخيل أن الوجودية خيار، وأنت الآن مخير بأن تولد أو ألا تولد، ستنظر بداية للخيارات المتاحة، ستنتقي أترفها، وأريحها، حتماً لن تختار حياة اليوم، أن الترف والراحة التي تبحث عنها بعيدا كلياً عن حياة اليوم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.