شعار قسم مدونات

المشهد العراقي وانسداد الأُفق.. هل سيكون الحل بيد الشعب؟

blogs العراق

خلال خطاب مُتلفز في وقت سابق من شهر يوليو تموز المنصرم أعلن هادي العامري صراحةً اعتذارهُ من الشعب العراقي ودعا الحكومة والأحزاب جميعا للاعتذار. مؤكداً في الوقت ذاته تقصير الحكومة والأحزاب كافة تجاه الشعب والّذي اِنعكس نتائجه بمقاطعة الأخير للعملية الانتخابية لشعورهم باليأس من حكومة المحاصصة الحزبية! كما يبدو جلياَ من هذا الاعتراف من قبل أحد أهم أقطاب العملية السياسة العراقية منذ احتلال العراق في 2003 بأن السواد الأعظم من الشعب لم يشارك في الانتخابات النيابية وأن النسبة الضئيلة التي شاركت هي الفئة المقربة من الأحزاب الحاكمة بالإضافة إلى رجال الأمن والجيش والشرطة!

 

وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على مدى سخط الشعب من الحكومات القائمة على المحاصصة الحزبية الطائفية ورفضهم لها بكل أشكالها وشخوصها! حيث تشهد أغلب مدن العراق حالياً خروج مظاهرات احتجاجية شعبية ضد الأحزاب الحاكمة والمليشيات المسلحة التابعة لها خصوصا في مناطق وسط وجنوب العراق والتي تعتبر الحاضنة الشعبية الرئيسة لها! وهنا يتساءل البعض لماذا تنتفض الحواضن الشعبية ضد أحزابها التي من المفترض أن تكون امتداداً طبيعياً لتطلعاتها؟

 

بعيداً عن التفاصيل ولكي نفهم ما يجري علينا الرجوع إلى التاريخ القريب من عمر الحكومة الحالية، ففي منتصف 2015 عندما عمّت الاحتجاجات الشعبية العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى المطالبة بتحسين مستوى الخدمات والقضاء على الفساد وجدت المرجعية الدينية التي تحاول أن تنأى بنفسها عن التدخل بالسياسة مضطرة للتدخل وامتصاص نقمة الشارع المتصاعد ضد الحكومة وحينها طالبت في خطبتها يوم 7/8/2015 بشكل واضح وصريح أن تكون الحكومة أكثر جرأة وشجاعة وأن تضرب الفساد والفاسدين بيد من حديد وأن تشير إلى من يُعرقل عملية الإصلاح أيّاً كان!

 

يبدو أن الحكومة العراقية لم تستطع التخلص من إِرث هيمنة أحزاب المحاصصة على مفاصل الدولة ولم تكن حلولها الإصلاحية التي وعدت بها سوى إبرة مخدرة كما يحلو لبعض العراقيين تسميتها!

في اليوم ذاته صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي التزامه الكامل بتوجيهات المرجعية من خلال منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى أن معظم الأحزاب عبرت عن تأييدها لخطبة المرجعية! حينها اعتُبرت حكومة العبادي حكومة إصلاح بصلاحيات واسعة مدعومة من قبل جميع شرائج المجتمع الشعبية والدينية والسياسية وعُقدت عليها آمال عريضة خصوصا بعد الانتكاسة التي تعرضت لها الحكومة منتصف 2014 وانهيار الجيش والأجهزة الأمنية في معظم مدن ومنطق شمال وغرب بغداد!

 

لكن بالرغم من الدعم المادي والمعنوي والعسكري واللوجستي الكبير الذي نالته حكومة العبادي على المستوى المحلي والخارجي إلا أن الحكومة رغم تحقيقها مكاسب عسكريّة كبيرة باسترجاعها المناطق الغربية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلا أنها فشلت في مجالات عدة من أبرزها إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة في المناطق المستعادة وإعادة جميع النازحين والمهجرين إليها وتقديم الخدمات الضرورية لهم حيث أكدت تقارير أممية أن معظم المناطق المنكوبة لم تشهد إعماراً حقيقياً في البنية التحتية وخصوصا في مجال الصحة والتعليم على الرغم من تحسن الواردات النفطية وارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ ابتداءً من أواخر 2016 حيث لا زالت 70 بالمئة من المرافق والمنشآت الصحية والتعليمية تعاني من الإهمال الشديد أضف إلى ذلك معاناة الاف الموظفين في الحصول على رواتبهم المدخرة لسنين.

 

أما بخصوص أغلب مناطق ومدن وسط وجنوب العراق فإنها تعاني من إهمال كبير في مستوى الخدمات ومعظم المشاريع الخدمية التي تم إقرارها ووضع حجر الأساس لها منذ حكومة نوري المالكي الأولى ليومنا هذا إمّا أنها لم تنفذ أو نفذت الشيء اليسير منها دون إتمامها! من جهة ثانية لم تستطع الحكومة تحقيق برامج الإصلاح الشاملة التي كانت تصبو إليها ومن أهمها تخفيض الامتيازات المالية للمسئولين وإيقاف الرواتب التقاعدية لنواب ومسئولين سابقين الغير المستحقين لها اعتبارا من مجلس الحكم وانتهاءً بأعضاء مجلس النواب المنتهية ولايته مؤخراً وتقليص نواب الرئاسات الثلاث إلى نائب واحد فقط ومحاسبة المقصرين والفاسدين!

 

إلا أن الكثير من تلك الوعود لم ترى النور وتم الالتفاف عليها فبعد فترة قصيرة أُعيدت أغلب امتيازات المسئولين إلى سابق عهدها أما الأنكى من ذلك والذي أثار حفيظة معظم الشعب أنه تم إسناد مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة إلى كل من نوري المالكي وإياد علاوي وأسامة النجيفي كمنح ترضية لهم مقابل قبولهم بحكومة العبادي وهؤلاء يعتبرهم الشعب العراقي أساس المحاصصة السياسية في البلاد!

 

كما يبدو أن الحكومة لم تستطع التخلص من إِرث هيمنة أحزاب المحاصصة على مفاصل الدولة ولم تكن حلولها الإصلاحية التي وعدت بها سوى إبرة مخدرة كما يحلو لبعض العراقيين تسميتها! أما القشة التي كسرت صبر الشعب العراقي مؤخراُ هو البطالة المتزايدة وأزمة الكهرباء وشح المياه في وسط وجنوب البلاد! فمثلاً اعترف محافظ ذي قار رسميا يوم 29 يوليو تموز خلال مؤتمر صحفي أن نسبة البطالة في المحافظة بلغت مؤخراً 70 بالمئة خصوصا بعد ترك الكثير من الفلاحين مزارعهم نتيجة شح المياه وهذه النسبة تعتبر فاجعة لا مثيل لها بالمقاييس الإنسانية!

 

ونفس المعضلة تعاني منها أهالي مدن جنوب العراق خصوصا البصرة فبالرغم من كونها تطفو على بحر من النفط إلا أن نسبة البطالة في المدينة كبيرة جداً وتترافق معها زيادة خطيرة في نسبة الملوحة في مياهها والتي تسببت بأضرار فادحة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والتي أجبرت الكثير من المزارعين على ترك أراضيهم وقرارهم والتوجه نحو المدينة التي تعاني أصلا من نسبة بطالة عالية.

 

إذاً ما دور الحكومة المركزية التي تعهدت بالإصلاح والقضاء على الفساد المستشري في البلاد؟ في رأيي المتواضع أن سبب معظم مشاكل الحكومات المتتالية لجهة تأمين الخدمات يعود أساساً إلى المحاصصة الحزبية والطائفية المقيتة التي درجت عليها تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 وصار لكل حزب سياسي مؤسسة خاصة لإدارة وارداته ومنافعه من الوزارات أو الامتيازات الحكومية الأخرى التي يحصلون عليها من مشاركتهم في الحكومة.

 

إقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداي تأتي ضمن مساعي الحكومة لتخفيف حدة التوتر بالشارع جراء أزمة الكهرباء في البلاد، وهناك سلسلة إجراءات جديدة تتضمن إقالة مسؤولين آخرين بالحكومة هدفها تهدئة الشارع
إقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداي تأتي ضمن مساعي الحكومة لتخفيف حدة التوتر بالشارع جراء أزمة الكهرباء في البلاد، وهناك سلسلة إجراءات جديدة تتضمن إقالة مسؤولين آخرين بالحكومة هدفها تهدئة الشارع
 

لهذا لم يستطع السيد العبادي تحقيق الشيء الكثير من وعوده الإصلاحية فهو أيضا ينتمي لهذه المنظومة المتشابكة والمعقدة وأي محاولة لتفكيكها ستؤدي حتماً إلى انهيار العملية السياسية الهشة (أصلاً) وهذا بالطبع ليس من مصلحة أي طرف من أطراف المعادلة السياسية! لذلك فان الكثير من مراكز الأبحاث والمحللين يتوقعون استمرار الاحتجاجات الشعبية لأجلٍ غير مسمى وقد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه فجميع الوعود التي اُطلقتها الحكومة مؤخرا بعد موجة الاحتجاجات التي انطلقت في شهر تموز يوليو المنصرم غير قابلة للتنفيذ على الأقل في المدى المنظور في ظل حكومة تصريف أعمال!

 

ويرى الكثير من الناشطين أن تدخل المرجعية من جديد ومطالبتها بضرورة وجود حكومة قوية قادرة على الإصلاح وتوفير الخدمات سوف لن تأتي أُكُلها أيضاً كما يشتهي الشعب بالرغم من إعلان الحكومة ومعظم الأحزاب المتنفذة خضوعهم لتوجيهاتها وملاحظتها لأنهم يرون أن الأحزاب قادرة على الالتفاف على هذه المطالب المشروعة من جديد كما حصلت في المرات السابقة والدليل أن الاحتجاجات السلمية في مدن وسط وجنوب العراق لا زالت مستمرة!

 

ببساطة يتساءلون هل بمقدور حكومة تصريف أعمال خلال أسابيع قليلة توفير ما لم تستطع توفيرها خلال سنوات عديدة من عمرها وهي بصلاحيات كاملة؟! وحتى حزمة الإصلاحات التي يقودها السيد العبادي الأن تحت ضغط الشارع المنتفض المطالب بتحسين الخدمات والإصلاح الحكومي أعتقد أنها غير مقنعة وغير كافية بنظر الكثير من أبناء الشعب.

 

أما بخصوص الأمر الذي أصدره العبادي قبل عدة أيام بسحب يد وزير الكهرباء وتجميد صلاحياته قال مسؤول قريب من مكتب العبادي لبعض وسائل الإعلام المحلية إنّ: إقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداي تأتي ضمن مساعي الحكومة لتخفيف حدة التوتر بالشارع جراء أزمة الكهرباء في البلاد وأضاف أن هناك سلسلة إجراءات جديدة تتضمن إقالة مسؤولين آخرين بالحكومة هدفها تهدئة الشارع. يعني جميع التحركات الحكومية الأن هي من أجل محاصرة وامتصاص حدة الاحتجاجات وليس لأجل الإصلاح ذاته! على كل حال المؤكد الوحيد من كل ما يجري الأن هو أن الاحتجاجات الشعبية استطاعت تحريك المشهد الخدمي المتأزم وفرضت أولويات جديدة على إرادة الأحزاب المتنفذة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.