شعار قسم مدونات

ماذا لو؟.. الحلم الأردني في أعين الشباب!

blogs الأردن

"ماذا لو…" أكمل هذا السؤال بما تهواه نفسك، واسألهُ لذاتك، لضميرك، لأحلامِك وطموحاتِك التي أصبحت في مهب الريح، واسال بلادك، التي ما عادت بلادك، همشوكَ فيها وعلقوا على بابها "للأغنياء فقط"، اسأل بلادك الذي تغير الهواء فيها، ما عاد يحمل نسيماً يأسرُ روحك، ولم تعد رياحُ الشتاءِ فيها تغويك أو تلفت انتباهك، فكل هذا صار ريحاً مليئاً بالظلم والفقر والضغوطات التي لا تنتهي، يسألُ الشباب الأردني اليوم "ماذا لو…؟" ويكمل كل منهم السؤال بما تهواه نفسه، وبما يحلمُ أن يراهُ في وطنه.

ماذا لو استيقظنا جميعاً في أحدِ الأيام ورأينا أيادي الفاسدين مُكبلةً بالأغلال، تلتفُ حولها قيود العدل، يُساقونَ إلى تحقيقاتٍ جديّة تَرتَخي فيها ربطاتُ عنقُهم الثمينة من شدة صعوبتِها ودِقتها، وبعدَها مُحاكماتٍ علنية، يلقونَ فيها الجزاء العادِل، ماذا لو عادت للخزينة أموالها المنهوبة؟ ماذا لو عاملنا سارق الوطن مثلما نُعامل سارق الماعز؟ يلاحقهُ كل من في الشارعِ ويبرمونهُ بأحذيتهِم، ماذا لو أتى يومٌ عرفنا أن هذه السيارة الفارهة ليست بسبب الجد والاجتهاد في خدمة الوطن، بل بسبب الجد والاجتهاد في سرقة الوطن!

ماذا لو استيقظنا على قانون انتخاب عصري حقيقي، ينمي الحس الوطني ويحارب الفئوية المناطقية، وينتجَ برلماناً حقيقياً يعبرُ عن الشعب وآماله، ونسمعُ فيه نقاشاتٍ علميةٍ منطقية، نرى على الشاشات جدلاً سياسياً واسعاً، ونقاشاتٍ تشريعية عميقة، بدلَ التراشقَ بزجاجات المياه والأسلحة النارية! ماذا لو رأينا يوماً مرشحاً يحملُ برنامجاً انتخابيا حقيقياً؟ ماذا لو أفرز البرلمان الحقيقي حكومة برلمانية شعبية، يتلاحم فيها الشعب ومكوناته، وتكون قراراتها مرآةً لأحلام الشعب وطموحاتِه؟ 

ماذا لو رأينا يوماً حكومةً قوية تمتلكُ الولاية العامة على البلاد، تمارسُ صلاحياتها وفق خطط وطنية حقيقية، تحترمُ عقولَ مواطنيها وشخوصهم، تحترمُ إرادتهم

ماذا لو استيقظنا على مجتمعٍ يحاربُ العنصرية، ومن يتحيزُ فيهِ إلى أية فئة يلاقى باللوم والتأنيب، بدل أن يلاقى بالتشجيع الذي يزيد الجاهل جهلاً، ماذا لو أتى يومٌ نرى فيه الأهالي يباشرونَ بنقلِ أبناءهم إلى المدارس الحكومية بدل الخاصة، بسبب جودة خدماتها، وتطور أساليب التعليم فيها، ماذا لو أتى يومٌ نرى فيه التعليم الجامعي في أبهى صوره، ورأينا جامعاتٍ مجانية تخرجُ أدباءً وعلماءً على أعلى المستويات، بدلَ شركاتٍ تباهي برفع المبالغ التي تتقاضاها عن خدمة التعليم، حتى تجاوزت أرقامها كل الأرقام الفلكية.

ماذا لو استيقظنا يوماً على انخفاض أسعار المحروقات بسبب انخفاض النفط عالمياً، بدل الارتفاع المستمر على الصعيد المحلي في مقابل انخفاض على الصعيد الدولي، ماذا لو عرفنا يوماً كيفَ يتم وضع تسعيرة المحروقات، وما هو المنطق في أن ترتفع بمقدار الضعف خلال سنتين دون أي مبرر! والسؤال الأهم، لمن تذهبُ كل هذهِ الأرباح؟ ماذا لو رأينا يوماً مراجعاً في المستشفى الحكومي لا يفترشُ الأرضَ يسبُ المرضَ ألف مرة، المرض الذي آلم جسدهٌ مرة، وأذله في المستشفى ألف مرة، بسبب البيروقراطية والترهل، والمنّة التي يمنّ عليه بها كل عابرِ سبيل، لأنه أخذ حقهُ الإنساني والدستوري في العِلاج! هذا إذا تلقى العلاج أصلاً.. 

ماذا لو رأينا يوماً حكومةً قوية تمتلكُ الولاية العامة على البلاد، تمارسُ صلاحياتها وفق خطط وطنية حقيقية، تحترمُ عقولَ مواطنيها وشخوصهم، تحترمُ إرادتهم، ولا تتحدثَ عن تطوير التطبيقات الذكية بينما أبناء شعبها يأكلون من مكب النفايات! حكومةٌ لا تعاني من متلازمة سوء الإدارَة، ماذا لو عشنا إلى يومٍ نرى فيهِ خطة اقتصادية لا تنظرُ إلى جيوبنا وأرزاقنا؟ ماذا لو استيقظنا يوماً ووجدنا العدلَ هو الذي يسود، والقانون هو الذي يحكم، ماذا لو رأينا يوماً مسؤولاً حكومياً يعاملنا بالمنطق الصحيح، منطق أنه ليس إلا موظفاً عند هذا الشعب، لا أكثر ولا أقل، لا كأنه نبي مرسل فضلهُ الله علينا! ماذا لو وصلنا إلى الترياق المعالج من مرض السُلطة؟ 

ماذا لو عشنا إلى اليوم الذي يدركُ فيهِ الجميعِ أن الحياة حق، والكرامة حق، والتعليم حق، والعلاج حق، والرأي والتعبير عنه حق، والعمل حق، ماذا لو أتى اليوم الذي يتخرجُ فيه الشابُ من الجامعة، لا يحملُ مئة ألف هم في قلبه، ويلازمه السؤال التقليدي؛ ماذا سيفعل في ظل شبح البطالة الذي يغتالُ كل الطموحات والأحلام؟ ماذا لو تحققت أية أمنية من هذه الأمنيات؟، أي إجابة لهذه التساؤلات لا تخلو من اتهامك بأنك تحلم، وفي الحقيقة أنت تحلم، فاستيقظ على ذات الحياة البائسة، والماضي المزور، والحاضر الضبابي، والمستقبل المجهول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.