شعار قسم مدونات

هل هناك قطيعة بين الصومال وإثيوبيا حتى تحل الآن؟!

blogs زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي للصومال

لا تستغرب وانظر الأحداث بنظرة واقعية لا نظرة عاطفية، ولا تتسرع الإجابة أو الحكم المسبق، بل اقرأ؟ واحكم بنفسك، فلنبدأ الأحداث التي تلت بعد الحرب الطاحنة التي دارت بين الصومال وإثيوبيا عام 1977م والتي أدت في نهاية المضاف انسحاب القوات الصومالية من ميدان المعركة، بعد حصول إثيوبيا دعم من الاتحاد السوفيتي وعدد من الدول الاشتراكية آنذاك، وبعد أعوام اجتمع سياد بري ومنجستو عام 1984م في جيبوتي على هامش المؤتمر التأسيسي لمنظمة إيجاد IGAD، وبعد مفاوضات استمرت سنوات بعد تكليف لجنة من قبل الدولتين، توصلوا إلى اتفاق في جيبوتي 1988م ووقع الجانب الصومالي نائب رئيس الوزراء بينما وقع الجانب الإثيوبي وزير خارجيتها، وهكذا اتفقت الصومال وإثيوبيا على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد 11 عاما من اندلاع نزاعهما الحدودي حول منطقة الصومال الغربي (أوجادين).

واتفق الدولتان بانسحاب قواتهما على حدود الأخر، وكذلك وقف الدعاية المعادية ضد بعضهما البعض وتبادل أسرى الحرب بينهما، ولم تحسم قضية الحدود التي هي رأس المشكلة، واقترحوا أن يتم النظر في وقت لاحق، ولكن بعد سنوات انهار حكومات كل من الصومال وإثيوبيا على يد الحركات المسلحة المعارضة على الحكومتين، وفي عام 1991م طرد كل من سياد بري زمنجستو من عواصم البلدين الصومالية والإثيوبية، ونقلت سلطة إثيوبيا على يد المعارضة المسلحة المناهضة لمنجستو التي يقودها ملس زناوي، بينما بدأت الصومال فصل جديد من التناحر داخل المعارضة المسلحة التي لم تحسم لتقاسم السلطة.

وبدأت الحروب الأهلية في الصومال ونزح الشعب من ويلات الحرب بعضهم فرّو إلى الدول الأوروبية والأمريكية والعربية، ولكن أكثر هم نزحوا إلى دول الجوار، وقد استضافت كل من كينيا وإثيوبيا أكثر الهاربين من الحروب الأهلية في الصومال، وازداد عدد اللاجئين الصوماليين الوافدين إلى كينيا وإثيوبيا بشكل كبير سنة بعد سنة، بسبب الأثار المجتمعة للجفاف والمجاعة وانعدام الأمن المستمر في الصومال. وحاول العالم لإنقاذ الصومال من ويلات الحرب، وعقد مصالحات ومؤتمرات لشمل الفرقاء السياسيين المتحاربين، وشاركت إثيوبيا في انعقاد هذه المؤتمرات.

 

البلدين لهما علاقات تجارية أثناء الحروب الأهلية، حيث يوجد تجار صوماليون ينقلون البضائع إلى داخل إثيوبيا، وحتى هناك تجار صوماليون يحملون جواز سفر إثيوبي ليسافروا أنحاء العالم للتجارة

واستضافت بشكل مباشر مؤتمرين عقدوا داخل إثيوبيا، وهو المؤتمر الذي عقد في الفترة ما بين يناير إلى مارس عام 1993م في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والتي نظمتها الامم المتحدة لإنهاء القتال الدائرة في الصومال خاصة القتال الدائر في العاصمة وبين الجبهات المقاتلة أيضا في وسط وجنوب البلاد، ونزع السلاح عن المليشيات تمهيدا لتشكيل حكومة موحدة، وشارك هذا المؤتمر 15 فصيلا من الجبهات واتفق على إنهاء العنف، لكن لم ينجح هذا المؤتمر لتطبيق بنوده على أرض الواقع لأسبابه الخاصة ولا نخوضه الأن.

وكذلك استضافت إثيوبيا ما بين نوفمبر عام 1996 ويناير 1997م وهو مؤتمر سودري للمصالحة على فرقاء الفصائل المقاتلة في الصومال، وشارك هذا المؤتمر حوالي 26 فصيلا من الفصائل المتحاربة في الصومال، واتفق على تشكيل مجلس إنقاذ وطني والذي يضم على 14 عضوا من الفصائل التي حضرت المؤتمر، وكان من أهم مهامه العمل على تشكيل حكومة للبلاد في أقل وقت ممكنة، ولكن المجلس لم يحقق النتائج المرجوة، بسبب رفض فصائل أخرى التي لم تشارك المؤتمر نتائج المؤتمر.

وفي الجانب الأخر فإن البلدين لهما علاقات تجارية أثناء الحروب الأهلية، حيث يوجد تجار صوماليون ينقلون البضائع إلى داخل إثيوبيا، وحتى هناك تجار صوماليون يحملون جواز سفر إثيوبي ليسافروا أنحاء العالم للتجارة ما دام جواز السفر الصومالي لم يكن مقبول ومعترف في كثير من دول العالم بعد انهيار الحكومة الصومالية، وكذلك هناك رحلات جوية بين إثيوبيا وأرض الصومال بصفة مستمرة وعلاقات تجارية خاصة بينهم.

 

وعند تأسيس الحكومة الانتقالية الصومالية في نيروبي والتي اختير عبد الله يوسف رئيساً، ضاعفت إثيوبيا تأثيرها السياسي في الصومال وشاركت في نقل الحكومة الانتقالية إلى العاصمة الصومالية مقديشو خاصة مقر الرئاسي (فيلا صوماليا)، أضف إلى ذلك قامت بتدريب قوات عسكرية لحكومة يوسف، وأرسلت سفيرا لها إلى الصومال مقيما في العاصمة، والأن لها علاقات جيدة كل الولايات الفدرالية المنقسمة في الجمهورية الصومالية، والتي إذا نظرت شكل خرائط هذه الولايات ترى مدى تأثير إثيوبيا في صناعة هذه الولايات لأن كل ولاية لها حدود مباشر مع إثيوبيا.

هكذا أصبحت إثيوبيا الدليل السياسي للمنطقة وصاحبة المبادرة في التنازل عن الأراضي لتقليل الصراع في المنطقة، ولكن السؤال هي هل ستتنازل الصومال بدورها لإثيوبيا في الأراضي المتنازعة بينهما؟
هكذا أصبحت إثيوبيا الدليل السياسي للمنطقة وصاحبة المبادرة في التنازل عن الأراضي لتقليل الصراع في المنطقة، ولكن السؤال هي هل ستتنازل الصومال بدورها لإثيوبيا في الأراضي المتنازعة بينهما؟
 

ترى وبعد هذه الوقائع والعلاقات المتبادلة بين البلدين بداً من أيام الفصائل المتحاربة ثم الحكومات الانتقالية التي لم يتردد رؤساءها يوماً في الزيارة إلى اثيوبيا والتشاور بها، وكل هذه الاحداث التاريخية فهل هناك قطيعة بين الصومال وإثيوبيا؟ لكي يبدأ علاقات جيدة وصفحة جديدة. فقد كثرت هذه الأيام تطبيل وتصفيق عن بداية صفحة جديدة بين الصومال وإثيوبيا بعد الزيارة التي جاء بها أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إلى الصومال، وكأنها هي الزيارة الأولى بين البلدين بعد قطيعة دامت مدة من الزمن، وكل هذا التسويق الإعلامي الضخم حيرت الناس مغزى الهدف من وراء كل هذا التركيز على الزيارة، وكذلك الفصل الجديد الذي بدأ بين الصومال وإريتريا من هذا التقارب المفاجئ وعلاقته على زيارة أبي احمد الى الصومال.

 

فقد يفسر المتابع كل هذه التحركات أن هناك طبخة سياسية وراء الكواليس، وتكون إثيوبيا رأس كل هذه التحركات، وتحاول تطبيق تصفير المشاكل بينها وبين دول الجوار، وبدأت تطبيقه فعلا حيث تنازلت لإريتريا الأراضي المتنازعة بينهما، ولكن في السياسة لا يوجد شيء بدون مقابل، وفي أقل الاحتمالات ربما قامت هذا التنازل حتى تكون في نظر العالم أنها دولة مسالمة لتحشد رأي العالم لصالحها.

وهكذا أصبحت إثيوبيا الدليل السياسي للمنطقة وصاحبة المبادرة في التنازل عن الأراضي لتقليل الصراع في المنطقة، ولكن السؤال هي هل ستتنازل الصومال بدورها لإثيوبيا في الأراضي المتنازعة بينهما؟ لنرى سر التطبيل الإعلامي حول الصفحة الجديدة التي ستبدأ بين الصومال وإثيوبيا، وسنرى إلى أين ستأتي العاصفة، والأيام حبلى والزمن هو الحكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
– مركز مقديشو للبحوث والدراسات.
– عبد الله آدم موسى(2017) الحرب الصومالية الاثيوبية 1977 وتأثيرها الاقليمي والدولي، دار الفكر، القاهرة.
– المواقع الاخبارية المحلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.