شعار قسم مدونات

هل تُنكح الأنثى لشهادتها؟!

blogs زواج حجاب

البحث عن الزوجة ليس بالأمر السهل، فالموضوع يحتاج إلى دراسة جادة وتفكير سليم وحكمة عالية، ولا يخفى على أحد أهمية هذا الموضوع، فالزوجة هي الأساس لبناء أسرة سليمة قوية، قادرة على إنتاج جيل واعٍ وقويّ، ينشأ على الأخلاق والقيم، وتغرس فيه معاني الخير والصلاح، ويربى على العزيمة والإرادة.

ولقد أحسن شوقي حين قال:

الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا
أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق
الأم روض إن تــعـهـده الـحـيـا
بــالــري أورق أيــمــاً إيـــراق

لقد حثَّ الإسلام على الزواج تحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية، فهو حاجة فطريّة وروحية، والحكمة منه أن تنشأ الرحمة والمودة بين الزوجين، ويقف بعضهما إلى جوار بعض ويساند بعضهما البعض. والأسرة المسلمة التي تنشأ على الإيمان بالله، والتمسك بأخلاق الإسلام، والتعلق بالمساجد، تستطيع بنور القرآن أن تخرج للحياة أبطالاً شجعانا، وعلماء وعبّاداً، وقادة مخلصين، ورجالاً صالحين، ونساء عابدات قادرات على خوض معترك الحياة بكل وعي وإدراك.

حصول الأنثى على الشهادة ليس دليلا أنها قادرة على تحمل أبسط أعباء الحياة الزوجية، فكل أنثى دارسة ليس بالضرورة أن تكون واعية

وكل ما ذكر لا يقتصر على حاملة الشهادة فقط، بل على ذات الدين والهدف والقضية، ففي ظل التطور الاجتماعي تطورت نظرة الإنسانية للزواج، وتبدلت المعايير وتجددت أهداف الزواج، فأصبح هناك من يبحث عن ذات الشهادة، بغض النظر عن محتواها، فكل عصراً له من الجهل نصيب، ولنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حكمة وموعظة، عندما قال: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) فلم يقل فاظفر بذات الجمال أو النسب أو الشهادة وإنما خصص "ذات الدين"، حتى الأنثى ينبغي أن يكون نظرها وترجيحها مبنيّاً على الدين والخلق، ودليلُ هذا قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، قَالَ الطِّيبِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ -: "وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ".

فالمال والجمال وكذلك الشهادة تتغير مع مرور الزمن، بعكس الدين فهو يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا ينعكس على الأسرة بشكل كامل، فاختيار شريكة الحياة يكون من خلال الاهتمام بالفتاة التي تملك مقومات الزواج الناجح، والقدرة على تكوين أسرةٍ وتحمل مسؤولية وتنشئة أطفال صالحين مصلحين. فالشهادة والدبلوم ليس من الضروري أن يُعادل الأخلاق، فكم من أناس لم تزدهم شهاداتهم إلا نفاقاً وتكبّراً! بالطبع أنا لا أنكر ضرورة العلم وأهمية وجود الشهادة، فهي ضرورية لمسايرة العصور، لكن يجب عدم الخلط بين مفهوم العلم والمعرفة، فالحصول على شهادة مهما كان نوعها لا يعني أننا كفتيات على جانب كبير من الوعي والذكاء، فالمستوى العلمي شيء والثقافي شيء آخر (فكل مثقف متعلم، وليس بالضرورة كل متعلم مثقف).

وحصول الأنثى على الشهادة ليس دليلا أنها قادرة على تحمل أبسط أعباء الحياة الزوجية (فكل أنثى دارسة ليس بالضرورة أن تكون واعية)، ولهذا يجب الوقوف على بعض أسرار الموازنة التي يعقدها الحديث الشريف، بين طلب ذات الدين الذي حثَّ وأكدّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين طلب الجمال والشهادة الذي يحثّ عليه المجتمع أو العائلة. يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم معلقا على الحديث السابق: "الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين". فاظفر بمن ترقى معك لا ترقى عليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.