شعار قسم مدونات

كيف تأثرت المرأة بمجتمعنا بالعادات والتقاليد البالية؟

blogs امرأة من غزة

كانت طفلة بريئة تحتضن دميتها بينما ترخي رأسها على المقعد في الحافلة، كان واضحا أنّها غارقة في أحلام يقظتها، كانت تبدو وكأنّها تطفو في عالم آخر. نظراتها الفضولية نحو الأشخاص والأشياء توحي بعقل متفتّح يريد أن يعرف كلّ شيء، عقل يريد أن يغامر ويخوض هذه الحياة، ثمّ يمنح صاحبته نوما مليئا بمزيد من الأحلام ومزيد من الشّغف. أتساءل كم فتاة عربية مسلمة كانت كتلك الطّفلة ترغب بامتلاك الدّنيا، لينتهي بها المطاف مزهرية مهشّمة بين أربع جدران لا تجيد حتّى تربية أولادها تربية سليمة؟ أتساءل كم فتاة تمّ تحويلها من طاقة منيرة إلى وقود للاشتعال مع بقيّة النّساء وهمّ وحيد تعيس هو الزّواج؟ أتساءل كم برعما تمّ بتره قبل أن يزهر ليضيء قليلا من سواد هذا المجتمع الّذي نعيشه؟

ما رأيتُه وأنا أراقب تلك الصّغيرة جعلني أتحسّر على هذا المجتمع الظّالم الّذي يصنع للمرأة عالما مزيّفا لم يأتِ به تشريع من قبل، ويضع لها حدودا ليس لها نفع سوى أن جلبت الدّمار لمجتمعاتنا المدمّرة أصلا. حينما يتأمّل المرء فيما يحيط بالمرأة فسيجد عراقيل كثيرة تأسرها، ومعظم هذه العراقيل جاءت من زاوية نظر ضيّقة لمختلف الجوانب. وزاوية النّظر هذه تدعمها قوى كثيرة في العالم، فالإعلام وحده قد صنع جزءا كبيرا منها. لكن هل يمكن النّظر للأمور من منطلق مختلف؟ ليس بالنّسبة للمرأة فقط بل بالنّسبة لأمور عدّة في الحياة.

أوّلا على المرأة أن تفهم أنّها إنسان مثلها مثل الرّجل قد خلقها الله لتعمّر الأرض وتكون خليفة فيها، فإن أحسنت أحسنت لنفسها وإن أساءت فعلى نفسها، لن يتحمّل أحد عنها الحساب فلماذا يقحم أيّ أحد نفسه في أمورها؟ وللتّذكير فقط لدينا حالتان مثاليتان في القرآن الكريم عن هذا الأمر، فآسيا زوجة فرعون آمنت ونجت بنفسها وصنعت لها مكانا في الجنّة رغم أنّها كانت زوجة طاغية، وزوجة لوط وكذا زوجة نوح لم يغن عنهما كونهما زوجتا نبيّين بشيء، وانتهى بهما المطاف كافرتين رغم أنّ الرّسالة كانت أقرب إليهما. هاتان الحالتان لا تدلّان سوى على شيء واحد وهو أنّ المرأة هنا وفي كلا الحالتين قد استخدمت عقلها واعتمدت على تفكيرها وآرائها بعيدا عمّا يراه زوجها، وحسابها في الآخرة لن يكون مرتبطا بالزّوج ولا بأحد آخر، بل بها فقط.

الإسلام لم يمنع في ثناياه أيّ إنسان من الحقّ في العيش كما يريد وتحقيق ما يرغب به وكذا السّير في الطّريق الّذي يريحه، طالما هو يفعل هذا دون أن يخالف أوامر الخالق

إذن إن كان للمرأة هذه الحرّية في أن تدخل الجنّة أو النّار، ألا يعني أنّ لها الحرّية في أن تختار الطّريق الّذي سيوصلها إلى مصيرها النّهائي؟ ولستُ هنا أنادي للحرّية الّتي صرعتنا بها وسائل الإعلام، فأعلم أنّ قارئ هذا المقال سيعرض عنه وينعتني بحاملة للفكر الغربي أو يكفّرني ربّما لأنّني أتلفّظ بما هو ممنوع! لكنّني أنادي هنا بإعمال العقل والمنطق والكفّ عن السّير بمنطق الجاهل.

ما الّذي يربطنا كثيرا في مجتمعنا من حرّية التحرّك وفعل أمور كثيرة؟ إذا منحنا هذا السّؤال حقّه ستكون الإجابة واضحة، وهي الموروثات الثّقافية والعادات والتّقاليد والعرف وما إلى ذلك، لكنّك لن تجد لفظة الدّين هنا، فالإسلام لم يمنع في ثناياه أيّ إنسان من الحقّ في العيش كما يريد وتحقيق ما يرغب به وكذا السّير في الطّريق الّذي يريحه، طالما هو يفعل هذا دون أن يخالف أوامر الخالق. من هذا المنطلق سندرك أنّنا نظلم أنفسنا كثيرا في هذه الحياة، وأنّنا نغفل أمورا مهمّة نقدّم عليها أمورا تافهة.

فالفتاة مثلا منذ أن تبدأ بالظّهور على السّاحة كشابّة يبدأ حديث الزّواج بالطّنين فوق رأسها، فتجعلها الجارة والجدّة ونساء الأعراس فتاة فاشلة إن هي لم تستطع أن تتزوّج في أقرب وقت. وإن هي تلفّظت بكلمة دراسة ونجاح فسيجعلنها تندم على اليوم الّذي قرّرت فيه مناقشتهنّ، فبالنّسبة لهنّ لا نجاح في هذه الحياة للفتاة إلّا بالزّواج، ولاحظ معي أنّ الفاعل هنا هو المرأة، المرأة هي من تظلم نفسها في هذا المجتمع أكثر ممّا يظلمها الرّجل!

ويزيد تأثيرا على الفتاة المسكينة ما تراه في وسائل الإعلام من مسلسلات وغيرها، فالفتاة تلعب دوما دور حبيبة البطل، لا تكون البطلة إلّا في حالات قليلة، وإن كانت فلا بدّ أنّها بطلة تنتظر أميرها، فالحياة لا تسير دون رجل! وفي حال كانت الفتاة مثقّفة قليلة التأثّر بالمسلسلات فسيأتيها كاتب يخبرها أنّها كائن محيّر لا يمكن فهمه وأنّها أشبه بمجلّد ضخم بالنّسبة للرّجل ليفهمها، فثانية تجد نفسها أمام معادلة لا بدّ أن يكون الرّجل جزءا منها كما أنّها تجد نفسها أمام معطيات خاطئة تنعكس عليها سلبا.

إن عدنا للعقل والمنطق قليلا فسنجد أنّ تجنيد المرأة لتكون بهذا الشّكل الفاشل في المجتمع هو تجنيد مدروس هدفه هو إغراق المجتمعات في غير ما يجب أن تلتفت إليه، وأنا ممّن يؤمنون بنظرية المؤامرة كما كنتُ قد فصّلتُ في أحد مقالاتي السّابقة. 

على المرأة أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وهذه المسؤولية ليست تربية الأولاد فقط بل المشاركة للنّهوض بالمجتمع
على المرأة أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وهذه المسؤولية ليست تربية الأولاد فقط بل المشاركة للنّهوض بالمجتمع
 

لكن ليس هذا موضوع حديثي هنا إنّما أريد التّركيز على ما فعلته فينا –نحن العرب المسلمون خاصّة- هذه التّقاليد والموروثات البالية. ولأضرب وترا حسّاسا أستطيع أن أستحضر هنا مثالا بسيطا: لماذا يجب أن يمرّ الزّواج بتلك المراحل الّتي لا أفهم فيها أيّ شيء أصلا؟ لماذا يجب أن تكون هناك حنّاء قبل العرس وعروس لا يجب أن تضحك في عرسها ومهر مبالغ كأنّه يتمّ شراؤها وملابس معيّنة وحليّ من الذّهب وغيرها من التّعقيدات؟ إن سقط شرط من هذه الشّروط فما الّذي سيقوله أهل العرس أو النّاس، واللّفظ واضح: عيب!

سينقلب النّاس وحوشا ضدّ من يخلّ بشرط من شروط الزّواج التّقليدي الّذي اعتدنا عليه، بل إنّ فكرة التخلّي عن أحدها أو تخفيض قيمة المهر هي فكرة لا يمكن أن تستسيغها عقول كثيرة، والسّبب في ذلك هي الموروثات الّتي لم نفكّر حتّى بتصفيتها ممثّلين بذلك جاهلية ثانية "إنّا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون"، إضافة إلى اهتمامنا الشّديد بكلام النّاس الّذي علينا أن نرضيهم ونحن ندرك أنّ إرضاء النّاس هو ضرب من الجنون!

الحقيقة أنّنا عبارة عن مجتمع يخاف من القيام بالخطوة الأولى في أيّ شيء، فكلّ ينتظر من الآخر أن يبادر، وحينما تتمّ معاتبته فسيقول أنّه يتّبع ما يرى النّاس عليه، ولو كان ذلك خاطئا، ولو كان ذلك مبنيا على أساس مزيّف. ولذلك حينما يرون شخصا يخالفهم فسيكيلون له كمّا من التّهم ليعود إلى القطيع ويترك عقله يعود إلى سباته. وهو الحال مع المرأة، فإن هي اختارت الطّريق الّذي لا يرضاه لها النّاس –وهو الزوّاج- فستجد نقمة كبيرة منهم، مع أنّها لن تسلم منهم في كلّ الحالات.

ولا يعني كلامي أنّ الزّواج هو العائق الوحيد أمام المرأة، فالزّواج في الحياة هو وسيلة وليست غاية، كما أنّ هناك من تتزوّج وتنجح في حياتها كإنسان له كيان خاصّ. لكنّ الفكرة هي أنّ على المرأة أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وهذه المسؤولية ليست تربية الأولاد فقط بل المشاركة للنّهوض بالمجتمع، فيا عزيزي الرّجل أولئك أولادك كما هم أولادها، وإن لم تعتن أنت أيضا بتربيتهم وتوجيههم التّوجيه الصّحيح فلن تقدّم أنت وزوجتك سوى المزيد من الفشل إلى هذا المجتمع الّذي يكاد أن يستسلم ويتفتّت ويتحطّم فوق رؤوسنا.

العادات والتّقاليد والموروثات الّتي نربط أنفسها بها ليست سوى ربط ظالم نستطيع أن نتحرّر منه في أيّ لحظة، وحينما يظنّنا النّاس قد اقترفنا خطأً كبيرا وذنبا غير قابل للغفران، لنتذكّر أنّ تارك القطيع سيتمّ تصغير حجمه دوما وتخويفه ليعود إليه، وكلّ ما علينا فعله هو ألّا نعود، حينها فقط سنحدث فرقا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.