شعار قسم مدونات

الميليشيات العراقية والدستور.. شرعنة غير المشروع!

blogs - مليشيات العراق

المادة التاسعة من الدستور العراقي لعام 2005 تنص على أن يحضر تشكيل الميليشيات خارج نطاق القوات المسلحة. القوات المسلحة هي الجيش والقوات البحرية والقوة الجوية والدفاع الجوي وحرس الحدود، وتكون تابعة إلى وزارة الدفاع تحت إمرة وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. بعد غزو العراق من قبل قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 واحتلال العاصمة العراقية بغداد وسقوط نظام حزب البعث، اعترفت القوات التي دخلت العراق أنها قوات غازية ومحتلة حيث أقرت القوانين الدولية أن مقاومة الاحتلال عمل مشروع ومباح. تشكلت على أثرها الكثير من الفصائل المسلحة لمقاومة القوات الأجنبية على أرض العراق تحت غطاء ديني أو مذهبي أو قومي إقليمي أو محلي، ومنها مصالح وطنية أو لإشغال أمريكا في مستنقع العراق. 

استمرت هذه الفصائل في عملها لسنوات طوال، أرغمت المحتل على الخضوع والإذعان والقبول بالانسحاب تحت ضربات المقاومة الموجعة. أجلت القوات الأمريكية جنودها عن أرض العراق في 18 ديسمبر 2011 بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، التي حفظت بها ماء الوجه. ألا إن الكثير من هذه الفصائل رفض الرضوخ لفكرة تفكيك وتسريح عناصره، بل استمر في عملياته ضد القوات الحكومية العراقية معتمداً على الدعم الخارجي بذريعة أن الحكومة العراقية جاءت تحت غطاء الاحتلال الأمريكي ويجب محاربتها واسقاطها.

ارتكبت حكومة بغداد الكثير من المخالفات الدستورية خلال الأعوام الخمسة عشر التي خلت، ومن المؤسف أن المحكمة الاتحادية العليا لا تنظر بهذه المخالفات

إن أصحاب هذه الفكرة لم يكونوا موفقين في طرحهم وفسحوا المجال لاقتتال داخلي، جعل من العراق ساحة لمعركة طائفية بين مكونات الشعب الواحد، وسعوا في زعزعة أمن واستقرار مدنهم. كما هيئوا الأرضية الخصبة لانتشار الجماعات المسلحة فيها التي تحينت الفرص من أجل اسقاطها، طمعاً في تغيير نظام الحكم القائم في العراق بين الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية العراقية وتهاون حكومة بغداد عن حماية المدنيين – لغاية في نفسها – وبين توغل المجاميع المسلحة التي نجحت في اسقاط ثلاث مدن عراقية في حزيران 2014 تحت قبضة الإرهاب الذي كانت تروج له آلة الإعلام المعارض وتصفه بالمقاومة.

لم تكن محافظات وسط وجنوب العراق أحسن حال من شماله فقد كانت تنتشر الفصائل المسلحة وبكثرة، إلا أنها في حالة سبات بعد زوال أسباب نشاطها، ولأنها شاركت بنسبة كبيرة في التشكيلة الحكومية . سقوط مدينة الموصل في يد التنظيمات الإرهابية وإعلان فتوى الجهاد الكفائي في حزيران من عام 2014، التي كانت تدعو إلى دعم القوات المسلحة وإسناد الجيش العراقي لمواجهة خطر تمدد المجاميع الإرهابية، نشطت الفصائل المسلحة التي كانت في حالة من السبات لعدة سنوات وجعلها تظهر من جديد الى العلن. جاء قانون هيئة الحشد الشعبي لشرعنة وجود الفصائل المسلحة خارج نطاق واختصاص وزارة الدفاع، ولم يكن موفقاً في طرحة والتصويت عليه لأنه ناقض وخالف مخالفة دستورية قانونية واضحة وصريحة، نص المادة التاسعة الفقرة الأولى من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 والتي منعت تشكيل أي فصيل مسلح خارج نطاق القوات المسلحة التي تم تعريفها وبيان صنوفها في صدد حديثنا عن القوات المسلحة وتكون خاضعة الى وزير الدفاع حصراً

ارتكبت حكومة بغداد الكثير من المخالفات الدستورية خلال الأعوام الخمسة عشر التي خلت، ومن المؤسف أن المحكمة الاتحادية العليا لا تنظر بهذه المخالفات. كما لم يحرك أعضاء مجلس النواب أو أي جهة أخرى لها حق الطعن بعدم دستورية القوانين ساكناً، بل إن الكل قد التزم الصمت خوفاً من اتهامه بالإرهاب أو لأسباب أخرى. اثناء الثورة السورية عام 2011 تدخلت الفصائل المسلحة العراقية مدعومة من نظام إيران لمساعدة بشار الأسد في قمع الانتفاضة تحت ذريعة محاربة الارهاب وحماية المراقد المقدسة. إلا أننا وجدنا هذه الفصائل انتشرت في مختلف الأراضي السورية وقامت بعمليات قتالية في أكثر من جبهة. بعد القضاء على تنظيم الدولة وإعلان النصر في بغداد وجلاء قوات الاحتلال الأمريكي حسب ما أعلن عنه عام 2011 فما جدوى بقاء الفصائل المسلحة المخالفة للقوانين الداخلية والدولية وحتى الأعراف، ولماذا تقاتل هذه الفصائل في سوريا وما مدى سيادة العراق على أراضيه وهو يشرع قانون مخالفاً لدستوره يهدف إلى تبرير تدخل دولة أجنبية بميليشيات مسلحة يعترف قادتها أنهم يستلمون تعليماتهم وأوامرهم من دولة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.