شعار قسم مدونات

إلى متى ستبقى لغة الضاد مهمشة في الجامعات العربية؟

blogs اللغة العربية

أليست الجامعات العربية تُقزّم اللغة العربية وتجعلها تبدو وكأنها غير قادرة على مواكبة العصر وتطوراته العلمية والتكنولوجية؟ وهل الدراسات الإسلامية هي فقط وحدها ما يجب تدريسه باللغة العربية في جامعات العالم العربي؟ بدايةً، إن الدافع الرئيسي وراء رغبتي في كتابة هذه المقالة هو شعور الغيرة والحزن الذي انتابني منذ عدة شهور ولا يزال، بل وربما سيظل يكتنفني. عندما أصبحت على دراية بأن الطب والعديد من الفروع الأخرى لا تُدرّس باللغة العربية في أغلب البلاد العربية! في حين أن بلد مثل فنلندا، والتي يناهز عدد سكانها 5،5 مليون نسمة فقط تُدرِّس جميع فروع جامعاتها المختلفة باللغة الفنلندية! فلماذا يا ترى لا تُدرِّس فنلندا أو السويد أو اليابان أو تركيا، الطب والفروع المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا باللغة الانجليزية بشكل كامل؟ 

لن أسترسل هنا في الحديث عن ماضي اللغة العربية وتاريخها العريق، ولكن لا بد من إعادة التذكير بالدور البارز الذي لعبته اللغة العربية في تاريخيها الذهبي وأخذ العبرة من ذلك، حيث أنها استُخدمت أولاً لنقل المعرفة والعلم من خلال ترجمة الكتب اليونانية وغيرها الى العربية، ومن ثم أصبحت هي لغة العلم السائدة، إذ أن العلماء كانوا يكتبون بها اكتشافاتهم واختراعاتهم الجديدة وهذا ما منح اللغة العربية هيبة وأهمية عالمية بالغة في ذلك العصر. أما إذا نظرنا إلى حاضر اللغة العربية الآن وقارناها بماضيها؛ وشتان في الفارق بين ماضيها وحاضرها، فسنجد أن ما تقوم به الدول العربية على وجه العموم والجامعات العربية على وجه الخصوص هو خطأ فادح لا يليق باللغة العربية، إذ أنه يجعلها تظهر وكأنها لغة غير معاصرة، بل وما هو أسوء من ذلك هو جعل عدد كبير من الناطقين بها يصدقون بأنها لغة غير قابلة لأن تتماشى مع هذه التطورات المتسارعة وما إلى ذلك.

طبعاً تعريب الطب لا يعني بالضرورة تعريب كامل المصطلحات الطبية، لأن معظم هذه المصطلحات ليست إنجليزية بحتة بل إما من اللاتينية أو اليونانية، مما يحتم علينا إبقاء كل المصطلحات بلغتها العالمية إضافةً إلى اسمها المعرب.

صُدمت عندما رأيت بعض المعلقين على مقال يقترح تدريس الطب باللغة العربية يعترضون ويقولون بأنها غير قابلة على استيعاب أو مواكبة عصر التكنلوجيا أو أنها لغة غير علمية بل دينية، واللغة الانجليزية والفرنسية هما فقط اللغات العلمية. طبعاً هذه التعليقات لا تمت بصلة لإمكانية اللغة العربية على الاستيعاب والمواكبة، لأن عدم تماشيها مع هذه التطورات الحديثة بشكل كامل ومعاصر هو نتيجة قلة الاهتمام الواضح بها، فلن تستطيع -بطبيعة الحال- أن تكون لغة علمية من غير البدء بعملية التعريب بجدية، أو بدون التدريس أو إجراء الأبحاث بها في الجامعات والمراكز العلمية – إذا كانت موجودة أصلاً- ثم إن اعتبار اللغة العربية لغة دينية وحسب هو تناقض ومغالطة كبيرين فهل كانت العربية لغة دينية فقط في عصرها الذهبي؟

وهنا سننتقل إلى نقطة أساسية وهي التعريب. التعريب قضية لا يمكن – في أي حال من الأحوال – إيقافها وإبطائها وعرقلتها أو المماطلة بها. ولا يجب أن يكون هناك أصلاً أي ذريعة أو سبب يجعلنا نتملص من أو نتقاعس في أداء مهمة التعريب. فالتعريب أمر لا مهرب منه بل لا غنى عنه شئنا أم أبينا. طبعاً تعريب الطب لا يعني بالضرورة تعريب كامل المصطلحات الطبية، لأن معظم هذه المصطلحات ليست إنجليزية بحتة بل إما من اللاتينية أو اليونانية، مما يحتم علينا إبقاء كل المصطلحات بلغتها العالمية إضافةً إلى اسمها المعرب.  طبعاً ومن نافلة القول إن اللغة الانجليزية هي بالفعل أصبحت – في عصرنا هذا – لغة عالمية مهمة سائدة ومهيمنة في شتى المجالات مثل التكنولوجيا والعلوم الطبيعية والطبية، ولكن هذا لا يعني بتاتاً أن نقوم بالتدريس بها في جميع كليات الطب، بل على العكس تماماً فهو يقتضي التدريس بالعربية بالإضافة طبعاً إلى إتقان الانجليزية ورفع مستوى تعليمها وتدريسها ولكن ليس على حساب اللغة الأم! لأن هناك منافسة ضرورية بين اللغات العالمية لنشر ثقافتها وفرض نفسها، ولكن كالعادة وللأسف رغم وجود العديد من الفرص الذهبية أمام العرب لجعل لغتهم ضمن ثلاث أقوى لغات عالمية، لم يستطيعوا حتى الآن من اقتناص هذه الفرص بسبب المشاكل السياسية والاقتصادية الشائكة في أغلب البلدان العربية. فمثلاً، إضافةً إلى تعريب العلوم الطبية والطبيعية وتدريسها باللغة العربية، بالطبع تستطيع الدول العربية الغنية القيام باستثمارات لغوية وغيرها في البلاد التي تطلب جدياً تعلم اللغة العربية – مثل إثيوبيا وإيريتريا والتشاد وغيرها – ولكن لماذا لا تفعل بلادنا ذلك؟!

إن جامعات سوريا كانت خير دليل على نجاح تدريس الطب بالعربية، فعلى الرغم من قلة المساعدات والدعم وانعدام التمويل شبه كلياً، نرى أن العديد من طلاب الطب الذين يدرسون في الجامعات السوريّة يتفوقون بجدارة في الامتحانات الأمريكية، والتي تقام طبعاً بالإنجليزية. ففي هذه السنة – على سبيل المثال – حصل أحد طلاب الطب في جامعة حلب (مدحت فرواتي) على العلامة الأعلى بامتياز في امتحان الـ USMLE  الجزء الأول الأمريكي، علماً أنه درس باللغة العربية في جامعة حلب. نهايةً، لا شك بأن اللغة العربية لاتزال صامدة وتتطور شيئاً فشيئاً ولكن هناك العديد من الأمور التي يترتب علينا فعلها لدعم ونشر اللغة العربية وإعطائها حقها لكي تتربع على عرش أقوى، وتكون من أبرز اللغات العالمية الأربعة من جديد. وإن قضية التعريب وتدريس الطب باللغة العربية إحدى أهم تلك الخطوات وأولاها وعلى الرغم من أنها تبدو مهمة شاقة في البداية ولكنها ستعود بالكثير من الفوائد، فهي ستشكل حاجزاً متيناً أمام احتمال اندثار اللغة العربية علمياً، واضمحلال أهميتها عالمياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.