شعار قسم مدونات

عندما أَحَبَّتهُ بطريقةٍ أُخْرى!

blogs الرسول محمد

كانت تحبّه بطريقة عجيبة حقًّا، وكلّما سمعت اسمه ارتجف قلبها وشعرت بشيء غريب لا تستطيع أن تخفيه، كانت تحاول تتبُّع تفاصيل حياته كلّها، يهمّها أمره وعلاقاته وتصّرفاته وأقواله وأفعاله، لم يثنها عيشه بزمن غير زمانها أن تبحثَ عن كلّ هذه الأشياء بحبّ، وكلّما سمعت قصّة ما انجذبت لشخصيته بطريقة أقوى من ذي قبل، وكأيّ أنثى يسحرها القلب المرهف والحنون، والشخصيّة الرجولية في الوقت ذاته، استطاع هذا الرّجل بالسيطرة على قلبها بطريقة نقيّة طاهرة، حتى غدا حبيبها وطبيبها وقدوتها والشخص الذي تدرس مواقفه الذكيّة دراسة وتتعلم منها حسن التصرف واللباقة.

في الماضي، كان يُعَرَّف إليها نبيّها محمد صلى الله عليه وسلم بالقائد المحنّك الذكي، العقل السياسيّ المدبّر، صاحبُ القول الرزين دومًا واللسان الفصيح، فتشكلّت لديها صورة عظيمة أن هذا النبيّ لم يكن مجرّد رجلٍ مُصطفى لتعليمنا أسس ديننا فحسب، بل حتمًا كان هناك حكمة ما لاختياره عن دون كلّ الخلائق، لجوانب ما في شخصيّته قدّمت دروسًا لأمّته ومنهجًا ذكيًّا في التعامل مع الأشخاص بكافّة طبائعهم وشخصياتهم حتى بعد مئة عقد أو يزيد من الزّمن.

بحثتْ عن جوانب أخرى في شخصيته، كان دافعها بدايةً هو الواجب لا غير، ثم آثر الحبّ في قلبها أن يبلغ مبلغه ويدفعها لتبحث بدافع الحبّ والعشق، فالمحبّ إن أحبّ بصدق، سعى بكلّ قوّته وبكلّ ما يملك للتعمّق في شخصية حبيبه والإبحار بها، حبًّا واهتمامًا ولهفةً وشوقًا لا فضولًا إطلاقًا. كانت رقّته في التّعامل مع عمّه المشرك وجاره اليهوديّ واحترامه لهما تدفعها للتساؤل والتعجّب كلّ مرّة، من أولئك الذين يدّعون أنّهم يتّبعونه بحبّ وحرص كبيرين وهم لا يمتّون لتصرفاته بأيّ صلة، فهم يشتمون ويقتلون ويظلمون ويمارسون بغضًا ومقتًا غريبًا تجاه كلّ من يخالفهم، وهي لا تحسب نبيّها صلى الله عليه وسلم يتصرف بنفس تصرفهم إن وُضِعَ في نفس الموقف!

كان نبيّها مثالًا للحبيب الرقيق صاحب المشاعر الجيّاشة والمرهفة، الذي يقدّر حاجات الأنثى النفسيّة ويحترم مشاعرها وحتى غيرتها المحبّة ويمنحها حريّتها ويعاملها أيضًا على أنّها كيان مستقلّ

أمّا عن تعامله مع المذنبين، فقد سطّر حبيبها صلى الله عليه وسلم أروع القصص وأكثرها أدبًا وعطفًا مع من ظلموا أنفسهم وارتكبوا أشنع الذنوب وأقذرها، فلم يعايرهم بذنوبهم، ولم يفضح أسرارهم وسِتْر الله عليهم، ولم ينشر قصصهم مسبّبًا لهم الإحراج والأذى، كان حنونًا للدرجة التي كانت تدفع المذنبين أن يلجؤوا إليه لا لأنّه رسول الله ونبيّه فقط، بل لأنه كان مستشارًا نفسيًا وطبيبًا للأرواح، يخفف عنها ثقل ذنوبها ويساعدها ويطمئنها ويذكّرها بكرم الله عزّ وجلّ ورحمته الواسعة دومًا.

في حبّه لأصدقائه، صحابته، وَجَدَتْ أجمل القصص وأشدّها وفاءً وحسنًا، كان يهتّم بتفاصيلهم بطريقة مرهفة بريئة لو اتخذها الجميع في علاقاتهم لنجحت أغلبها ولتجنّبنا أكثر المشاكل التي قد تداهمنا بسبب نظرتنا القاصرة في كثير من الأحيان. فها هو ذا يهتمّ بأصغر التفاصيل التي قد لا تعني شيئًا ويأخذها بمنحىً رقيق كحاله في غزوة بدر عندما كشف للصحابي الجليل سواد بن غزية عن بطنه الشريف كي يقتص منه بعد أن قال له سواد رضي الله عنه: "أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق، فأقدني".

أمّا في تقديره للشعور الأسمى والأنقى والأطهر الذي خلقه الله على هذه الأرض، الحُبّ، فقد كان نبيّها مثالًا للحبيب الرقيق صاحب المشاعر الجيّاشة والمرهفة، الذي يقدّر حاجات الأنثى النفسيّة ويحترم مشاعرها وحتى غيرتها المحبّة ويمنحها حريّتها ويعاملها أيضًا على أنّها كيان مستقلّ، فتجده الأب الحنون الواعي، والزوج العاشق المخلص، والرّجل الذي ينصر الحبّ دومًا ويؤمن بأن المشاعر تُعاش كاملة بكلّ تفاصيلها. وموقفه في تقدير حبّ ابنته الشريفة لأبي العاص حتى وهو كافر خير دليل على تقديره للمشاع. ومواقفه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع غيرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عليه من شدّة حبّها دليل آخر على رقّة قلبه وروعته.

أدْرَكتْ وأخيرًا بعد كلّ المواقف التي قرأتها وكلّ القصص التي سمعتها أنّ نبيّها كان حنونًا حقًّا، مرهفًا رقيقًا ذا شعورٍ نبيل وصدرٍ كبير يتّسع للجميع ولم يكن قاسيًا متجبّرًا كما يصوّره البعض، وكان مثالًا للرجل النقيّ الوفيّ المحبّ المخلص الذي تسحر شخصيته أيّ أنثى، فكيف لنا أن لا نتيّم به ونحبّه بطريقة غير التي اعتدنا عليها بأنّه نبيٌّ مرسل فحسب، من يقرأ الجانب المرهف في شخصيته صلى الله عليه وسلّم سيحبه أبًا وزوجًا وصديقًا وحبيبًا رقيقًا. وروحًا لن يكررها الزمن، حتمًا سيحبّه بطريقة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.