شعار قسم مدونات

أوراق عائد من أفغانستان(9).. أفغانستان والحوار الغائب!

blogs تفجير انتحاري بكابل

في أفغانستان.. يكتفي الناس بالبقاء على قيد الحياة وبالقليل من الأمان الذي يعينهم على تجاوز يومهم المثقل بالمشاغل والمتاعب الاقتصادية. أما الحديث عن طرق مرصوفة وأحياء جميلة وتهيئة حضرية فذلك من مواضيع الترف التي يسمعون عنها أو يشاهدونها في شاشات السينما. هذه السينما التي تشكل متنفسا لهم في ظل غياب أي آفاق تسلية أو ترفيه عدا حديقة ألعاب وحيدة منكوبة في كابل. ورغم فقر ما يقدم في صالات السينما إلا أن الصراع انتقل إليها بين باكستان والهند الجارتين العدوين حيث تطالب شريحة كبيرة من الأفغان بمقاطعة الأفلام الباكستانية بسبب الخلاف السياسي القائم بين إسلام آباد وكابل حيث تتهمها هذه الأخيرة بدعم حركة طالبان.

 

كانت الأيام التي قضيناها في كابل حبلى بالمفاجآت.. كنا بصدد تصوير تقرير عند المدخل الغربي لمدينة كابل عن فنانين يسعون لتجميل وجه مدينتهم البشع أو إخفاء الوجه القبيح لهذه الجدران عن طريق رسم لوحات فنية وخط شعارات عليها. وعند وصولنا لاحظنا أن أغلب الطرق المحيطة باجتماع للأئمة والدعاة الأفغان كانوا يسعون لإصدار فتوى تجرم التفجيرات الانتحارية. أمضينا ساعات طوالا في محيط الاجتماع بعد أغلقت الشرطة عرض الطريق بشاحنات عسكرية وتركت السيارات تتدبر أمرها وتخرج من عنق الزجاجة عن طريق اللجوء إلى شوارع فرعية.

 

وكان توجس الشرطة في محله فبينما أغلقت منافذ الاجتماع الديني خوفا من تسلل سيارة انتحارية تمكن انتحاري من التسلل إلى محيط إحدى مقرات جامعة كابل غربي العاصمة حيث ينعقد الاجتماع وفجر نفسه وسط الجموع مخلفا العديد من القتلى والجرحى. كانت رسالته واضحة وهو رفض فتوى تحريم العمليات الانتحارية إلا أن صاحب الرسالة لم يفصح عن هويته. وقد تبنى تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش هذا التفجير لاحقا إلا أن ذلك التبني لا يعتد به ليس انتقاصا من وحشية التنظيم ودمويته وإنما لأن وكالة أعماق والمواقع المشبوهة التابعة له مخترقة مخابراتيا كما يسعى هذا التنظيم المتطرف لفرض وجوده عن طريق تبني أي عمل إجرامي.

 

تجددت دعوات الحوار لحركة طالبان أكثر من مرة إلا أنها صمت آذانها عنها إذ سارعت إلى اتهام العلماء المجتمعين بالخضوع لإملاءات أمريكية ودعتهم لأن لا يكونوا ألعوبة بأيدي مخابراتها

وقد سبق ذلك ببضعة أيام هجوم مسلح على مقر وزارة الداخلية الأفغانية القريبة من المطار وقد سمعنا إطلاق نار واشتباكات دامت ثلاث ساعات وأغلق الطريق القريب من المطار. كان الهجوم مباغتا من قبل تسعة مسلحين وانتحاري فجر نفسه في بوابة الوزارة وكان المسلحون يرتدون بزات عسكرية للجيش الأمريكي ويركبون سيارات مصفحة رباعية الدفع بدون لوحات ترقيم مما سمح لهم بالتسلل إلى محيط الوزارة.

 

واللافت للانتباه أنهم وجدوا علما لتنظيم الدولة الإسلامية لدى المهاجمين وكالعادة سارع تنظيم الدولة الإسلامية إلى تبنيه في اليوم التالي إلا أن هذه الرواية لم تنطل على كثيرين وحتى قائد القوات الأجنبية والأمريكية في أفغانستان جون نيكلسون استبعد ضلوع هذا التنظيم المتطرف في العملية ورجح أن يكون الهجوم تم على يدي طالبان أو شبكة حقاني.

 

عودة إلى الفتوى التي أصدرها حوالي ألفين من الأئمة والدعاة والخطباء الأفغان والتي تعرضت لهجوم انتحاري أريد من خلاله صرف النظر عن أهمية فتوى تحريم العمليات الانتحارية والتفجيرات. وكانت مسودة الفتوى التي تسربت إلينا من مصادر خاصة حزينة تحمل صبغة استجداء لكل الأطراف لوقف القتال في هذا البلد الجريح. فقد قال الدعاة إن الشعب الأفغاني نفد صبره ولم يعد يتحمل المزيد وإن عشرات الأطفال والشباب والشيوخ والنساء يدفعون يوميا حياتهم ثمنا لهذا النزاع ويتعرض الكثيرون للتهجير وقالوا إن هذه الهجمات محرمة شرعا لأن الإسلام ينص على ضرورة المصالحة والتعايش وإنها مهدت الطريق للتدخلات الأجنبية التي أساءت للشعب الأفغاني.

 

ودعت الوثيقة حركة طالبان صراحة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهددت بمطالبة علماء المسلمين والدول الإسلامية للقيام بدورهم الديني والشرعي للوساطة بين المسلمين إن استمرت هجمات من وصفتهم بالمخالفين. كانت الرسالة واضحة وهي سحب الشرعية الدينية التي تتلفع بها التنظيمات المسلحة المحسوبة على التيار الإسلامي لمواصلة قتالها. تجددت دعوات الحوار لحركة طالبان أكثر من مرة إلا أنها صمت آذانها عنها إذ سارعت إلى اتهام العلماء المجتمعين بالخضوع لإملاءات أمريكية ودعتهم لأن لا يكونوا ألعوبة بأيدي مخابراتها.

 

المناطق الإيرانية الشرقية عطشى ولا تريد بناء سدود على حدودها الشرقية وإيران تسعى لتغيير اتفاقية مع أفغانستان لتقسيم المياه بما يتوافق مع مصالحها واحتياجاتها
المناطق الإيرانية الشرقية عطشى ولا تريد بناء سدود على حدودها الشرقية وإيران تسعى لتغيير اتفاقية مع أفغانستان لتقسيم المياه بما يتوافق مع مصالحها واحتياجاتها
 

لفتتني عبارة وردت في بيان الدعاة بأن الحرب الجارية في أفغانستان هي حرب الآخرين ويبدو أنها كذلك رغم محاولتها التلون بألوان محلية. فالداعم الأكبر لتنظيم حركة طالبان هو باكستان رغم تأكيد نفيها الأمر في أكثر من مناسبة كما أن قيادة الأركان الفاعلة للحركة إن صح التعبير توجد في مدينة كويتا الباكستانية غير بعيد عن الحدود مع أفغانستان وتستغل باكستان نفوذها للعب أوراقها بهذه الحركة. وتعيش طالبان انقسامات بين أعضاءها وتتعرض للضغوط إذ أن بعض التيارات داخلها تسعى للتفاوض وإنهاء الأزمة في البلاد وقد كشف عن ذلك قائد القوات الأمريكية بأفغانستان جون نيكلسون.

 

ولا دخان بدون نار كما يقول المثل إلا أن التصريحات التي تأتي على لسان القوة المحتلة لا يمكن أخذها بأنها حقيقة مطلقة خاصة أن حركة طالبان سارعت إلى نفي وجودها. ومما يدلل على أن الحركة تتجاذبها دول خارجية شن الحركة هجوما على ولاية فراه غربي أفغانستان على الحدود مع إيران. ومعروف أن قادة طالبان في هذه المنطقة محسوبون على إيران بحكم انحدارهم من قبيلة إسحاق زاي المعروفة بولائها لإيران.

 

وقد سارعت القوات الأفغانية مدعومة بغطاء جوي أمريكي إلى استرجاع مقار الولاية التي سقطت طيلة عدة ساعات بأيدي حركة طالبان وكانت تصريحات المسؤولين الأفغان تصب في اتجاه واحد وهو اتهام إيران بدعم حركة طالبان لزعزعة استقرار المنطقة وكبح المشاريع التنموية فيها وعلى رأسها وقف مشاريع بناء السدود. فالمناطق الإيرانية الشرقية عطشى ولا تريد بناء سدود على حدودها الشرقية وإيران تسعى لتغيير اتفاقية مع أفغانستان لتقسيم المياه بما يتوافق مع مصالحها واحتياجاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.