شعار قسم مدونات

حوار مع صديقي الفيسبوكي

مدونات - الفيسبوك

قال لي صديقي العزيز لماذا لا تعلق على كثير من الأحداث اليومية التي تقع على منصات التواصل الإجتماعي ؟

 

قلت له من وجهة نظري إن غالبنا يستغلها أسوء استغلال، لقد أصبح العالم الإفتراضي هو مجال حكمنا على الأشخاص والأفكار والأشياء، ولأنه في الغالب لا ينشر أحد شيئا سيئا عن نفسه فقد أصبحت هذه المنصات أداة للإستعراض والمكايدة وبدلا من أن نعيش حياتنا، أصبحنا نُستغرق في حياة الآخرين ونقارن أنفسنا بهم، فانتشرت المشاكل الإجتماعية وتحطمت كثير من البيوت بسبب منشور من عابث أو متلهّي أو مكايد على هذه المنصة أو تلك .

 

لقد أصبحت "السلفي" على انستجرام أو سناب شات مع الأسرة أو الأصدقاء بديلا عن دفء المشاعر والعاطفة، بل ربما ضاعت لحظات السعادة التي لا تعوض كثيرا في تجميل "الصورة" وحصد الاعجابات عليها، هذا غير الأمراض والعلل النفسية التي تصيب البعض مثل الشعور بالدونية وعدم الإنجاز وأنت ترى الجميع ينشر أفضل ما عنده بينما أنت قد تكون تمر في هذا الوقت بظرف استثنائي متعب سواء نفسي أو اجتماعي أو مالي فتبدء بالشعور بالعجز والإحباط واليأس.

 

إنّ الكتابة بالنسبة لي تعني جهاد الكلمة واللسان، فلن أكتب إلا ما يكون علما نافعا يبني أملا أو يهزم يأسا أو ينير طريقا .لن أكتب إلا ما يمليه عليّ ضمير وديني وإنسانيتي

للأسف لقد أصبح البعض يقيس تواجده وأثره في الحياة بمدى تواجده في العالم الأفتراضي، أنا أعيش على الفيسبوك أو تويتر إذا أنا موجود، حتى معاركنا الوجودية الحقيقية أصبحنا نخوضها على هذه الوسائل فننصر الأقصى وغزة وسوريا ومصر وكل بلاد العرب والاسلام بهشتاج أو لايك أو شير، وفي الحقيقة ليست هذه المشكلة فقد يكون هذا مفيدا من باب نشر الوعي بقضايا الأمة وتحفيز الناس على العمل والحركة أو تكون قدرات الشخص لا تمكنه بأكثر من ذلك، فلكل شخصية ومرحلة عمرية طاقتها فضلا عن الظروف المحيطة بها .

 

لكن الكارثة يا صديقي حين نعتبر هذا "النضال الإلكتروني" إن جازت التسمية في العالم الافتراضي بديلا عن العالم الحقيقي وللأسف هذا هو واقعنا، لقد أصبحت أحب عدم التعليق على كثير من الأحداث حتى لا انغمس في طاحونة هذا العالم الإفتراضي، فأنا يا صديقي غير مطالب بأن أخوض معارك البشر جميعا على هذه المنصات .ليس لدي الوقت ولا الجهد لأعيش حيوات ليست لي واستنفذ مخزون طاقتي في معارك افتراضية لن استطيع أن أحولها الى انتصارات في العالم الحقيقي .

 

لا أريد أن أعيش وهم كاذب أخدع به ضميري أحيانا أن انتصاراتي "الافتراضية" هي انتصارات "حقيقية "، حتى هذا العالم الافتراضي لك فيه خطوط حمراء لا يمكنك تجاوزها، جرب مثلا أن تتعاطف مع قضية فلسطين فتنشر صور الاعتداءات الإسرائيلية على غزة وخاصة صور الضحايا أو صور المقاومة الفلسطينية التي تعدّ بمثابة الأمل للأمة وستجد أنّك قد حظرت من النشر ومن البقاء في عالمهم الافتراضي !!، وربما حزنت وتضايقت وغضبت لذلك لأنّك لم تعد تجد ذاتك سوى في هذا العالم وهذه الحياة !!

 

إنّ الكتابة بالنسبة لي تعني جهاد الكلمة واللسان، فلن أكتب إلا ما يكون علما نافعا يبني أملا أو يهزم يأسا أو ينير طريقا .لن أكتب إلا ما يمليه عليّ ضمير وديني وإنسانيتي، ففي الحقيقة كل كلمة أكتبها يكتبها معي إثنين آخرين أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي، إنهم الملائكة الحفظة الذين لا تفوتهم كلمة أو حتى لايك أو تعليق !!، كل شيء يسجّل ويدون في حسابك الشخصي في المنصة الإلهية لصحائف الأعمال .

 

صديقي الفيسبوكي لقد بدأت أشعر أنهم اخترعوها لنا نحن العرب حتى نجد فيها العزاء والسلوى لضعفنا وعجزنا، هم يسيطرون ويبنون عالمهم الحقيقي فوق أرضنا بدمائنا ودموعنا ونحن نجابههم في العالم الافتراضي الذي اخترعوه لنا حتى نفرغ طاقتنا ونشعر بالانجاز وراحة الضمير في خيالاتنا المتوهمة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.