شعار قسم مدونات

صراع دائم بين القلب والعقل

blogs-القلب والعقل 2

الكثيرُ مِن العبارات التي تُلاحقُنا، سواء من صديق مُقرب، أو أخ أكبر مِنا عمراً، أو غريب لا نعرفه، وربّما صديق على السوشيال ميديا: لا تتبع قلبك.. أنت عاطفي لدرجة الغباء.. إياك وقلبك سيدمركَ.. مشاعرك ستخونك وتخدعك يوماً ما.. والكثير من الكلمات الفظة، والمزعجة أحياناً. وأمام جميع التساؤلات الكامنة بداخلي، أوقفتني عبارة مجازية تحتاج دقيقة صمت لتحري ماهيتها وجديتها (كُن حليفاً لعقلك دائماً فالقلب قائدٌ أهوج) لا تعليق سوى أنَّ كلمة دائماً أكلت قدسية تلك العبارة!

لماذا دائماً ننظرُ للأمور بعين واحدة (عين العقل ) ونترك العين الأخرى؟! لماذا يتعين علينا دائماً النظر من منظور ضيق مُتزمت متحجر لا يرى إلا رأيه ولا يؤمن إلا بفكره وتحليله؟! ولماذا نحصر دور القلب والعاطفة على أنه فقط دور علاقة بين طرفين؟! لماذا العاطفة شأنها ضئيل أمام مساحة هائلة من التساؤلات والمنعطفات؟! لماذا العقل هو العامة والقلب هو الاستثناء؟! هل سنخسر شيئاً حينما نؤمن بمشاعرنا دون ندم على ذلك؟! في الحقيقة تساؤلات كهذه أتعبت فكري وفكر الكثير، وحان الآن وقت الإجابة عنها بدليل علمي حتى لا نقع بمغالطات البعض الذين يعتمدون فقط على المنطق!

عليك أن تقتنع تماماً بأن اتباعنا لعاطفتنا وشغفنا ولخيالاتنا الواسعة ما هو إلا حجة لنا وليس علينا، وأما عن تلك الأوجاع فكانت منك أو من الطرف الآخر.

كل تلك التساؤلات أجاب عنها دانيال اتش. بينك في كتابه المعجزة الذي يحمل عنوان (عقل جديد كامل) حيث اختصر تساؤلات عديدة أكلت رؤوسنا، وأبدى حقيقة، ربّما لم يدركها الجميع، حقيقة أن العقل البشري مكون مِن نصفين كرويين، لا ولن يتم الاستغناء عن أحدهما، نصف كروي أيمن مسؤول عن جميع عمليات اللمسة السامية والعاطفة والتعاطف، مسؤولٌ عن الحدس والشمولية. ونصف كروي آخر، وهو بلا شك النصف الكروي الأيسر والذي بدوره مسؤولٌ عن جميع عمليات المنطق والتحليل والتتبع. إذن الآن لِمَ نهرب من النصف الأيمن ولِمَ نخافه؟ لماذا نفصل بين القلب والعقل وفي النهاية اكتشفنا أنَّ العقل يحوي القلب ومشاعره في نصفه الأيمن! وهل ما زال القلب عندك قائدٌ أهوج؟! وهو سر وجودك في هذه الحياة.

يجب علينا إدراك حقيقة أن العالم الحديث وتطوراته المستجدة، ألزمت الحراك نحو النصف الأيمن، لأننا قمنا بواجبنا نحو النصف الأيسر وما أنتجه من مهن عديدة كالمحاسبة والمحاماة والهندسة، وما أنتجه من تكنولوجيا وصلت لمدى ليس له مدى. والآن العالم يحتاج للمسة سامية، لكاتب يعرض أفكار قابلة للتغيير والنقاش، يحتاج لروائي يقص علينا قصة ممزوجة بواقع خيالي، يحتاج لمصمم ديكورات يغير من ديكور البيت، يحتاج لإنسان يمتلك عاطفة جياشة يؤمن بها ويطلق العنان لمشاعره كي يصل لهدفه المنشود! بعضهم سيرد عليَّ وماذا عن تلك الآلام التي سببتها لنا عاطفتنا الجياشة حيال إيماننا ولحاقنا بها؟ إن كنت تعتقد من أنَّ اتباع العاطفة والتعاطف هي سبب أوجاعنا وآلامنا الغير مرئية، فدعني القول لكَ بأنَّك على خطأ كبير وفادح، لأنه وبمجرد التفكير بهذه الطريقة تعيق حركة عقلك وتمنعها تخطي وتعدي خطوات أخرى.

عليك أن تقتنع تماماً بأن اتباعنا لعاطفتنا وشغفنا ولخيالاتنا الواسعة ما هو إلا حجة لنا وليس علينا، وأما عن تلك الأوجاع فكانت منك أو من الطرف الآخر ولا علاقة لا للقلب ولا لشغفك ولا لعاطفتك الصادقة. فسوء استعمال مشاعرك لأجلك وأجل من تحب هو من أوقعك في براثن الوجع والألم، ولا علاقة للقلب أو النصف الكروي الأيمن بذلك، ففي هذه الحالة القلب ضحية وأنت من جلدته! ولو ألقينا نظرة شاملة سنجد أنَّ العالم تشبع من المنطق والتحليل والجمود، ويريد قسطاً من العاطفة والتعاطف! يريد أن يخرج من طوع البيروقراطية والالتزام إلى المرونة والليونة، يريد أن ينطلق إلى أمور غير اعتيادية فالقلب والعقل وجهان لعملة واحدة إياك أن تستحقر أحدهما أو تقلل من شأنهما! والآن قل لي: هل أنت منطقي أم عاطفي؟! وقبل الحكم على نفسك ومعرفة أين مكانتك من كل هذا الكلام، أقرأ مقولة صمويل تايلور كولريدج حين قال: (تعرفت على عقول قوية ذات سمات مهيبة وواثقة وحادة، ولكنني لم أصادف أبداً عقلاً عظيماً من هذا النوع، في الحقيقة هي أنَّ العقل البشري يجب أن يجمع بين ملكات المنطق والخيال معاً)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.