شعار قسم مدونات

كيف يمكن تصور العالم بدون "ماركس"؟

blogs كارل ماركس

كان لماركس الفيلسوف الهيجلي الملحد الذي عاش بعد مرحلة عصر النهضة في أوروبا، دور رئيسي في تدوين فلسفة التاريخ على النحو الذي نراه اليوم، أو في بلورة نهضة جديدة تطالب بالعدالة الاجتماعية وترفض النظام الطبقي الاستغلالي، كما كان له الاثر الكبير في بلورة نزعة اجتماعية وخلق رأي عام يدعو الى تسيد النظام الاشتراكي الشيوعي ونبذ النظام الرأسمالي في عصرنا الراهن.

في القرن 19 م عاشت أوروبا مجموعة من تحولات الجذرية فانتقلت من الرأسمالية تجارية الى رأسمالية صناعية بسبب ظهور الماكنة، ولعبت هذه التحولات دور أساسي في تشكيل رؤية ماركس لصراع القائم منذ فجر التاريخ بين من يملك ومن لا يملك (وسائل الانتاج)، وأُرجع سبب صراع إلى العوامل الاقتصادية التي كانت بارزة في بداية الثورة الصناعية وظهور الطبقة العاملة مهضومة الحقوق وتكتلها في نقابات عمالية لمطالبة بحقوقهم وتحسين ظروف العمل. في ظل هذه الظروف التاريخية والاجتماعية الحساسة، دون الأسس الأيديولوجية لنهضة إنسانية ثورية مناوئة للنظام الطبقي الاستثماري، معلناً أن انتصار هذه النهضة هو أمر حتمي وجبري زعماً منه بأن ذلك هو نتيجة حتمية للقوانين الاجتماعية والعوامل المادية الخارجة عن إرادة الناس ومشيئتهم، ومن ثم عمد الى قراءة التاريخ لكي يوحي بأن هذه القوانين علمية بحثة وأن هذه الحركة هي المرحلة النهائية لسلسلة التحولات الجبرية التاريخية، مستندا إلى (قانون الجبر المادي لتاريخ) وقام بتدوين فلسفة التاريخ مرتكزة على أساس الصراع الطبقي (الجدل الذي اقتبسه من نظرة هيجل لفلسفة التاريخ صراع الافكار – الفكرة و النقيض و التركيب – فماركس من تلامذة هيجل وهو من أبرز فلاسفة اليسار الهيجلي)

أما بالنسبة للدين فقد كان ماركس يرى في وجه المسيح نفس الملامح التي كان يرى بها البابا، و هنا يعلق المفكر الشهيد علي شريعتي في كتابه – الدين ضد الدين – على أن ماركس أخطأ في تشبيه بين البابا والمسيح، لأن البابا كان اشبه بقيصر الروم منه إلى عيسى بن مريم المسيح: الصياد الفلسطيني الحافي الذي كان تاج رأسه أكليلا من الشوك وهو القائل (لن يدخل خزان الأموال الجنة حتى يلج حبل المرساة في سم الخياط) في كتاب – وعاظ السلاطين – للدكتور علي الوردي يقول، أن التاريخ القديم شاهد نوعين من الأفكار: نوع يدعو إلى المجد والفتح والترف، وآخر يدعو إلى العدالة الاجتماعية، و على هذا فقد كان الناس نوعين: أرباب دولة وأرباب ثورة، ويحدثنا القرآن عن المترفين في أيام نوح: كانوا يسخرون منه ويقولون له: "وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ"

إذا أراد الانسان أن يفكر بحرية ويشهد الأشياء بوضوح وبصيرة، فعليه أن يمارس بنفسه الكشف والتحليل والتحقيق، ويجتهد حتى إلى حقائق الأمور ويحذر التقليد.

ماركس أخطأ في التقدير حينما رأى في وجه المسيح نفس الملامح التي كان يراها في وجه الباب، وإذا ما أردنا أن نصحح مسار هذه الفكرة فسنقول أن المسيح كان من دعاة العدالة الاجتماعية ومن أرباب الثورة عكس الباب الذي كان من دعاة المجد والفتح والترف ومن أرباب الدولة. جميع الأديان سواء كانت سماوية أو غير سماوية في جوهرها، دائماً ما تنحاز للفئات المقهورة وتدعو إلى العدالة الاجتماعية والثورة على الفئة المستبدة والظالمة. فلولا ماركس لما:

• استطعنا أن نفكر خارج الاطار الذي حدده المجتمع لنا.

• شهدنا ثورات عظيمة استطاعت أن تجعل من الأكثرية هي أساس الحكم و العمود الفقري للدولة.

• فهمنا أن الصراع في الأصل صراع اقتصادي، وأن الفكر لا يستطيع أن يخلق الواقع ولا يستطيع خلقه، لكن الوقائع الاقتصادية هي التي تستطيع أن تحدد كيف يفكر الناس.

• علمنا أن الفقر والاضطهاد والاستبداد والظلم لا يصنع ثورة، ولكن الوعي بالفقر والاستبداد والاضطهاد والظلم هو الذي يصنع الثورة.

إذا أراد الانسان أن يفكر بحرية ويشهد الأشياء بوضوح وبصيرة، فعليه أن يمارس بنفسه الكشف والتحليل والتحقيق، ويجتهد حتى إلى حقائق الأمور ويحذر التقليد ويجتنب اجترار قناعات الآخرين. كما عليه ألا يتأثر بشخصية الأبطال والعظماء والقادة لأن الحق هو المعيار في تقيم الرجال وليس العكس. يقول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه " اعرف الحق تعرف اهله " فعلينا ألا نقلد ماركس في كل ما جاء به وخاصة رؤيته للدين، فهو القائل بأن الدين أفيون الشعوب، وأنه لا إله والحياة مادة. إذا ما قلدنا ماركس في رؤيته للدين فلن نكون اشتراكيين ثورين ولا مفكرين أصحاب حق، بل سنكون مقلدين أذلاء أغلقوا أعينهم وآذانهم وخسروا أنفسهم وفقدوا الثقة فيها وسُلب منهم حق الرأي والاستقلال والقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب. بل سنكون قد أنكرنا المسلمات ومسخنا الحقائق ورفضنا الإيمان بكل شيء حتى بأعيننا وآذاننا وإدراكنا وفهمنا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.