شعار قسم مدونات

هل حرّم الإسلام شِعر الغزل؟

blogs فتاة جميلة، حجاب

في عصرنا الحديث، خاصةً في مجتمعنا العربي، قد كَبلنا أنفُسَنا بقيوُدٍ ليستْ من هَويَتِنا العربية أو الإسلامية، وفى ذات الوقتِ تحررنا من قيودٍ قد ألزمنا بها دينُنا، أو لنقل بالأحرى على وجهٍ آخرْ، إننا جعلنا بعضَ الحلالِ حراماً، وبعضَ الحرامِ حلالاً، وهذا مما جعل مجتمعاتنا العربية في تقهقر وتخَلُفٍ للآنْ. من تلك الآفات التي تلوثنا بها، أننا نزدرى أي شاعرٍ يقولُ غزلاً، ومزدرى قائل الغزل هو إما أنهُ مُكابرُ يدَعى العِفَةَ، أو أنه فاسدُ الفِطرة – رجُلاً كان أو امرأة – لأن الغزل من الفطرة، وما هو من قَريحةِ الإنسان ليس بمناقضٍ للعفة، وإلا لقلنا أن الجماعَ بالأصلِ شيء من أضادِ الفطرة، ولا أبالغ فيما قلتُ قَيدَ أنمُلَة.

الشعر هو كلامُ مُقَفى موزون يوضح لقارئهِ أو سامعِهِ فكرةً أو شعوراً أو غيرهما، قبل أي شيء ما حكم إنشاءِ الشعرِ أو روايتهِ في الإسلام؟ يقولُ ابن قدامةْ في المُغنى: "ليسَ في إباحَة الشِعرِ خلافْ، فقد قالهُ الصحابةُ والعلماءُ والحاجةُ تَدعو إليهِ لمَعرِفَةِ اللُغَةِ العربية، والاستشهاد بهِ لمعرِفَةِ كلامِ اللهِ تعالى وكلامِ رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم". ويقولُ الإمامُ الشافعي: "الشِعرُ كالكلامِ حَسنُهُ كحسنِهِ وقبيحُهُ كقبيحهِ، غيرَ أنهُ باقٍ فذاكَ فَضلُهُ على الكلامْ." هذه قضيةُ الشعر جُملَةً، فلنتدرج إلى تفصيلِ موضوعِنا، فما حُكمُ شِعرِ الغَزلِ في الإسلامْ؟

 
شِعرُ الغزلِ ليس كما يظنُ هوامُ الناسِ وعامتُهُم أنه وصفُ المرأةِ والخلوِ بها كما نسمع في الأغاني الصفيقة هذه الأيام، ولربما ظنَ البَعضُ أن تلك الأغاني الهابطة من صميمِ شِعرِ الغَزلْ، وذاك من المعاني التي تحملت فوقَ معانيها، أنا أتحدثُ عن الشعرِ ككلام، أما الغناءُ والموسيقى فموضوعُ آخر.

بُعدنا عن ذاك الشعر العذب هو ما جلب علينا غاراتٍ سيئة مُتعَفِنة، فتحول الحُبُ عندنا من وعودٍ من كذب على الفتاة، وتجارة بأرخص الكلام وأحقرُه ابتذالا

شِعرُ الغزل هو الحديثُ إلى النساءِ حديثاً مُحبباً إليهنَ بذكرِ محاسنهنَ الظاهرة كبياضِ الوجه ووِسعِ العَينَينْ وسواد الشَعرْ ونُحولَةِ الخِصرْ وذِكر القُبلة وطولُ العُنُقِ وذِكرْ لُعَابِ المحبُوبْ، فذاك حلالُ الإنشاءُ به طالما لم تقلهُ في معينة وإن كان فلا تُطلِعهُ لأحد حتى لو كانت حلالك، فإن كان إفحاشاً فهو لنْ يكونَ مُحبباً ومن ثَم فلن يكون غَزلاً أصلاً، بل يكونُ فُحشاً، وليس هناك شيء اسمه غزلُ فاحشْ، كلمتان لا تمتزجان كما لا يمتزجُ الزيتُ بالماءْ. سيسألُ سائلُ هازئاً: كيف للقُبلة واللعاب والخصرِ وغيرها ليس فُحشاً؟ فأقولُ له خَفْ على دينِكَ من قَولَتِكَ تِلكْ. نَعمْ، ذُكرُ القُبلَة ليسَ من الإفحاشِ في شيء طالما لمن تحل لكْ.

ذُكِرَ في صحيح البخاري ومُسلمْ أن السيدة عائشة أم المؤمنين قالتْ : كان النبي صلى الله عليهِ وسلمَ يُقَبِلُ النساءَ. ثُم ضَحِكَتْ، وفى الصحيحين أيضاً أن النبي قال ألا يأتي أحدُكم زوجتهُ كما تأتى البَهيمة، ولكن فليُقَبِلْ وليُقَدِم.. الخ الحديث. وكذلك ذِكرُ ريق المحبوبة ليس من الإفحاش في شيء، فكان العربي قديماً يُشبه ريقها أنهُ مُزِجَ بالخَمرْ أو العسلْ، ولا تهزأ ثانية بالخَمرْ وإلا فلتهزأ بأنهُرِ الخمر في الجنة. وكما جاء في صحيح البخاري أن السيدة عائشة قالت: "وقد جمعَ اللهُ بينَ ريقي وريقهْ في آخر يومٍ من الدُنيا وأولِ يومٍ من الآخرة ". وكان ذلك عندما أعطته المسواك ليستاك منه صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت. وفى البخاري أيضا أن النبي سأل جابر بن عبد الله: أتزوجت، فقال جابرُ: نعم، فقال: بكر أم ثَيبْ؟، فقال: بل ثيب، فقال النبي: وأينَ أنت من العذارى ولُعابِها. وكما ذَكر القرطبي في نقلهِ عن ابن العربي أن النبي قد استمع لقصيدة (باتت سُعاد) لآخرها وفيها ذِكرُ تشبيهٍ لريقها بالخَمرْ.

يا قوم ليس مدحُ المرأة في شيء من الإحسان لها وملء مشاعرها الرقيقة، وما نراه من انحلال الفتاة وفعلها المُحرَم والمَحظور إنما هو لغياب المشاعر الحقيقية مع غياب التربية، وبدلاً من ذلك كلامُ مبتَذل فاسدُ بل مُتعفن يسمونَهُ الغناءْ .من الحلال أن تنظم أو تنشئ الشعرَ طالما أنكَ لم تَقُله بمعينةٍ أمام الملأ فأنت بفعلتِكَ هذى تُرَخِصُها .ويَحِلُ أن تقُولَهُ لزوجتك خصيصاً وعندها لا يَحِلُ لغيرِكُما معرِفَة ما قُلتَهُ، إذا وصفت بها محاسنها الظاهرة التي لا يراها غيرك، لأنك إن فعلتْ وأظهرت تغزلك بها تكون بذاك تُرَخِصها.

وبُعدنا عن ذاك الشعر العذب هو ما جلب علينا غاراتٍ سيئة مُتعَفِنة، فتحول الحُبُ عندنا من وعودٍ من كذب على الفتاة، وتجارة بأرخص الكلام وأحقرُه ابتذالا. هنا السؤالُ لكن هذا في الكلامْ وليس في الشعر، وهُنا نختم ونقولْ :كما بينتُ لك آنفا، أن الكلام في محاسن النساء الظاهرة والقُبلة والريق ولُعاب العذارى ونُصح طيب لحُسن المعاشرة كذلك ليس من الإفحاش في شيء، فقد قاله أطهر الخلقِ وأعَفُهم، إذن فقولُهُ شِعراً – وليس غناؤه بالموسيقى – ليسَ حراماً، ومن هنا شِعرُ الغزل الذى ركائزُه ما قيل ليسَ حراماً، وقُضِى الأمرُ الذى فيهِ تستفتيانْ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.