شعار قسم مدونات

دور المرأة المسلمة في العهد النبوي (3)

blogs الحجاب

في هذا المقال أتحدث عن دور المرأة في حماية المشروع الإسلامي، فالدعوة هي المشروع الإسلامي، التي ملأت على الصحابة كيانهم، فقدموها على أنفسهم وأهليهم، ولم يكن أحد منهم يتصور حياته بدون هذا النور العظيم، فقد كان المجتمع ميتا قبل هذه الدعوة، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:122)، ولذلك كانوا على استعداد، للتضحية بأنفسهم، من أجل دين الله، لا يقدمون عليه نفسا، ولا مالا، ولا ولدا، وحماية هذا المشروع يحتاج جهدا مضاعفا من المجتمع المسلم، وقد سجل للمرأة مواقف مشرفة في هذا الجانب، وهي كما يلي:

إعلان الإسلام واحتمال الأذى

لقد احتمل المسلمون الأذى في سبيل الله، فشكلوا بذلك درعا واقيا للدعوة، فلم يتراجعوا رغم شدة المحنة، ولم يخذلوا الدعوة رغم صعوبة التحديات، ومن هؤلاء آل ياسر، الذين صبروا ابتغاء وجه الله، حتى وعدهم رسول الله بالجنة، لشدة ما وجدوا في سبيل الله، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: "صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة".

ومن هذه العائلة المؤمنة، برزت سمية، السيدة الطاعنة في العمر، التي تواجه الأذى بقوة وصلابة، فيشتمها أبو جهل، ويطعنها بحربته، فكانت أول شهيدة في الإسلام. ولكن لماذا تجد هذه العائلة هذا العذاب الأليم، حتى يطيش صواب أبو جهل، فيشتم امرأة عجوز، ثم يقتلها؟ لأن سمية وابنها عمار، كانا من السابقين إلى إعلان إسلامهم، فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد. سمية تتحدى جيش الباطل، فتعلن إسلامها؛ لتساهم في إعلاء كلمة الله، واحدة من السبعة الأوائل، الذين وضحوا حقيقة الإسلام، إنها داعية إلى الله بإعلان إسلامها، ومجاهدة بصبرها على الأذى، وقاهرة للجاهلية بعدم الردة عن دينها، وتخيل لو أن كل مسلم ومسلمة، تراجعوا تحت ضغوط التعذيب والاضطهاد، فكيف سيكون حال الدعوة؟

كانت فاطمة بنت الخطاب صلبة في مواجهة عمر، لم تتراجع عن حقها في اختيار الطريق الحق، وفي الوقت ذاته تأمل بأن يشرح الله قلبه للإسلام، فتعطيه الصحيفة، بعد أن تطهر، وهنا نرى أن قوة المرأة في ضعفها

قدمت سمية روحها في سبيل الله؛ لتثبت مبدأ مهما، وهو أن الدعوة أغلى من الروح، فلم تمنحهم ما يريدون بقلبها ولا حتى بلسانها، فكان سبقا لها، فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول شهيدين في الإسلام، كما أورد القرطبي في تفسيره. تعلق حصة الزيد على ذلك في بحثها: " مواقف من مكانة المرأة في السيرة النبوية"، فتقول: "وهذا سبق رابع للمرأة تقدمت فيه على الرجال، فالمرأة جاءت في المرتبة الأولى في أربعة مواطن متتابعة هي الأهم في هذه الدعوة المباركة، فهي أول من خوطب، وأول من استجاب، وأول من نصر هذا الدين (أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها هي المقصودة في المواطن الثلاثة)، وأول من استشهد فهذا بحق يعد تكريماً عظيما للمرأة".

أما من عذبوا في سبيل الله، فهم كما جاء في الرحيق المختوم: "النهدية وابنتها، وأم عبيس، كما عذبت جارية عمر بن مؤمل، من بني عدى، فكان عمر بن الخطاب يعذبها، وهو يومئذ على الشرك، فكان يضربها حتى يفتر، ثم يدعها ويقول: والله ما أدعك إلا سآمة، فتقول: كذلك يفعل بك ربك. وكذلك عذبت زنيرة، وهي أمة رومية، وأصيبت في بصرها حتى عميت، فقيل لها: أصابتك اللات والعزى، فقالت: لا والله ما أصابتني، وهذا من الله، وإن شاء كشفه، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها، فقالت قريش: هذا بعض سحر محمد".

إنه استعلاء زنيرة رضي الله عنها بإيمانها، يصاب بصرها، ولا يصاب قلبها، وهي على يقين أن ما أصابها قدره الله تعالى، تعظيما لشأنها، ورفعة لدرجتها، وأن قريش وآلهتها لا تملك لنفسها ولا لغيرها، ضرا ولا نفعا، ولا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا، ولابد أن تقتفي المرأة الفلسطينية النهج ذاته، فلا يتزحزح إيمانها، عندما تتعرض للأذى من عدوها، بل تبدو هي الثابتة، وهو المهزوز، وهي المنتصرة، وهو المخذول.

وهذه فاطمة بنت الخطاب، تكون سببا في إسلام أخيها عمر، يرويها ابن إسحاق في سيرته، فحينما علم عمر بإسلامها وزوجها، بطش بزوجها سعيد بن زيد بن نفيل، فحاولت فاطمة أن تحجز عمر عن زوجها، فنفحها بيده فشجها فلما رأت الدم قالت: "هل تسمع يا عمر؟ أرأيت كل شيء بلغك عني مما يذكر من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فائتمر أمرك واقض ما أنت قاض"، فلما رأى ذلك تألم لحالها، وطلب الصحيفة التي كانت معهم، ولما رأت حرصه عليها أمرته أن يغتسل، فقرأ من سورة طه، فأعلن إسلامه بين يدي رسول الله.

النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها حرية الدعوة، وحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة

كانت صلبة في مواجهة عمر، لم تتراجع عن حقها في اختيار الطريق الحق، وفي الوقت ذاته تأمل بأن يشرح الله قلبه للإسلام، فتعطيه الصحيفة، بعد أن تطهر، وهنا نرى أن قوة المرأة في ضعفها، وفاطمة أحسنت استثمار ضعفها، فتحولها إلى طاقة إيجابية، فينتقل عمر من غلظة الكفر، إلى سماحة الإسلام، ومن الحرب على الإسلام، إلى نصرة الحق وإعلاء شأنه.

 

تأسيس قاعدة جديدة

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، أن الهجرة الأولى كانت إلى الحبشة في رجب سنة خمس من البعثة، وكان عدد المهاجرين أحد عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا اثني عشر رجلا وقيل: عشرة، كما في فتح الباري شرح صحيح البخاري.

أما عدد المهاجرين في الهجرة الثانية، فكانوا ثلاثة وثمانين رجلاً، ومن النّساء تسع عشرة امرأة، وفق مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال ابن جرير الطبري: كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم، وشك في عمار بن ياسر، هل كان فيهم؟ وبه تكتمل العدة ثلاثة وثمانين، وقيل: إن عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة.

ولكن لماذا حماية الدعوة؟

يجيب منير الغضبان بقوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها حرية الدعوة، وحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة، يقول منير الغضبان: "فلم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث في طلب مهاجرة الحبشة حتى مضت هجرة يثرب، وبدر وأحد والخندق والحديبية… لقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسح من قريش خمس سنوات، وكان آخرها هذا الهجوم والاجتياح في الخندق.. وحين اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن المدينة قد أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين، وانتهى خطر اجتياحها من المشركين، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.