شعار قسم مدونات

تأثير "العربيزي " على مستقبل اللغة العربية

blogs - اللغة العربية

يُحادثني الكثير مِن أصدقائي على الفيسبوك والواتساب ومواقع أخرى بلغةٍ عجيبةٍ غريبةٍ معنَاها عربي وظاهِرهَا إنجليزي ويطلقونَ عليها لغةَ الإنترنت. أردتُّ معرفةَ المخترع الأول ومِنْ أَينَ نَشأَتْ العربْيزي، أي كتابةُ كلماتٍ عربيةٍ بأحرفَ إنجليزية، ومِنْ خلالَ بَحثي وقِراءاتي عَلِمْتُ أنَّها تعودُ إلى بدايةِ انتشارِ أجهزةَ الاتصال المحمولةِ والإنترنت منتصفَ التسعيناتِ مِنَ القرنِ الماضي.

كانَتْ اللغاتُ المتوفرةُ في الأجهزةِ النقالةِ والحواسيبِ مقتصرةً على اللاتينيةِ وكانَتِ العربيةُ غيرَ موجودةً بشكلٍ شبْهِ كليٍّ في هذهِ الأجهزةِ، ففكرَ المستخدمُ العربيُّ بطريقةِ تواصلٍ تكونُ مفهومةً مِنْ قبلِ الآخرينَ، وهيَ لا تقتصرُ على الحروفِ اللاتينيةِ فَحَسبْ بَلْ على بعضِ الأرقامِ مثلَ الخاء يتمُّ التعويضُ عَنْها بالرقمِ 5. اليوم أصبحَتِ اللغةُ العربيَّةُ مِنْ بينِ اللغاتِ على الهاتفِ، فما عذرُ الشباب اليوم؟  انتشرتْ العربيزي كثيراً بينَ الشبابِ العربيِّ، فَهلْ هذا بسببِ سَعيِهم إلى التغيير؟ أمْ أنَّ هناكَ أسبابٌ أُخرى؟ سألتُ الكثيرينَ مِنْ مستخدمي هذِهِ الطريقةِ في الكتابةِ عَنْ أسبابِ استخدامِهِمْ لَها فَكَانَتْ الإجاباتُ مختلفةً ومتعددةً، فَبعضُهُمْ مَنْ قالَ أنَّه يَكتبُ بِها كَي لا يفهمَ أهلُهُ ما يَكْتُبهُ لأصدقائه، وبُعضهُمُ الآخر قالَ بسببِ ضَعْفِهِ باللغةِ العربيّةِ من أجل ألا يسخرَ مِنْهُ الآخرينَ، ومِنْهُمْ يقلّدُ مَنْ حَولَهُ ولكنَّ شرَّ البليةِ ما يضحكُ، عِندَما أَخبرَنيْ أَحَدهُمْ أنِّه يواكبُ التطور فأينَ التطورُ في هذا؟

اللغة هي التي تشكل الفكر، فكرنا، وليست لنا لغة إلا تلك التي ورثناها، قابلة للتطور من جيل إلى جيل، ولكنها تظل اللغة العربية الفصحى بعبقرتيها المتفردة.

لَقدِ استخدمَ الناسُ هذهِ اللغةُ مُنذُ بدايتها بسببِ أنَّ التطور التكنولوجي لمْ يكنْ قدْ تمَّ على وجهِهِ الكاملُ بحيثُ لمْ تكن اللغات جميعُها متوفرةً في الجهازِ الذي يستخدمونَهُ. فَهل هذا تَطور، أمْ العودةُ خطوةً إلى الوراءِ؟! سَمِعتُ أقوالاً على أنها أيضاً خَرَجَتْ مِنْ عالمِ الإنترنت وانتقلَتْ إلى عالمِ الامتحانات، فهناكَ معلمونَ كُثُر يشتكونَ منْ هذِهِ الظاهرةِ. لا أعرفُ كيفَ لنا أنْ نَمْتلكَ لغةٌ مقدسةٌ كهذهِ وموجودةٌ في كتابِ اللهِ عزَّ وَجل لنذْهَبَ ونَكْتُبَهَا على شكلٍ غيرَ الذي خلقَهُ اللهُ لها. حتّى شركةَ جوجل وغَيرها من الشركاتِ صارتْ تَدعَمُها فَعنْدَما يدخلُ شخصٌ إلى محركِ البحثِ ويكتبُ بِها لا داعيَ أنْ يكتبَ بالعربيةِ، سيظهرُ لهُ ما طلبَ فوراً، ولكن ما السبب وراء ذلك؟ لغةُ الضادِ الّتي غنّى لها الشعراءُ، هيَ البحرُ الذي لا يجفُّ ولا ينفدُ، وَقد قالَ العديدُ مِنْ علمائِها أنْها كانتْ منذُ عهدٍ قديمٍ، أي قبلَ عصرِ الجاهليَّةِ وصدرِ الإسلامِ، وأنَّها اللغةُ التي تحدثَ بِها آدم في الجنةِ وهذا يعني أنَّها موجودةٌ منذ زمن طويلٍ، أي قبلَ أنْ تبدأَ الحياةُ البشريةُ على الأرضِ.

العربيزي لا تنتمي للعربيةِ ولا حتّى الإنجليزية هيَ هجينةُ ما بينهما كما وصَفَها النقاد، وبعدَ اختراعَها وانتشارهَا لمْ يبقَ إلا أنْ يؤسسَ العربيزيون دولتَهُم الخاصة التي سيطلقونَ عليها لاحقاً (عربيزيا). لَقَدْ وَصَفنيْ الكثيرُ مِن أصدقائي بالتقليديةِ لأنني لا أكتبُ إلا بالعربية وأنبهُهُمْ من تلكَ الهجينةِ التي أصبحَتْ تشكّلُ خطراً على مستقبلِ اللغةِ العربيّةِ. فباتَ عددٌ كبيرٌ مِنَ الشبابِ والجيلِ الجديدِ ضعيفونَ جداً بِها. أنا لا أكتبُ العربيزي ليسَ لأنّي لا أعرفُها، ولكنَّني أرى أنّه منَ السخفِ أنْ أكتبَ بِها. َليسَ منِ المعقولِ أنْ أكونَ عربيةً لأذهبَ وأعزفَ عنْ لغتي كما يفعلُ البعض، إنَّ الدولَ الاجنبيةَ والكبرى مِنها مَنْ تدرّسُ اللغةَ العربية في بعضِ جامعاتِها، فَما عُذرنا نحنُ العربُ حتّى نَتخلى عَنْ هويّتنا؟

كما يقولُ الكاتبُ المصريُّ يحيى حقّي : "نعم قد نتخلى عن التراث كله، لكن هناك شيئاً واحداً لا يمكن أن يقبل هذا التخلي وإلا انهدمت فنوننا، بل حياتنا كلها، وهو اللغة، فاللغة هي التي تشكل الفكر، فكرنا، وليست لنا لغة إلا تلك التي ورثناها، قابلة للتطور من جيل إلى جيل، ولكنها تظل اللغة العربية الفصحى بعبقرتيها المتفردة، وسليقتها الفذة.". الإنجليزية هيَ الإنجليزية بِمعناها ولفظَها وكِتابَتها والعربيةُ كذلك، فَهل رأى أحدكُم إنجليزياً يكتبُ لغتَهُ ولكنْ بأحرف عربية؟ أَذكرُ عِندما كنتُ في الابتدائية وبَّختني معلمةُ الإنجليزيةِ لأنني قمتُ بكتابةِ لفظِ الكلماتِ بجانبِ الورقةِ باللغةِ العربيةِ وقالَتْ لي هذا تصرفٌ غيرَ صحيحٍ ومضحكٍ وأنَّه لكلِّ لغةٍ خاصيّاتها ولا يمكنُ لَفظها بأحرفِ لغةٍ أُخرى بطريقةٍ مماثِلة. مِنَ المؤسفِ أنَّ اللغةَ العربيةَ أَصبَحتْ موجودةً في المناسباتِ والخطاباتِ الرسميّةِ فقطْ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.