شعار قسم مدونات

الطاقة المتجددة.. كخيار وحيد لسلامة البيئة اليمنية!

blogs الطاقة الشمسية

تحدثت في مقال سابق عن المخاطر الناجمة عن اعتماد الحكومة اليمنية على الوقود الإحفوري كمصدر للحصول على الطاقة، وطالبت بضرورة إيقاف دعم وتمويل مشاريع الطاقة التقليدية، فقد سجلت البلاد ارتفاعا كبيرا في معدل التلوث البيئي، نتيجة للتزايد السكاني، والفقر، وسوء التخطيط، وإدارة الدولة ومؤسساتها، واستمرار الاعتماد على الوقود الإحفوري دون البحث عن بدائل تقنية، وها هي البلاد تشهد تفاقما في التحديات البيئية، لعل أهمها ظواهر الاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية، وفقدان التنوع الإيكولوجي، وندرة بعض الموارد الطبيعية، وهذا كله في الغالب ناتج عن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

الحكومة اليمنية هي الراعية لأغلب مشاريع الطاقة التقليدية، فأغلب المشاريع والخدمات التي توفرها للمواطنين كلها تعتمد على الوقود الإحفوري، تليها الشركات الاستثمارية، التي حققت ثراء فاحشا من استخدام الوقود الإحفوري في إنتاج الطاقة وتقديمها للمستهلكين بأسعار خيالية، وإذا استمر الاعتماد على هذا النوع من مصادر الطاقة وبهذه الوتيرة، فإن انبعاثات الغازات السامة سوف ترتفع، وهذا يعني أن الاحتباس الحراري سيسجل ارتفاعا يتجاوز ثلاث درجات في المعدل، مما قد ينتج عنه عواصف مدمرة، وارتفاع في منسوب مياه البحار، وفيضانات، وجفاف، وأمراض فتاكة ستعصف بحاضر ومستقبل البلاد برمتها، فضلا أن اعتماد الحكومة ودعمها لهذا النوع من مشاريع الطاقة، سيشجع على التبذير، وسيزيد من تمدد ظاهرة الفقر في أوساط المجتمع، فقد وجدت دراسة حديثة أن نسبة الـ 20 بالمئة الأكثر ثراء من السكان المحليين يحصلون على منافع من دعم الوقود الإحفوري، وهذا يزيد من معاناة الفقراء.

الساحل الغربي لليمن يصنف بأنه من أكثر ممرات العالم هبوبا للرياح، كما أن صفاء السماء، وحرارة الشمس، تجعل من البلاد مرشحا رئيسا لاستخدام الطاقة المتجددة

لقد حان الوقت لتوقف الحكومة دعمها وتمويلها لمشاريع الطاقة التقليدية بشكل قطعي، والتحول إلى الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، من أجل تأمين سلامة البيئة، والحفاظ على التنوع الإيكولوجي في البلاد، والحكومة بوسعها أن تعمل الكثير من أجل إنهاء حقبة الوقود الإحفوري، وإرساء نظام جديد للحصول على الطاقة، يعتمد على مصادر متجددة وصديقة للبيئة، وهناك جملة من الإجراءات التي يتوجب عليها القيام به في هذه المرحلة، هذه الإجراءات تشمل الآتي:

أولا: إيقاف الدعم كليا عن مشاريع الوقود الإحفوري، والمسارعة إلى تبني استراتيجيات وخطط تقود نحو استخدام الطاقة النظيفة، بدلا من المازوت، والديزل، وغيرها من المصادر التقليدية، التي تهدد سلامة البيئة، وحياة الكائنات الحية، فاليمن تعد من "الدول التي تحظى بمناخ مناسب لاستخدام الطاقة المتجددة"، إذ تمتلك العديد من مصادر الطاقة المتجددة، والتي يمكن استغلالها في توليد الطاقة.

 

فالساحل الغربي لليمن يصنف بأنه من أكثر ممرات العالم هبوبا للرياح، كما أن صفاء السماء، وحرارة الشمس، تجعل من البلاد مرشحا رئيسا لاستخدام الطاقة المتجددة، وهذا النوع من الطاقة متوفر على نطاق واسع، وقابل للتجدد، إلى جانب أنها طاقة نظيفة لا ينتج عنها انبعاث غازات الاحتباس الحراري أثناء التشغيل، وتستخدم مساحات قليلة من الأراضي، ناهيك أن أثرها على البيئة عادة ما يكون أقل إشكالية من مصادر الطاقة التقليدية، وفي هذا الصدد يؤكد المهندس إياد الأكحلي أن نسبة كفاءة المناخ في اليمن للطاقة المتجددة تبلغ 60 في المئة، أي ما يعادل 10 أشهر مقابل تأثير سلبي للمناخ نسبته 40 في المئة من كفاءة الطاقة الشمسية وبما يعادل شهرين في السنة.

وفقا لاستراتيجية الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، فإن المناطق التي بإمكان اليمن استغلالها لتوليد الطاقة الكهربائية منها بواسطة الرياح، تتوزع بين جنوب غرب البلاد، والسهول الساحلية الجنوبية، تعز، لحج، عدن، وجزء من ابين، بينما المناطق التي يصلح فيها توليد التيار عبر الطاقة الشمسية فهي عديده.

ثانيا: أن تقوم بحملة ضغط على الشركات الكبرى، والجهات المستثمرة في قطاع الطاقة التقليدية، التي تصدر عنها انبعاثات مسببة للاحتباس الحراري، وذلك من أجل إجبارها على خفض استثمارها في هذا المجال.

ثالثا: أن تعمل على تسعير الكربون، باستخدام أنظمة التسعير المختلفة، مثل نظام تداول الانبعاثات، الذي يفرض حدودا قصوى، وضرائب كبيرة على الكربون، لأن استخدام هذا النظام سيسهم في توجيه الشركات، والمستثمرين إلى استخدام أنظمة طاقة بديلة صديقة للبيئة.

رابعا: أن تتبنى مبادرة الطاقة المستدامة للجميع، من خلال تعميم الطاقة المتجددة على جميع الخدمات، والمؤسسات في البلاد، ومضاعفة نسبة تحسين كفاءة استخدام الطاقة، ومضاعفة نسبة هذه الطاقة عن مستويات انتاجها الحالي المصنف على أنه طفيف.

خامسا: تبادر الحكومة إلى نشر الوعي في أوساط المجتمع بالآثار الكارثية لاستخدام الوقود الإحفوري كمصدر للطاقة، والترويج للطاقة النظيفة كمصدر بديل عنه. لقد حان الوقت فعلا للحكومة اليمنية للتوجه بعيدا عن الوقود الإحفوري، وعليها ألا تتحجج بأن مقومات الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة غير متوفرة في البلاد، فلديها مصادر عديدة بحاجة إلى الالتفات إليها وتوظيفها التوظيف الأمثل، فهناك طاقة الرياح، وطاقة الكتلة الحيوية، والطاقة الشمسية، والبلاد غنية بهذه المصادر، وفي هذا الصدد أشار تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة إيرينا، الذي انعقد في أبو ظبي في 24 و25 أكتوبر 2010، إلى أن كل كيلو متر مربع من آراضي منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، على سبيل المثال، يتلقى قدرا من الطاقة الشمسية سنويا يعادل 5 مليون برميل من النفط الخام، وهذا يفند أية حجج ستلجأ إليها الحكومة لتبرير عجزها عن استخدام الطاقة النظيفة.

ينبغي الإشارة إلى أن مشاريع الطاقة المتجددة ليست نظاما جديدا يستدعي تخوف الحكومة من الولوج إلى هذا المجال الواعد، بل إنه نظام سجلت بداياته قبل 17 عاما على يد عبدالمجيد الوهباني تاجر إلكترونيات، كان أول من جلب نظام الطاقة الشمسية إلى البلاد، عبر شراء ألواح طاقة صغيرة، وبطاريات، ومنظمات، وأسلاك، وبيعها في مركزه الصغير، تلك التجربة الجريئة لعبدالمجيد قد آتت أُكلُها، ونمت هذه التجارة حتى لاقت رواجا كبيرا بين الناس، عقب تعثر مشاريع الكهرباء الحكومية، تحت سطوة الحرب التي اندلعت بين فرقاء السياسة اليمنيين، وبات الكثير من السكان اليوم يعتمدون على الطاقة الشمسية للحصول على الخدمات الأساسية كالإضاءة، والطبخ، والتدفئة وتشغيل الأجهزة الإلكترونية، ورغم أن هذا الاستخدام يظل محدودا، ومحصورا على المستوى الفردي، وتحكمه العشوائية، ويواجه العديد من المعوقات، إلا أنه من الواجب النظر إليه كظاهرة إيجابية تتطلب التشجيع والتنظيم من قبل الدولة.

هذه التجربة يجب أن توفر للحكومة دافعا للاستثمار في هذا المجال الناشئ، فالجمهور الآن يمتلك درجة من الوعي بأهمية الطاقة المتجددة، ولديه خلفية جيدة عن مزاياها، وعن عيوب الطاقة التقليدية، وقيام الدولة بتوجيه الموارد، والإمكانيات للاستثمار في هذا المجال، سيحقق فوائد عظيمة على مختلف الأصعدة، إذ سيوفر للاقتصاد الوطني مردودا ضخما من العملة الصعبة، من خلال تأمين 675 ألف طن من الوقود التقليدي "البنزين.. الديزل" بقيمة تعادل 600 مليون دولار في كل غيغاوات من الطاقة التقليدية.

 

اعلم أن تغيير العادات المترسخة في بلد ما ينبع أساسا من إرادة شعبه. لهذا، يجب أن تتظافر الجهود الحكومية، والمجتمعية لتغيير عادة الاعتماد على الوقود الإحفوري
اعلم أن تغيير العادات المترسخة في بلد ما ينبع أساسا من إرادة شعبه. لهذا، يجب أن تتظافر الجهود الحكومية، والمجتمعية لتغيير عادة الاعتماد على الوقود الإحفوري
 

أيضا ستستفيد الدولة من بيع شهادات الكربون، التي ستحصل عليها مشاريع الطاقة الشمسية في سوق الكربون العالمية، مقابل خفض غازات الانبعاث الحراري الناتج عن استبدال مصادر الطاقة، إضافة إلى آلاف الفرص الوظيفية، التي ستتوفر لليمنيين مع هذا المشروع الواعد، والأهم من هذا كله تنمية الاقتصاد الوطني، والحفاظ على بيئة خالية من كل مظاهر التلوث، ومخاطره المستقبلية.

سادسا: أن تسعى الحكومة إلى إقامة شراكات فاعلة بين مصارفها المحلية، ومؤسسات التمويل الدولية من أجل تقديم الدعم المالي المناسب لإنجاح مشاريع الطاقة المتجددة، وتمكيين اليمنيين من الوصول إليها.

إن مشروع الطاقة النظيفة في اليمن يخطو خطواته الأولى، وبات بحاجة إلى التفاتة جادة من الحكومة والشعب معا، لدعمه وإزالة المعوقات، التي تحول دون تطوره، فاستخدام هذا النوع من مصادر الطاقة مازال محصورا في ألواح الطاقة الشمسية، ولأغراض محدودة كالإضاءة، والطبخ، وتشغيل الأجهزة الإلكترونية المنزلية، ولعل التكلفة الباهظة للمنظومة الشمسية على المستوى الفردي تعد من أهم العقبات، التي تحول دون تمكن مختلف طبقات المجتمع من الحصول على المنظومة، كما أن غالبية الناس لا يمتلكون الوعي الكافي بهذه الأنظمة، من حيث الصيانة الدورية لأجهزتها، ولا يعرفون معايير الاستخدام الأمثل لهذه الأنظمة، ولا يميزون بين هذه الأنظمة من حيث الجودة.

 

وبالتالي تظهر هنا واجبات الحكومة في التصدي لهذه المعوقات، من خلال إنشاء صندوق لدعم أنظمة الطاقة المتجددة للفئات الفقيرة، فضلا عن تصميم برامج خاصة لبناء قدرات منظمات المجتمع المدني للمشاركة في تنفيذ برامج الطاقة المتجددة، كذلك تصميم برامج تأهيل للفنيين، والمهندسين للانخراط في سوقها، إضافة إلى ذلك تشجيع المشاريع الصغيرة العاملة في مجال التصنيع الخاص بالطاقة، من أجل النهوض بهذا المشروع، وتوظيفه أمثل توظيف، بما يخدم الشعب، ويعزز من سبل تنميته وازدهاره.

ختاما عزيزي القارئ اعلم أن تغيير العادات المترسخة في بلد ما ينبع أساسا من إرادة شعبه. لهذا، يجب أن تتظافر الجهود الحكومية، والمجتمعية لتغيير عادة الاعتماد على الوقود الإحفوري، واستبدالها بالاعتماد على الطاقة المتجددة، وذلك لرسم استراتيجية ناجعة تحول دون استنزاف الموارد وخسارة التنوع البيولوجي ولا مكان فيها لأي مصدر طاقة مضر بالبيئة وفي طليعتها الوقود الأحفوري، وأنت بصفتك فردا من هذا الشعب، بمقدورك أن تكون أداة تغيير نحو الأفضل، وبمقدورك أيضا أن تتجاهل هذا الطرح، الخيار لك فكن حيث تشاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.