شعار قسم مدونات

أوراق عائد من أفغانستان(8).. أفغانستان بلد جنى عليه موقعه!

blogs أفغانستان

يتساءل المرء وهو يتأمل الصراع التاريخي الممتد في هذا البلد الذي جنى عليه موقعه ليصبح محل أطماع ونفوذ القوى الكبرى من القدم. فللبلد تاريخ حافل من الحروب والنزاعات منذ القدم حيث تنازع المنطقة المقدونيون والمغول وممالك عديدة إلا أنها وقفت جدارا فولاذيا أمام كل المساعي لاحتلالها.. لم يفلح الإنجليز في البقاء فيها في عدة حروب ثم جاء الاحتلال السوفياتي الذي شهد ميلاد الأفغان المجاهدين العرب الذين شجعتهم السعودية للجهاد ومقاتلة السوفيات وكان إعلاء لواء الإسلام شعارا براقا جذب إليه الكثير من الشباب من مختلف الدول الإسلامية واندحر السوفيات بعدها عام 1989.

 

مشروع بطاقة التعريف الإلكترونية للأفغان الذي أطلقه الرئيس الأفغاني قبل شهور شكل جدلا واسعا بدل الترحيب به كخطوة في طريق العصرنة وحاجز أمام استغلال أوراق الهوية القديمة في التزوير

ولم يهنأ البلد طويلا بطعم الاستقرار حيث شتتت الحرب الأهلية أوصاله خلال سنوات التسعينيات في حرب كان وقودها أبناء البلد وأذكت نيرانها القوى الكبرى وبعض دول الجوار ورجحت الكفة في الأخير لحركة طالبان المتشددة التي فرضت منطقها على الجميع. هذه الحركة التي ولدت من رحم المدارس الدينية في قندهار جنوبي البلاد تمكنت من اكتساح الساحة السياسية الأفغانية مستغلة تمسك الأفغان بدينهم وتفسخ الحكومات المتعاقبة وفسادها.

 

يحن الأفغان إلى فترة الستينيات حيث كان البلد مستقرا في عهد الملك محمد ظاهر شاه وباب الحريات مفتوحا على مصراعيه وكان الأفغاني يعتمد على نفسه ولا يعرف معنى المساعدات أو المنح الدولية. وفي وقتها كانت جامعة كابل مقصدا للطلاب الأجانب حيث كانت تقدم منحا للطلاب العرب والباكستانيين. وقد تسبب الشيوعيون والتدخل السوفياتي عام 1979 في إنهاء هذه الحقبة الجميلة فضلا عن تدخل دول الجوار. توجد بأفغانستان الكثير من العرقيات التي تشكل نسيجه الاجتماعي لعل أكبرها هم الباشتون ويأتي بعدهم الطاجيك والهزارة الذين يدينون بالمذهب الشيعي والتركمان والأوزبك والبلوش المنتشرون في الجنوب وأجزاء واسعة من باكستان وإيران والذين يشبه وضعهم الأكراد في انتشارهم وتشتتهم بين عدة دول.

 

ونتيجة هذا التنوع يحاول سياسيو البلد التعامل بحذر مع الموضوع. فمشروع بطاقة التعريف الإلكترونية للأفغان الذي أطلقه الرئيس الأفغاني قبل شهور شكل جدلا واسعا بدل الترحيب به كخطوة في طريق العصرنة وحاجز أمام استغلال أوراق الهوية القديمة في التزوير. تعارض بعض العرقيات الأفغانية مسألة بطاقات الهوية الالكترونية وعلى رأسها الطاجيك وممثلهم في السلطة الأفغانية عبد الله عبد الله الذي يشغل نائب الرئيس ويتذرع بأن هناك أولويات أكبر أمام الحكومة الأفغانية وفي الحقيقة يعارض الطاجيك مثل بعض العرقيات الأخرى الأمر بسبب استعمال عبارة "أفغاني" التي تعني في النهاية اسم الباشتون وتعتبر في نظرهم مسحا لهويتهم. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.