شعار قسم مدونات

لا تؤذونا في أردنّنا!

blogs الأردن

كانت ليلةً عصيبة قاسيّة، موجعة ولم ترحم قلوب الأردنيين، مساء يوم الحادي عشر من آب-ليلة الثاني عشر-، ليلة حقّ لها أن تسمى ليلة القهر والألم والوجع الذي ستعجز الحروف كلّها عن وصفه. تلك الليلة التي بكى بها القمر حزنًا، وآثرت النجوم الاختباء بعيدًا خجلًا من دموع أمهات الشهداء، وارتحلت ضحكات الأطفال واندثرت احترامًا وتقديرًا لتلك الأرواح الطاهرة التي قدّمت كلّ ما تملك فداءً لهذه الأرض الطيبة.

منذ اللحظة الأولى التي تفشّى بها العنف والدمار في الوطن العربي وقلوبنا كأردنيين كلّها متعاطفة مع الشعوب المظلومة وتشعر بالمقت والغضب تجاه الإرهابيين بكلّ صورهم وأشكالهم، كانت قلوبنا أيضًا بذات الوقت تستعيذ من أن تسقط ما جرى في الدول المجاورة على الأردن، ربّما بسبب تلك الفطرة البشرية بالانتماء والخوف على البلاد وبسبب ذلك الحبّ العجيب العميق لهذه الأرض، ذاك الحب الذي ما إن أصاب الفؤاد يتحول لقناعة تامّة أنّ هذه البلاد لا يمكن أن تتأذى يومًا ما.

تلك المشاعر القوية التي تجعلنا نطوّق كلّ ما نحبّ بهالة من الحماية من كلّ ضرر ونراه بعيدًا جدًا عن كل ما ومن سكن قلبنا، لأنّنا لا يمكن أن نستوعب ذلك الأمر من قسوته. منذ تلك الليلة وحتى اللحظة ونحن نعيش باضطراب شديدين، وكلّ من يسكن الأردن سيفهم تمامًا ما أعني. الأردن بالنسبة لي، ليست مجرد اسم بلاد نسكنها ونعيش على أرضها، هي كلمة أعمق وأعمّ وأشمل من أن تُفَسّر! هي ضحكة ثغري الأولى، حرفي الأول في المدرسة، علامتي الكاملة الأولى، صديقتي المفضلة، العرس الأول الذي شهدته، هي ليلة العيد بسحرها، هي الربيع ومفاجآته، الأردن يعني أمي وأبي وعائلتي، هي إربد وذكريات الطفولة هي وسط البلد بضجيجه المريح، ورائحة خبز الطابون بجانب بيت جدي، الأردن كلّ هذه التفاصيل مجتمعة، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا كذلك، لذلك لا يمكن أن تتأذى لا يمكن ذلك إطلاقًا.

ستظلّ هذه الأرض أغلى ممتلكاتنا، سكن أرواحنا، وسرّ قوّتنا، سنظلّ نحبّها لأنّها منّا ونحن منها، فينا من هوائها ومائها وتربتها، فينا من أزهارها وطيورها وكلّ تفاصيلها الصغيرة

الأردن بلد البسطاء الأنقياء، عشّاق أرضهم بصدق، الذين ما إن شعروا بأي تهديد قد يمس جزءًا بسيطًا من محبوبتهم هبّوا وثاروا واجتمعوا على قلب رجل واحد، وقتها لا فرق بين شمالي ولا جنوبي، لا فرق بين فلّاح أو بدوي، لا عشائر تفرّق ولا أماكن تبعد، فالأردن هو ما يجمع القلوب ويوثق الرابطة في ما بينها.

للأنقياء الشهداء الذين وهبوا أرواحهم للبلاد أقول: المجد لكم يا أبناء قرى الأردن وباديتها،أنتم حرّاسها ومُلّاكها،أنتم جيشها وشعبها وحصنها وو أبطالها. أنتم قلبها النابض وأنتم الخير في هذه البلاد، أنتم فخر لنا دومًا في كلّ لحظة. ولعائلات الشهداء، هنيئًا لكم بما قدّمتم، وهنيئًا لكم أوسمة الفخر التي ستزيّن أسماء عشائركم، دموع الأمهات غالية، وكسرة الآباء موجعة، حرقة الزوجات والأبناء قاسية، لكن حبكم لهذه الأرض أقوى من كلّ هذا، يا من زرعتم في قلوب أبنائكم أبطالنا الحمية في الدفاع عن حمى بلادنا، ربط الله على قلوبكم وجبر كسرنا وكسركم.

إن عطشتِ وكان الماء ممتنعا
فلتشربي من دموع العين يا بلدي
وإن سقطت على درب الهوى قطعا
أوصيك أوصيك بالأردن يا ولدي

ستظلّ هذه الأرض أغلى ممتلكاتنا، سكن أرواحنا، وسرّ قوّتنا، سنظلّ نحبّها لأنّها منّا ونحن منها، فينا من هوائها ومائها وتربتها، فينا من أزهارها وطيورها وكلّ تفاصيلها الصغيرة التي توغلّت بعمق كبير في أرواحنا فصار استحالة نزعها وإخراجها، مهما ابتعدنا ومهما جرى، سنظلّ جنودها وستظلّ أمّنا التي تضمنا إلى حضنها دومًا. ستظلّ الكلمات التي صدح بها صوت فيروز للأردن تزيّن مسامعنا دومًا معلنةً للجميع بأنّ الأردنّ سيظلّ أرض العزم، وإن نابت جميع السيوف فحدّ سيف بلادنا ما نبا. حمى الله أردننا أرض الحشر والرباط من كلّ من أراد به السوء، ورحم الله الشهداء وصبّر ذويهم وعائلاتهم وجمع قلوبنا دومًا حول بلادنا ليظلّ حبنا لها حصنًا منيعًا يحميها ويحمينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.