شعار قسم مدونات

بيروت.. مدينة زارها الحب ولم يعد!

blogs - بيروت

أكتب لكِ اليوم بعدما أدركتُ أن الخجلَ الذي فيكِ زارني ليلاً البارحة، طلب مني أن أبوح لكِ ببعض الكلمات، لم أعلم كيف خرجت الكلمات، لكن كتبتها، لأن قلبي حفظها. سافرت لكِ يا بيروت، لا أعلم كيف سافرت الليلةَ مسرعاً على مركبٍ، أريد أن أنام على بحركِ، فأنتِ ترفقين بزوارك. بل أصبحت منكِ بعدما قالت لي فتاة تشبهكِ عنك وعن بحركِ، قالوا أمواجِكِ عاتيةٌ، لكن جلستُ على بحرك وهو مظلم لعل صوته الجميل هو الذي يجعلني مبتسماً. ابتسمت له من قلبي وقلبي مكسورٌ من هذه الحياة، غادرتُ بحركِ لا أريد مجازفةً يخرجُ بها قلبي مقتول. قال عنكِ درويش:

هل تمددنا على صفصافها لنقيس أجساداً محاها البحر عن أجسادنا

جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى

نفتّش عن نهايات الجنوب وعن وعاء القلب.

سال القلب سال.

وهل تمدّدنا على الأطلال كي نون الشمال بقامة الأغلال؟

مال الظلّ مال عليّ، كسّرني وبعثرني.

وطال الظلّ طال. 

قلتُ: أي نهايات في بيروت حب أم كره، حياة أم موت، فرح أم حزن، لا أدري سوى أن درويش حين قرأ ذلك كان وجهه مجعداً يروي همه في قلبه عنكِ للناس، والناس لا تدري ما به لهذا كان يتكلم بفمه فقلبه الموت زارهُ بعدها. قلت يا بيروت: إنك لا تشبهين سوى نفسكِ، وكأن لكِ محبوباً واحد! لا أدري كيف عرفُكِ أهلكِ، أنُسِجَ الحب في قلوبهم أم صب عليهم؟ كل المحبين كتبوا عنكِ، وأنا لمَّا كتبت عنكِ تلفظُت آخر نفسٍ في قلبي. أهكذا الموت؟ أنا لم أطلبهُ لكن لا أدري لماذا أتى؟ لا إجابة. وقلت: فيكِ شيئاً نُسجِ بماءِ شوق المحبين، نُسج بحب ربي، رأيت تفاصيلكِ للحب فابتسمت، لكن قالوا لي: ليس للحب، ببيروت خرائط. قالوا من كان يرى محبوبته في بيروت كان يخجل أن يبوح لها بشيء كانت النظرات تكفي، العينين كانت الملاذ الأول والأخير لمن أراد، لذلك لا تحتاج هنالك لشيء، فقط عليك أن تمسك قلبك وإلا أصابه سهمٌ يبقيك تتنفس ولكن يزورك الموت كل يوم، هكذا خرائط حب بيروت. آآهٍ يا بيروت كسرتي قلبي أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً.

قلت لكِ لا أريد أن أنكسر، قلبي مازال متعباً من همِّ هذه الحياة. وجدتُ في عينيكِ زخرُفٌ رأيتهُ على جدرانكِ تذكرتكِ، لم يخطر ببالي أن مدينة الجمال قد نسجت برفق أومن عاش فيها هم المحبين. كان جدالاً مني أني طلبت الموتَ لقلبي على أعتابكِ لكان ليس للموت هناك طريق، لكن أدري لماذا ظننت فيكِ شيئاً، وجدت نفسكِ وهواكِ هناك. رأيتُ الورود، إن وردكِ يشكو دائما، قطفتُ وردةً وضِعَ فيها قلبي مُسكَراً، آآه زارني الموت في قلبي ووردكِ لا يخاف أن يموت، أهكذا كانت بيروت! وجدت القمر فيكِ مكتملاً لا ينقص، بدراً والله بدراً. يا بيروت سألُكِ نزار قباني لم تجيبيه، لماذا؟

مَنْ ذبح الفرحَ النائم في عينيك الخضرأوين؟

مَنْ شَطبَ وجهك بالسكين،

وألقى ماءَ النار على شفتيك الرائعتين

مَنْ سَمَّمَ ماء البحر، ورشّ الحقدَ على الشطآن الوردية؟

ها نحن أتينا.. معتذرين.. ومعترفين

أنَّا أطلقنا النارَ عليك بروح قبلية..

فقتلنا امرأة.. كانت تدعى (الحرية)..

كل هذا فعل بكِ، لم يريدَ أحد لكِ الفرح، لا بأس بيروت ماتت كل يوم وليس اليوم فقط. يا بيروت أنا لم أكن أريد ذلك، كنت أريد قلبي أن يتعلم الحياة لا الموت، كنت أريده أن يزهر لا أن ينكمش، كنت أريده أن يصافح الحب لا الحزن، كنت أريده أن يبتسم لا أن ينكسر، كنت وكنت وكنت وها أنا الآن عائد. عُدتُ صباحاً من مدينة إن زارها الموت أحياها، إن فاتها الفرح حزنها أبهاها، كالفتاة التي قالت عنكِ تماماً. لا تشبهين سوى نفسك، يا بيروت أنتِ أحلاها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.