شعار قسم مدونات

أيام العشر.. حين تسمو أرواحنا إلى السماء

blogs الحج
الكعبة المشرفة في موسم الحج (رويترز)

نداء القلب.. "لبيك اللهم لبيك".. تلك المقولة التي يرتجف لها القلب وتذعن لها الجوارح وترددها الألسن فلا تمل، شعار التوحيد والطاعة والانقياد حباً وخوفاً ورغبةً في إرضاء الخالق الواحد – سبحانه – لا ينتفع بطاعة العبد ولا تضره معصيته، غير أنه يحب من عبده أن يناجيه بـ "لبيك" يا خالقي ورازقي ومنعمي ومولاي، "لبيك" تأمر فأطيع وتنهى فنبتعد.

نور القلب

الفجر.. هو ذلك النور الذي يتلألأ فيضيء ظلمة الكون، والشعاع الذي يبزغ فيعطي للنفس الأمل ويجدد فيها الحياة، هو ذلك القسم الذي افتتح الله به سورة هو اسمها وأعقبه بقسم آخر لا يقل بهاءاً وجلالاً عنه وهي أيام العشر، وهو قسم عظيم ولم لا والفجر يضيء ظلمة الكون وهذه العشر تضيء ظلمة القلب والروح فيشع فيها الضياء وينجلي من القلب سواد الخطايا، وتمحى من الصحف الذنوب فيرتقي الإنسان إلى مرتبة النفس المطمئنة، تلك التي وعدها ربها بالجنة والرضا وكأن السورة طريق واحد تسلكه من أوله "بطاعات العشر" وتأخذه بعزم وجد تصل إلى نهاية الطريق بتحقيق الغاية والهدف وهو رضا الله والجنة.

عبداً ربانياً

عندما يعيش الإنسان بأسماء الله ويستحضرها في تفاصيل حياته فإنه بهذا يعيش مع الله في كل وقت وحين موقناً بأن الله هو الميسر المسير لحياته فيعطي الله قدره بحق

ومن تكريم الله للنفس المطمئنة أن قال سبحانه "فَادْخُلِي فِي عِبَادِي".. فلكي يصل الإنسان أن يكون "عبداً ربانياً" لا بد وأن نفهم ونعي شِقي الوصف، فلابد وأن نعرف الإنسان معرفة حقيقية، مم يتكون؟ وما هو المزيج الذي يشكل اهتماماته ودوافعه؟ وكيف يصل إلى أن يستحق أن ينسب إلى الله سبحانه وتعالى؟.. ولا بد أيضا أن نتعرف على " الرب ".. "الله" رب العزة سبحانه فنتعرف على أسمائه وصفاته حتى نعرف يقيناً إلى من ننتسب فيرجع هذا الأمر إلى عزمنا وعملنا بصلاح ويقين.

الله عز وجل هو الذي خلقنا قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" وما دام سبحانه هو الخالق وهو الموجد لنا فنحن عباد له نأتمر بأمره وننتهي عما نهانا عنه، وأرشدنا سبحانه إلى أسمائه وصفاته ففيها بيان لعظمته وقدرته وفيها تفسير لبيان سلطته وحكمه وحكمته وتدبيره، فعندما يعيش الإنسان بأسماء الله ويستحضرها في تفاصيل حياته فإنه بهذا يعيش مع الله في كل وقت وحين موقناً بأن الله هو الميسر المسير لحياته فيعطي الله قدره بحق، فإذا مرض يناجي الله باسمه الشافي، وإذا أذنب يدعوه باسمه التواب الغفور، وإذا تعرض لظلم ناداه باسمه الملك القهار، وإذا كان المرء على وشك انفضاح معصيته فستره فيهرول إليه باسمه الستار، وبهذا يعيش الإنسان مع ربه فيكون الله بؤرة ارتكاز حياته وهو الأصل الذي تنطلق منه دوافعه وأعماله.

أما الإنسان فهو يتكون من مزيج متناقض الجسد والروح، فالجسد خلق من طين قال تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" والروح من الله قال تعالى "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي"، إذن فهناك قوتان متضادتان داخل الإنسان فإذا انشغل بغذاء الجسد من الشراب والطعام وغيره على حساب غذاء الروح اثاقل إلى الأرض وضعفت روحه وعندها يشعر الإنسان بالضيق والقلق والاضطراب، أما إذا اعتنى الإنسان بغذاء الروح بالعبادات من الصلاة والصيام والذكر والصدقة ارتفعت روحه إلى السماء عندها يباهي الله عز وجل به ملائكته وذلك لنجاح الإنسان بتغلبه على شهواته والارتقاء بروحه وهنا يشعر الإنسان بالسعادة والراحة النفسية وطمأنينة القلب كما قال تعالى "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".

 

هذه العشر أيها الأحباب هي أشبه بنداء من الملك لعباده أن هلموا إلي فأعطيكم وأقبلوا على فأوافيكم
هذه العشر أيها الأحباب هي أشبه بنداء من الملك لعباده أن هلموا إلي فأعطيكم وأقبلوا على فأوافيكم

 

نفحات ربانية

ولأن الله يحب الإنسان ويحب أن يفتح له أبواب الخير حتى يصل إلى هذه النفس المطمئنة التي يرضيها الله ويرضى عنها فيدخلها جنته جعل لنا نفحات ربانية ومنصات إيمانية وأبواب موصلة إلى الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا".

من هذه النفحات هي أيام العشر من ذي الحجة فهي أفضل الأيام وأعظمها والعبادة فيها هي الأحب إلى الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" فهذه العشر أيها الأحباب هي أشبه بنداء من الملك لعباده أن هلموا إلي فأعطيكم وأقبلوا على فأوافيكم، في هذه الأيام روحكم تعلوا إلى السماء فلا تهبط وقلوبكم تطمئن فلا تشقى ونفوسكم تتعلق بي فلا تنحرف. ومن هذه العبادات:

  • ذكر الله: قال تعالى "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" قال ابن عباس: هي أيام العشر. وذِكْر الله طمأنة للقلب وغراس الجنة والباقيات الصالحات.
  • الصيام: ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها ففي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن بعض أزواج النبي صلى الله ‏عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم ‏عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر).
  • الدعاء: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
  • قيام الليل: وهو شرف المؤمن. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.