شعار قسم مدونات

وأدٌ المرأة.. على طريقة القرن الحادي والعشرين!

blogs المرأة، حجاب

بين وأدِ الماضي والحاضر، رُسِمٙ جسرٌ بريشةِ الجهل والتخلّف، بريشة الغبار المتراكم فوق فٙهْمنا لديننا، رُسِمٙ هذا الجسرُ على لوحةِ الزمان، ليكون رابطاً منسوجاً من خيوط السلبيّة بين جاهليّة الزمان البعيد، والفٙهم المغلوط لتعاليم الدين المعمّر الناهض بكلِّ من يؤمنُ بهِ دون تحديدٍ للجنس، فكما أنّهُ ينهض بدور الرجل، فإنّٙ هناك أساساً آخر لهذا النهوض، إنّٙه دور المرأة، وكلاهما من الأساسات، أي أنه لا غنىً بأحدٍ منهما عن الآخر.

إنّٙ معنى الوأدِ في اللّغة هو الدفنُ حيّاً، وتأتي بمعنى ثانٍ وهو الكبْتُ والتثبيط، المعنى الأول كان يمثّلُ شكلٙ التخلّف في العصر الجاهليّ الأول، نعم الأول، لأنه للأسف ظهر العصر الثاني بعد مئات السنين من الأول متمثّلاً بالمعنى الثاني للوأد، متمثّلاً بتثبيط شهوة فطرة المرأة في أن تكون ذاتها ووجودها، في أن تتعلّم وتنمّي قدراتها وتطبّق على أرض الواقع، لقد كسروا فرشاتها وأفسدوا ألوانها، فلم تٙعُد قادرةً على أن تسطّر أجمل لوحاتها في معرض هذا العالم، محو بصمتها عن جبين مجتمعها، وكأنها خاويةٌ فارغة، لا قلبٙ ينبض بحب، ولا عقلاً يضجُّ بالأفكار القابلةِ للتبنّي لتكون حجراً في عمارة الأرض.

إيمانك بدور المرأة في العمارة والخلافة، هو جزءٌ من إيمانك بالله تعالى، فإن كنت تؤمن بالله وبأنّٙه الحكيم الخبير، فلتؤمن بخلقه، وبأنّٙه لم يخلُق عبثاً، ولم يزرع بذرةٙ تحقيق الذات في أرض فطرة المرأة إلّا لتنمو وتؤتِ أُكلها

لو نظرنا في آيات الكتاب الحكيم، لوجدناها رابطةً وملزمةً للجنسين في الذِكْر، قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" – سورة النحل – ، وكما أنّٙ الرجل مطالبٌ بالمهمّات العميقةِ كالعمارة والإحسان والإصلاح في الأرض فإن المرأةٙ أيضاً لها دورٌ ونصيبٌ من هذه المهمّات، لم تُخلٙق كمالة عدد، حاشا الخالق عزّ وجل من أن يخلُق عبثاً، فهي لم تُخلٙق ديكوراً في هذه الحياة، ولا لتخدمكٙ وتلبّي بعض حاجاتك النفسيّة، لقد خُلقٙت لتُكمّل نقصك وتصِلٙ قصوركٙ عن أداءِ تلك المهمّات، فلا تتخيّل ولا للحظةٍ أنّٙ بإمكانك تأدية مهمّة العمارة، ونيلُ شرف الخلافة ووراثة الأرض بمفردك، متفرّداً بذاتك، فكما خُلقتٙ لتحقق ذاتك وكينونتك، هي أيضاً ذاتٌ ووجودٌ، نفسٌ وروحٌ، خُلقٙت لتحقق ذاتها، خُلقٙت لتضع بصمتها هي الأخرى على جبين هذا العالم وتقول بفخرٍ هأنذا.

هناك بعضٌ من أصحاب الفٙهم المغلوط، الذين أتعجّبُ من حنينِ عقولهم إلى جاهليّة طواها الإسلام، يضعون المرأة في إطارٍ ثابت، وألوانٍ محددةٍ، ويعرضونها في المعارض التي تحلو لجهالتهم واعوجاج أفهامهم، ليخرج منهم من يقول: (المرأة مكانها في المطبخ)، إلى هؤلاء القومِ أقول: ما دمتم وزراء الله في هذه الأرض، وتوزّعون المهامٙ والوظائف كما يحلو لهواكم المقيّد بأصفادِ التخلّف والفهم المنقوص، وقد أعطيتم المرأة مهمّة المطبخ والعنايةٙ بالأطفال وتفريغ شهواتكم فقط، وادّعيتم أنّٙ مهمّتها تقفُ عند هذا الحد ولم تسمحوا لها بالتفكير في تجاوز ذلك حتى، لِمٙ خلقٙ الله في نفسها شهوةٙ تحقيق الذات؟ لِمٙ زرع فيها حبّٙ التعلُّم والتطور وتنمية المهارات والقدرات؟ أأنتم أعلمُ أم الله؟

يا معشر الرجال، أبصروا بعقولكم، وتذكّر أيها الرجل العظيم، يا صاحب الأفكار النيّرة المبدعة، يا صاحب المشاريع العملاقة، يا معمّر الأرض، تذكّر أنّٙ من حمٙلتكٙ هي امرأة، وأنّٙ من ربّتك هي امرأة، تذكّر أنّٙ سُلّم صعودك هو امرأة، سواءً كانت أُمّاً أو أختاً أو زوجةً، وأعود وأكرر، إيمانك بدور المرأة في العمارة والخلافة، هو جزءٌ من إيمانك بالله تعالى، فإن كنت تؤمن بالله وبأنّٙه الحكيم الخبير، فلتؤمن بخلقه، وبأنّٙه لم يخلُق عبثاً، ولم يزرع بذرةٙ تحقيق الذات في أرض فطرة المرأة إلّا لتنمو وتؤتِ أُكلها، فلا تجتثّٙ هذه الشجرة قبل خروجها بجهلك واعوجاج فٙهمك.

وأودُّ التنويه أنّٙي لا أدعوا إلى الإفراط في الانفتاح وإطلاق العنان للحريّات حتى تغدوا تجاوزاً واضحاً لحدود الدين والمنطق، ولكن ما أدعوا إليه هو الاعتدال، والحكمة في التصرّف والتعامل مع المرأة كذاتٍ ووجود بعقلٍ ودينٍ نابعان من فهم سليم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.