شعار قسم مدونات

ما الخطأ في أن تصبح القراءة موضة؟

blogs - موضة

ليس من السيء أبدا أن تصبح القراءة موضة بعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، فلا تجد من لا يملك حسابا على الفيسبوك أو الانستجرام حتى ذلك الطفل الذي بدأ خطواته الأولى يحمل الهاتف ويدخل في عالمه من حيث لا تدري، لوهلة تظنه مبرمجا على ذلك وهو في بطن أمه، ما الخطأ في أن تصبح القراءة موضة ليدمنها الجميع بدل الهواتف التي تقيد أيديهم؟

 

لا يمكنني أن أذهب للتسوق دون أن أمر على المكتبة، أجد البائع هناك وحيدا يراقب المارة أو يحمل بين يديه كتابا، قل ما يدخل شخص إلى هناك، أتعجب كيف تصمد المكتبات في مدينتي رغم وحدتها وكآبتها، ترى هناك في الجهة المقابلة محلا للملابس يكتظ بالناس حتى لا تكاد تجد مسلكا تمر من خلاله، يعلو الحديث بينهم اقتني هذه لا بل هذه فهي على الموضة.

 

يؤسفني أن أرى في مدينتي عدد المطاعم والمحلات أكثر من عدد المكتبات، يؤسفني أن أرى مكتبة الجامعة ملاذا للعبث ولعب النرد والأوراق يؤسفني أن أراها قمامة لسجارتهم، ولما لا للرقص أيضا، تكاد الكتب تصرخ طالبة النجدة

كوني فتاة لا أنكر أني أحب التسوق لكني أتسوق في المكتبات أكثر، وأشعر تماما بنفس السعادة التي تعتريني وأنا ألبس ثوبا جديدا عندما أحمل كتابا جديدا، ذاك ثوب لجسدي وهذا ثوب لعقلي وأعرف أن الثاني أهم من الأول، لذلك يجب أن نصرف على الكتب أكثر مما نصرفه على شيء آخر ونهتم بها أكثر مما نهتم بشيء آخر وهنا أتذكر قول بيار دو لاغورس: (قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت)

 

ولا أتحدث هنا أبدا عن كتب الطبخ وتفسير الأحلام ليس لأنها سيئة بل لأن أغلب الناس في مجتمعنا يقرؤونها كثيرا ويفرحون بذلك وهم في الحقيقة لم يضيفوا شيئا لعقولهم المسكينة، للكتاب تأثير علينا تماما كتأثير الكحول، فهناك من الكتب من تجعلك في سكرة أزلية لا تخرج منها إلا بعدما تنهيها وربما تبقى أياما تحت التأثير، وهناك من الكتب من تجعلك إلاها للحكمة تتشرب من معانيها وتملأ بها عقلك، وهناك من الكتب من تسافر بك دون تأشيرة أو تذاكر فقط افتح الكتاب وانطلق، وهناك من قال : ليس ثمة سفينة كالكتاب، تنقلنا بعيداً بعيداً.

 

يؤسفني أن أرى في مدينتي عدد المطاعم والمحلات أكثر من عدد المكتبات، يؤسفني أن أرى مكتبة الجامعة ملاذا للعبث ولعب النرد والأوراق يؤسفني أن أراها قمامة لسجارتهم، ولما لا للرقص أيضا، تكاد الكتب تصرخ طالبة النجدة، ألا يحق أن تكون المكتبات مكانا مقدسا؟ وهل تليق الطهارة بمكان آخر غير المساجد والمكتبات؟ والله رفع قدر العلم وأعلى شأن العالم حتى فضله على العابد، فالله لم ينزل على نبيه كلمة اعبد أو وحد بل كانت اقرأ، كأنه يقول أن القراءة هي المفتاح لمعرفة الله، هي المفتاح لمعرفة الكون وأسراره، تلك الكلمات خرجت من الغار مدوية سمع صداها في أنحاء الأرض جميعا، كانت تلك الكلمة مهدا لقيام حضارات عظيمة، وخلقت رجالا شهد لهم التاريخ أعظمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

إذا أصبحت القراءة موضة فما أجملها من موضة، أن ترى الجميع يحمل كتابا في الشارع، في الحافلة لا تحس نفسك غريبا أو مجنونا، تتحدث عن الكتب التي قرأتها فتجد من يهتم بذلك لن تسمعهم يتكلمون عن نظاراتك الغريبة أو عن قصة شعرك، سيكون كل منهم في عالم آخر كالذي تعيشه أنت، كلما قرأت أكثر ستطوقك النصوص، وتغريك رائحة الورق الاستثنائية، وتسافر دون تأشيرة إلى مدن حلمت بها، ويلتهم عقلك الحروف، وتحس بنشوة غامرة فتستغني عن كل الأطباق الشهية ليصبح الكتاب طبقك المفضل.

  

"القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة إنها تزيد هذه الحياة عمقًا وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب"

(عباس محمود العقاد)

   

القراءة تجعلك تعيش ألف حياة وتكتشف مئات العقول وتحاورهم بين السطور، بالقراءة تنجو بعقلك إلى المجد والعلياء، اقرأ وكن بعدها ما تريد أن تكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.