شعار قسم مدونات

الاعتداء على الأساتذة.. وقفة جادة أمام مسببات الظاهرة!

blogs الاعتداء على المعلم

إن المتتبع للشأن التربوي المغربي يجد نفسه أمام مجموعة من القضايا المستعصية والمتداخلة فيما بينها ولعل أبرزها: العنف داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها، حيث أصبحت حوادث الاعتداءات المتكررة على الأساتذة داخل الحجرات الدراسية تطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى توفر الظروف والشروط المناسبة لمزاولة مهنة التدريس من طرف المدرسين.

لقد تعددت حالات العنف ضد الأساتذة ففي غضون أشهر قليلة تم رصد عدة حالات في مؤسسات مختلفة فمن شريط الفيديو الذي انتشر بشكل مهول في صفحات الشبكات الاجتماعية بمدينة ورزازات والذي يوضح مهاجمة طالب شاب يبلغ من العمر 17 عاما بعنف معلمه على مرأى من تلامذته إلى حالة ثانية وهي حادث الاعتداء الذي طال أستاذة التاريخ والجغرافيا والتي تعمل بثانوية الحسين بن علي بالحي المحمدي مدينة الدار البيضاء حيث تعرضت لاعتداء جسدي على مستوى الوجه توجب معه تدخل طبي كما لا ننسى الحادث الأخير الذي تعرض له أستاذ مكلف بالحراسة أثناء الامتحانات بمدينة سلا يومه 18 يونيو 2018. أمام تنامي هذه الظاهرة الفتاكة لابد لنا من وقفة جادة للوقوف على مسببات هذه الآفة الخطيرة والبحث عن حلول للحد منها. إن الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك ترجع بالأساس لمجموعة من المؤثرات يمكن جملها فيما يلي:

المؤثرات المتعلقة بالوضع الاجتماعي:

لا يختلف اثنان على إن أغلب الأسر المغربية لا زالت تعيش تحت وطأة الفقر المدقع الشيء الذي يجعل التلميذ في إحساس دائم بالدونية والتهميش أمام ما يشاهده من مظاهر الغنى الفاحش لدى الطبقة الغنية مما يولد له صراع داخلي قد يصرفه على شكل عنف خارجي اتجاه مدرسه مع أول عبارة عتاب.. كما نجد أن المجتمع المغربي مبني على السلطة الأبوية، فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف من قبل الأب أو المدرس هو أمر مباح ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة وحسب النظرية النفسية الاجتماعية فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً مسموحاً ومتفقاً عليه.

يجب الاتحاة لحل هذه الظاهرة من خلال الاهتمام بالتنشيط الثقافي والرياضي لإشباع مختلف هوايات وميولات التلاميذ إلى جانب حماية المدرسة ومحيطها من مختلف الممنوعات

زد على ذلك تلك النظرة التقليدية القائمة على تمجيد التلميذ الناجح والتقليل من شأن التلميذ الفاشل دراسيا.. هذه المقارنة التحقيرية والدونية تولد سلوكا عنيفا لديه. وتعد البطالة أيضا من أكبر المسببات المباشرة إذ أننا نجد في أغلب الأسر المغربية مجازين لم يلجوا سوق الشغل بعد وبالتالي فالتلميذ المغربي يجد نفسه أمام عينة ونموذج لما يعيشه ذاك الشاب الذي درس وكد ليجد نفسه بدون عمل فيتولد له إحساس بالإحباط وعدم الرضى على الوضعية وتنسد لديه الرؤية المستقبلية ليعيش في دوامة التفكير السلبي وهو ما يمكن أن يزيغ بسلوكه المتدبدب إلى سلوك يتسم بالرعونة والعنف.

المؤثرات الناتجة عن الضغوط النفسية:

إن الخلافات بين الوالدين هي من أكثر الضغوطات النفسية التي يتأثر بها التلميذ كما التوتر الدائم في جو المنزل وعدم التفاهم يشيع جواً من الاضطراب مما يؤدي إلى أنماط في السلوك لدى الطفل مثل الغيرة والأنانية وحب الشجار وعدم الاتزان الانفعالي وعدم احترام الآخرين.

كما أن المشكلات النفسية عند الوالدين والسلوك الشاذ يؤدي إلى عدم استقرار الجو الأسري فهي تؤثر على الصحة النفسية للتلميذ ما يؤدي إلى شعوره بالاكتئاب أو القلق.. وتجعله يتصرف بعدوانية نحو الآخرين خصوصا أستاذه نظرا للاحتكاك اليومي به.

كما لا يمكننا أن ننكر ما يمكن أن تسببه تلك العلاقة المتوترة بين الأستاذ والتلميذ من عقد نفسية واختلال فكري وهذا راجع بالأساس إلى سوء فهم بعض المدرسين والمدرسات للتركيبة البنيوية والفيزيولوجية للتلميذ وكذا النهج السلطوي المطبق خلال العملية التعليمية مما يجعل الجو الدراسي لدى الطفل كأنه ساحة حرب قد تسبب له كوابيس وأمراض مع مرور الزمن.. بل قد يتعدى ذلك انقطاعه عن الدراسة وقد تجده يوما ما هو ذاك المتاجر في الممنوعات أمام المدرسة.

المؤثرات المرتبطة بالمحيط المدرسي:

وهنا نخص بالذكر ما يعرفه محيط المدرسة من نشاط منقطع النظير لترويج مختلف أنواع المخدرات على مرأى من الكل وهو ما يجعل من التلميذ مدمنا لهذه المواد السامة ليصبح متقلب المزاج فاقدا للوعي غير متحكم في تصرفاته التي يمكن أن تتجاوز الاعتداء إلى جريمة القتل.

إن التصدي لهذه الظاهرة المعقدة يستوجب بالأساس القيام ببحث وتشخيص دقيق للوضع التربوي ببلادنا إذا ما كنا نفكر بصدق وإذا ما كنا نتألم لهذا الواقع المرير كما يجب
إن التصدي لهذه الظاهرة المعقدة يستوجب بالأساس القيام ببحث وتشخيص دقيق للوضع التربوي ببلادنا إذا ما كنا نفكر بصدق وإذا ما كنا نتألم لهذا الواقع المرير كما يجب
 
المؤثرات التربوية:

إن الرتابة والنمطية التي تتميز بها المقررات التعليمية ببلادنا موازاة مع التطور السريع الذي عرفه العالم على مستوى الإعلام ووسائل التواصل، عنصران كان لهما تأثيرا كبيرا على الفعالية المرجوة من الممارسات الصفية للمدرسين وبالتالي انعكست على تنشئة جيل المستقبل.

 

إن التصدي لهذه الظاهرة المعقدة يستوجب بالأساس القيام ببحث وتشخيص دقيق للوضع التربوي ببلادنا إذا ما كنا نفكر بصدق وإذا ما كنا نتألم لهذا الواقع المرير كما يجب وبذل مجهودات إضافية للحد من هذا المرض القاتل وذلك بتوعية التلاميذ بمدى خطورة العنف عن طريق القيام بدورات ولقاءات، وإحداث مجالس للإنصات للتلاميذ الذين يعيشون في وضعية صعبة ومتابعتهم عن قرب، واعتماد مقاربات ومضامين تساير التطور الذي تعرفه وسائل الإعلام والاتصال، والاهتمام بالتنشيط الثقافي والرياضي لإشباع مختلف هوايات وميولات التلاميذ.

إلى جانب حماية المدرسة ومحيطها من مختلف الممنوعات، وإدماج التلاميذ والاهتمام بهم وعدم تعنيفهم، واعتماد قوانين رادعة لهذا السلوك المشين، وإعادة تفعيل دور الأندية المدرسية وجمعية الآباء وأولياء التلاميذ، وأخيرا إعادة النظر في السياسة التعليمية ككل ومباشرة الإصلاح لمختلف الجوانب المؤسسة للمنظومة التعليمية بتظافر جهود كل المتدخلين والفاعلين السياسيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.