شعار قسم مدونات

أحمد حاج يوسف.. قصة كردي عاش نبيلاً!

blogs كردي

يقوم الكثيرون بتفخيخ علاقاتى البينية بين العرب والكرد وذلك تمهيداً لإحلال عرقية بين أكبر قوميتين في سوريا العرب والكرد ويخلط كثيرون بين السياسة والقومية وبين الدين والقومية فيجعل من الدين سيفا ضد القومية ومن القومية منصة تشهير بالدين، ومن السياسة تكفيراً لقوميات، ما بين أيدينا سيرة لرجل كرودي عمل على مزج أخلاقه القومية بواقع اجتماعي يحترم ديانته وقوميته وعلاقاته.

بعيداً عن الإعلام ورموزه، والثقافة وتعاليها نسلط الضوء على رجل قد يكون مغموراً في صيته العالمي لكنه كان إنساناً معروفاً في الشمال السوري، لم تحكمه النظرة التشاؤمية للوجود التي صاغها في قالب شعري أبو العلاء المعري.. فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة حين قال: تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد.

كان على إيمان أن الذات الطيبة تبحث في الحياة عن ذكر حسن، وهي ظمأى لفعالية تذكر بين الناس ولا يغفل عنها الله يوم القيامة. إن وجود الذات وإثبات إحسانها يتوقف على خطواتها الموجهة نحو ذلك النبع الأصيل نحو نفخة الله في خلقه، يبرز كمال الصفاء والنور في لمسة حنان وعطف يبذله الآدمي لتتقد تلك اللمسة الرحمانية، كذلك كان ذلك الكردي الأصيل.

ولد أحمد حاج يوسف في عام 1930م ونشأ يتيماً في قرية تتاخم الحدود العراقية السورية والتركية (تل شعير شيتيه) بين القامشلي وتربسبي (القحطانية) ترعرع الطفل الذي كان اسمه محمد ويناديه الناس بأحمد ويبدو أنه ممن نال من اسمه نصيب فكان محمود السيرة يسير على سنن نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. في تلك الضيعة العريقة بمكوناتها المسيحية واليهودية والكردية، نشأ الطفل متسامحاً لا يحمل عقداً ولا كراهية على أحد.

مات رجل وخلف امرأة وعلى عاتقها ديون وساءت أوضاع الأرملة فانطلق الحاج أحمد كما أحب الناس أن يصفوه باسمه المحمود بفعله الأحمد، لإغاثة تلك الأسرة

ومع فقده والده (الحاج يوسف) إلا أن أصالة نسبه كانت حاضرة فهو ابن عشيرة حجي سليمانية. وكان جده الأعلى يملك الاراضي حتى بلغت أملاكه خمساً وعشرين ضيعة وورث الابن محمد إثنين وأربعين هكتاراً وعلى الرغم من فقده لأبيه إلا أن الله عوضه ببصيرة منفتحة فهو الأصيل الكردي الذي رفع شعاراً (الدين وجوهر القلب الصافي شقيقان، والحقد وسخ إياك أن تهين ديانتك به).. نشأ محمد في بيت ثري بعواطفه وكان والده قد تزوج بسريانية وأرمنية وكردية.

لا يزال صبيّاً لما لفت أنظار الناس إلى نبوغه فقد كان متفوقاً في علوم الحساب، كان الطفل شبيهاً بـ (بوردة) فواحة في أريجها. ولم يكن ليتحمل أي ظلم أو تعسف وحين يرى مسكيناً أو محتاجاً تصبح هيئته أقرب إلى مسعف وطبيب جراح يعالج ويداوي. لقد جمع الطفل بين عراقة النسب الكردي ونقاوة ونخوة العربي فجدته أم سليمان..

ودرس في ضيعته في المدرسة التي تخرج منها الشاعران الأديبان أحمد مامي وجكر خوين، كما عمل مزارعاً في أرضه يزرع وبيبع القمح والقطن والخضار وبدأ يثمر زرعه ليس في الأراضي فحسب بل في القلوب أيضاً فقد كان قلبه مفتوحاً كيده لكل محتاج، لا يرد سائلاً..

مات رجل وخلف امرأة وعلى عاتقها ديون وساءت أوضاع الأرملة فانطلق الحاج أحمد كما أحب الناس أن يصفوه باسمه المحمود بفعله الأحمد، لإغاثة تلك الأسرة وحذر الأرملة من بيع الأراضي وانطلق لاستصلاحها وزراعتها ومعاونة الأسرة على الفلاحة والحراثة والبذر حتى تتمكن الأسرة من سد الديون وهذا ما تم، فقد آمن هذا الكردي الأصيل أن إغاثة الملهوف من أهم القرب إلى الله وكذلك تفتح القلوب. رزقه الله بخمسة عشر ولداً وعمق فيهم معاني الكرم والطيبة والنخوة والشهامة.

لم يفكر الرجل يوماً في فقر فكما يقال أنفق ما في الجيب يرزقك الرب من الغيب، ساهم في تعديل شهادات لمن لم يكن لديه مقدرة على ذلك وجعل من سيارته الفخمة في ذلك الوقت أشبه بنقل عام غير مأجور (كان نوع سيارته بيجو 504) وكان هو الأوحد في القرية الذي يملك سيارة وظفها لمساعدة المقطوع والمريض وكل ذي حاجة.

أصيب نتيجة خطأ طبي بفقد صوته وصار يتحدث بفعله الذي هو ابلغ من القول وإن كان يستخدم جهازاً ليتحدث من خلاله ويثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدينا، زار ألمانيا لاستكمال العلاج وطلب منه المكوث أكثر فآثر العودة إلى بلده ليموت بعد عشرين عاماً على تراب أراضيه حراً وفيا لقيمه.. لم يجهل على أحد يخالفه في القومية ولم يجعل من قوميته ستاراً للعصبية ولم يخاصم ديانته، وكان إنساناً فارساً جعل من كورديته شارة نجدة ومن فعله دلالة أن الخير في الكرد يسري كما يسري الدم في العروق.. رحمه الله فارساً كردياً كلما ذكر اسمه تنامت إلى الأذن محاسن فعله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.