شعار قسم مدونات

كيف للأحلام أن تجعل حياتنا أفضل؟

blogs - أحلام

إذا كان لديك حُلم فعليك أن تُدافع عنه وتحميه. يعجز الناس في بعض الأوقات من القيام بأُمور يريدونها لذلك يوهمونك بأنك عاجز مثلهم. إذا أردت أمراً فقاتل لأجله، لا تخشى الفشل، الأشخاص الذين يسعون وراء أحلامهم، الحياة لديهم لها معنى خاص. هذه الكلمات التي قالها Will Smith لابنه في فيلم The Pursuit of Happiness، ربما كانت المحفز بشكل أو بأخر لأكتب هذه المقالة عن الأحلام. منذ بداية الخليقة، تولد لدى الإنسان طموح بحياة أفضل، هذا الطموح تحول إلى أهداف والأهداف تحولت إلى أحلام. ومع التطور الذي عاشه الإنسان عبر العصور، تطورت الأحلام؛ فأصبحت تعظم وتصغر وفقاً لطبيعة الإنسان الذي يحملها. منها ما هو جنوني ومنها ما هو إنساني، منها الشخصي ومنها الجمعي. لا يستطيع أحد العيش بدون أحلام. الأحلام طبيعة بشرية بحته كالعقل والتفكير، وهي طبيعة أساسية تفرض نفسها مثل الطعام والشراب والنوم.

عندما تموت الأحلام!
منذ أن كنت صغيراً، كنت أفكر بطريقة مشابهة لول سميث؛ وكنت اتخيل أن هناك نوعين من الناس. النوع الأول يسعى ويتعب، يجتهد ويعمل يطور نفسه ويدرس كي يحقق أحلامه ويثبت جدارته. أما النوع الثاني يماطل ويتمهل، ينام ويلعب ويلهو. ثابت في مكانه ولا يحقق أي شيء، كان هذا التفسير في نظري يعمل بمبدأ التنافس. وهذه سمة موجودة في حياتنا البشرية لتحقيق التوازن اللازم للاستمرار، كنت راضياً عما وصلت إليه في تفسير مفهوم الأحلام. ولكن في عام 2011، تغيرت نظرتي لهذا التفسير حيث أنني وجدت نوعاً جديداً ثالثاً من البشر الحالمين. هذا النوع يحلم ويخطط، يعمل ويجتهد، يطور من نفسه كل يوم. لكن أحلامه لا تتحقق ويتدخل القدر بشكل ما؛ إما بالموت أو الحرب أو الهجرة والتشرد. هذا التدخل المفاجئ يوقف سيل النشاط والحركة ويطفئ شعلة الاجتهاد والمنافسة ليجد المرء نفسه إما جثة باردة تحت التراب أو محاصراً في مدن الموت في الشرق، أو تائها في بلاد اللجوء مشلول الحركة والفكر يحاول أن يلملم بقايا الأحلام في الذكريات المدمرة، تلك الأحلام التي ما تلبث أن تشكل أطلالاً جديدة يبكي عليها مع البلاد التي تدمرت.

بدون أحلام حياتنا تصبح عبارة عن أيام متشابهة، روتينية، خالية من المتعة والمعنى. ولكن تذكـــر؛ نحن جميعاً نحيا من أجل هدف واحد، هو أن نكون سعداء ونعيش حياة أفضل، فالأحلام ضرورية لتحفيزنا.

للأحلام عندنا في الشرق معنى أخر؛ فعندما تولد في بلد دكتاتوري أو في بلد من بلدان الحرب، فحلمك مهما كان عظيماً عميقاً، يمكنه أن ينتهي باعتقال سافر، تخرج منه أنت وحلمك جثة مشوهة المعالم. ويمكن لحلمك أن ينتهي بصاروخ طائش أو تفجير أعمى أو رصاصة حقيرة لا يتجاوز سعرها دولاراً واحداً. في نظري؛ المقابر في بلادنا أغنى الأماكن بالأحلام، فكم من الأفكار والأهداف، كم من الاختراعات والآمال والتطلعات دُفنت هناك. فكم من إنسان لديه من المواهب ما لا تَجده عند الكثير، إلا أنه افتَقَر إلى أبٍ يورثه أو مجموعة تدعمه أو دولة تؤهله. هذا الإنسان لم يخسر أكثر مما خسر العالم منه، وهذا هدر أعظم من هدر المال.

عندما تتحول الأحلام!
الأحلام لا تموت؛ بل إنها تكبر وتكبر مع الأيام، وأن جمال الأحلام يكمن بتحقيقها بعد التعب والاجتهاد. والأحلام حين تتحقق تكون ميلاداً لأحلام أخرى كنا غافلين عنها. ولكن إذا أعطاك القدر فرصة الحياة في بلادنا؛ فلن تستطيع أن تحافظ على أحلامك، لا بد لأحلامك من أن تتبدل وتتحول. هذا هو القانون في بلاد الموت، لتكتشف بعد فترة أن أساسيات العيش أصبحت هي الأحلام. ليصبح حُلم شاب في العشرينات في مدينة محاصرة طعام يكفيه هو عائلته، أو أن طفلاً ينام وهو يحلم بفراش دافئ في ليلة باردة في خيمة رقيقة في مخيم على الحدود، أو أن طفلاً يحلم بأن يتعلم بعيداً عن الفقر والخوف في مدرسته التي تهدمت نتيجة القصف. تعليم، طعام، دفء، أو مكان آمن، تلك هي الحقوق التي تحولت إلى أحلام. في بلاد الحرب توصل الجميع إلى اتفاق صامت؛ على أن نتجنب ذكر الأحلام وأن نترك للأيام أن تقضي بما تشاء. ولكن الجميع يريد أن يحتفظ بالأمل، لذلك كان يجب علينا جميعاً أن نبقي شبح الأحلام ماثلاً أمامنا كل حين. ذلك هو الأمل حين يكون أثقل وأشد ألماً من اليأس. انظر من حولك وتفحص وجوه اللاجئين وأمعن النظر في عيونهم، ستجد ألف حلم وألف رواية. ستجد مئات الأهداف والأفكار التي تبحث عن فرصة مناسبة لترى النور.

على الحُلم أن يُرشد الحَالمين كما الوحي!
أنا لست ضد أحلامكم، فبدون أحلام حياتنا تصبح عبارة عن أيام متشابهة، روتينية، خالية من المتعة والمعنى. ولكن تذكـر؛ نحن جميعاً نحيا من أجل هدف واحد، هو أن نكون سعداء ونعيش حياة أفضل. فالأحلام ضرورية لتحفيزنا، وهي أيضاً شيء أساسي يشعرنا أننا لا زلنا أحياء ويشعرنا بإنسانيتنا. وتذكر نحن اليوم نعيش واقعاً صعباً معقداً؛ وهناك فرق كبير بين أن نبني أحلاماً أنانية على واقع لا يشبهنا نحتمي به من الواقع المر، أو أن نبني أحلاماً لا تنسى دماء الذين ماتوا، وبؤس الذين لا زالوا يحلمون رغم الخوف والموت. أحلاماً ممزوجة بمرارة الهجرة وشقاء المحاصرين، أحلامنا هي مشروع المستقبل الذي يجب أن نصنعه من أجلنا ومن أجل أولادنا، من أجل عالم بلا حرب، بلا تشرد ولا عنصرية. ربما يظن الكثير أنني حالم أكثر من الحالمين، لكن صدقوني لقد دفعت ثمناً غالياً للوصول إلى هذه القناعة. فأنا اليوم لا أملك في الدنيا، إلا عَينيكِ وأحلامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.