شعار قسم مدونات

زهير لهنا.. طبيب الإنسانية الذي داوى جراح المكلومين

blogs - الطبيب زهير لهنا

جاء ليمتطي جواد العلم ويشعل شموع الفكر ويملأ الدنيا علوماً ومعارف توشك على صياغة عالم جديد، إنه طبيب النساء والتوليد والناشط الإنساني زهير لهنا، من مواليد سنة 1966 في حي درب السلطان بمدينة الدار البيضاء، حيث حصل هناك على شهادة البكالوريا، ثم على شهادة الطب سنة 1992 من جامعة الحسن الثاني ليلتحق فيما بعد بإحدى كليات الطب بباريس للتخصص في طب النساء والتوليد. شغل هذا الأخير عدة مناصب، منصب رئيس المصحة التابعة لجامعة باريس السابعة، منصب نائب منظمة الدعم الطبي بفرنسا وعضوا في الفرع الفرنسي لمنظمة أطباء بلا حدود. تقف أقزام الكلمات لتحمل ضخامة عمله التطوعي وينكسر خجل الحروف على سمو رسالته رسالة تمسك بخيط التجديد، يقول: اختياري للعمل التطوعي نبع من إيماني بأن الطب مهنة تعتمد على العطاء اللامحدود، تحمل مسؤولية إنقاذ الأرواح التي يمكن التدخل لإنقاذها وكذلك المساهمة في تغيير الواقع الصحي للمرضى كيفما كانت ظروفهم وضمان حقهم في العلاج أينما كانوا وكيفما كانت اختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية.

انخرط الدكتور زهير لهنا في العمل الإنساني منذ عام 1998 وقد سافر إلى عدة بلدان بعضها يشهد حروباً وأخرى محفوفة بالمخاطر، زار الكونغو حيث أجرى عمليات جراحية لترميم ما خلفته الولادات المستعصية من أضرار على الأمهات لكي يعشن حياة طبيعية فضلً عن دول إفريقية أخرى مثل ليبيا، جزر القمر وإثيوبيا وأسيوية مثل الهند وأفغانستان.

أطلق عدة حملات إنسانية من بينها حملة دعم اللاجئين السوريين الذين علقوا على الحدود المغربية الجزائرية ، منظماً بذلك قافلة لإغاثتهم و تابع قضيتهم إلى حين استقبالهم داخل المغرب

إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، من أم لا تنجب سوى الأبطال، من فلسطين نقل للعالم معاناة شعب خلق ليموت شهيداً، خلق للنزال فعيشه جريمة تحت راية الأنذال حيث يقول: في الأيام العادية، أنا جراح نساء وتوليد، حتى أني كنت أعتزم تقديم تدريب للهيئة الطبية الفلسطينية، في شهر غشت القادم، حول تنظير البطن أو الحوض وجراحة الحوض بمستشفى رفح. ولكن هجوم الجيش الصهيوني لم يترك لي فرصة قضاء رمضان هادئ ولا أن أقدم المساعدة المرتبطة بمجال تخصصي وخبرتي لفائدة الأطباء الفلسطينيين.

وبسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، أصبحت بحكم الواقع، مسعفاً متعلماً أحمل الجرحى، وأنظف الجراح، وأنزع بل وأمزّق الملابس من أجل الوصول للجسد الشهيد ومعالجته. في المستشفى الدولي الأوروبي الشفاء، أبحث يومياً عن بقايا قنابل استقرت في أحشاء الأطفال. وأما الأطباء الفلسطينيون، فقد اكتسبوا، على مر الهجومات، خبرة جيدة وتعيسة، في جراحة الحروب حيث قد يخضع المصاب لتدخل عدة جراحين في نفس الوقت بحضور أطباء التخدير، ناهيك عن الممرضين والأدوية والدم الذي يجب إعطاؤه الجراح في أغلبها بليغة ومتعددة. وبمجرد وصول المصاب، نحاول إنقاذه دون عناد. فرغم أن الموت مؤلم، فهو مقبول كقدر -ارتقاء- شعور يصعب شرحه لغير المؤمنين أو تقبلهم له. تمزق الأسر واضح، ولكنها تنتهي بتقبل الموت الذي كان بفعل احتلال وليس بفعل كارثة من كوارث الطبيعة.

ومن سوريا قص علينا قصف قوات النظام لمرافق، أحياء ومستشفيات غير آبهين بحجم الدماء وأنين الأهالي، ليصبح السوري لاجئا يحن في كل مرة إلى بلده الذي تحول إلى رماد وأهله الذين سكنوا التراب يقول: ردهات المستشفيات الميدانية السورية كانت تزدحم بحالات مستعصية تستدعي عمليات جراحية عاجلة ومعقدة في واقع يصطدم بمحدودية الأطقم الطبية وتواضع المعدات، كنت أتجاوز الصدمة من هول ما أرى وانتقل من ردة الفعل إلى الفعل محاولاً استثمار ما أملكه من علم لمساعدة الضحايا. لم يتوقف عمل هذا الأخير عند الإغاثة في بؤر التوتر، وإنما أطلق عدة حملات إنسانية من بينها حملة دعم اللاجئين السوريين الذين علقوا على الحدود المغربية الجزائرية، منظماً بذلك قافلة لإغاثتهم وتابع قضيتهم إلى حين استقبالهم داخل المغرب. وإيماناً منه بمجانية الخدمات الطبية، افتتح مركزه الصحي الاجتماعي تحت اسم إنجاب بحي الألفة بمدينة الدار البيضاء بعد مواجهته لعدة عراقيل من أجل رخصة الافتتاح. مشروع إنساني يهدف إلى تقديم الخدمات الصحية الأساسية للمغاربة المحتاجين وللاجئين السوريين والأفريقيين.

علاوة على ذلك نجح في تدريب أكثر من 180 مولدة في المغرب في القرى النائية، حيث حسَّن مهارتهن وأداءهن المهني ومكنهن من التدخل بشجاعة لإنقاذ النساء والرضع في بلد ما زال يشهد نسباً مرتفعة فيما يخص وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة. يقف اللسان عاجزاً أمام قريحته المتوقدة ورؤيته المميزة لسائر الأمور، حيث دعا الأنظمة العربية إلى تحسين الخدمات الصحية المقدمة في المرافق العمومية مشدداً على أن القيمة التي يستمدها الطبيب من الناس عبر عمله التطوعي أكبر من أي تكريم. أثار عمله الإنساني إعجاب العديد من متتبعيه على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشره ليومياته، حيث يصف عبرها أجواء العمل داخل فريق طبي تمريضي في ظروف عصيبة لم تمنع عنهم الشعور بالسعادة والرضى. وقد تابعت القنوات الفضائية حملاته الإنسانية عن قرب سواء من خلال برامج مباشرة أو غير مباشرة. أما الصحف فقد وصفته بطبيب الفقراء والطبيب الذي لا يخاف الموت.

أضحى الدكتور زهير لهنا حديث طلبة الطب خصوصاً ببلده الأم المغرب، حيث قام بزيارة للعديد من كليات الطب، وهناك عرض إحدى مشاريعه الإنسانية التي تهدف إلى تكوين مسعفين في القرى النائية المغربية. حيث سيشاركه هؤلاء الطلبة حملاته الإنسانية التكوينية في كل مرة يقول: لا بأس في مساعدة الضعفاء في القرى النائية بتزويدهم بالمؤونة والألبسة والأغطية، لكن هذا النوع من المساعدة لا يترك أثراً دائماً، بيد أن مساعدتهم بالمعرفة الطبية للتمكن من إسعاف المرضى قبل نقلهم إلى مستشفيات، تبعد عن مكان سكناهم أحياناً بمئات الكيلومترات، تترك بصمة ويتوارثها الأجيال فيما بينهم. الشيء الذي يستحيل مع الزاد المادي الذي سينقضي عاجلاً أم آجلاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.