شعار قسم مدونات

الانفصال بعد العشق.. نفقٌ مظلم ضئيل النور!

blogs الحزن

صديقٌ لي تفاجأت به مهموماً وكثير الشرود على غير عادته. بعد إلحاحٍ بسيط تحدث لي بما كَتمه خلال الفترة الأخيرة. صديقي هذا كَان قد أنهى علاقةً عاطفية منذ أكثر من 4 سنوات، علاقةً دامت لسنتين فقط. افترق هو وإياها في اتجاهين مختلفين، تَغيرَ هو وتغيرتْ هي لكن بقي قَلبُه. صارحته بأن الأمر الذي هو فيه غير منطقي! فكيف له أن يتذكرها وقد مَرَ على فراقهما أكثر مما قضاه معها، كانت إجابته غير متوقعة بالنسبة لي فقد قال بأنه لم ينسها يوماً كي يستحضرها الآن.

كلماته أصابتني بالألم ولكن في نفس الوقت لم أكن قد تخيلت حقيقة الموقف بعد، فلم أستوعب كيف يمكن للإنسان أن يبقى محصوراً في ذكرى شخصٍ معين هذه الفترة من الزمن ولفترةٍ أطول مما عرفه فيها، ألهذا الحد يصل تأثير القلوب؟! فالحياة لا تتوقف عن المسير في موكبٍ متسارع، لكن يبدو بأن الزمن عند البشر يسمرُ مكانه على بعض القلوب. شردت قليلاً لأقف عند كثيرٍ ممن تلوعوا بنار الشوق، فهذا قيس بن الملوح (مجنون ليلى) قضى يُنشِدُ في حبيبته أكثر من نصف عمره، لم ينسى ذاك الحب والقرب مهما فعلوا وحاولوا معه، ولَعل ما حدث مع والده هو الأكثر استغراباً حين أخذه للكعبة راجياً من الله أن يشفيه فتعلق بأستارها قائلاً: اللهم زدني لليلي حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا.. أما عصرنا الحالي فيحمل آهات غسان كنفاني الذي لم يوقفه الإهمال عن كتابة الرسالة تلو الرسالة. برر لنفسه وبرر لها أملاً منه في لقاء جديد يعيد دفء الماضي.

التعلق طريق نحو نفق مظلم
إذا كانت العلاقة قد امتدت لفترة من الزمن، فالمرافقة بلا شك تجعلك متعلقاً بالشخص الآخر بانياً أحلامك، دنياك ومستقبلك على وجوده، فالحياة لم تعد لك وحدك

إن الحب الصادق، سيقود صاحبه نحو نفقٍ مظلم من كل جوانبه، في نهايته شعلة ضياء ترشده نحو الطريق إن انتهى هذا الحب فمآل الشخص ضياعٌ وتيه. إن مجرد التفكير بأمرٍ ما لبضع ساعات قد يصيبنا بالجنون فكيف إن استمر على هذا لأيام أو سنين. من يقع في الحب ثم الانفصال قد يعلق في دوامة من التفكير وحزنٍ على ما مضى، فتتراءى له الأسئلة الوجودية من دون إجابة، أسئلةٌ كمثل لمن سأعيش؟ من سيسمعني بعد اليوم؟ من سيرافقني؟ من يشاركني همي؟ ومن يهون علي مُرَ الحياة.

 

ردة الفعل هذه طبيعية خصوصاً إذا كانت العلاقة قد امتدت لفترة من الزمن، فالمرافقة بلا شك تجعلك متعلقاً بالشخص الآخر بانياً أحلامك، دنياك ومستقبلك على وجوده، فالحياة لم تعد لك وحدك. هذا لوحده كفيلٌ أن يسبب حزناً شديداً للشخص، هذا الحزن قاتل فهو يأخذ بصاحبه بعيداً عن واقع معيشي مستمر فيمسي عاجزاً عن المضي قدماً، إذ تبدو له الحياة إعصاراً يلقي به في كل جانب. الحب في اللغة العربية عشر مراتب، أعلاها هو الهُيام أي الجُنونُ الخَالِص. لعل ذلك ما يصل إليه بعض المحبين، أو لربما أكثر فتشبيه حالتهم يصل دَرجة الإدمان، فكما المدمن لا يستطيع العيش بعيداً عن عقاقيره، يجد الهائمون (المحبون) في ذكر من عشقوا مخدراً لأعصافِ قَلوبهم.

ويزداد الأمر قساوةً عندما يكون للمرة الأولى، فمع كل تجربة جديدة يمر بها الإنسان تجده قد دخل في حيرة عن كيفية التصرف الأنسب، أيترك ويمضي أم يبقى ويتمسك علها تعود، عله يذكي الماضي بشعلةٍ جديدة، فيحاول أن يواسي نفسه أحياناً ويقرأ ما كتب غسان كنفاني: "تدخل المرأة في حياة الرجل مرةً واحدة وكل ما عدا ذلك هو مجرد محاولات للتعويض". فينتهي به الأمر أن يتظاهر بأن علاقته لم تنته وأن هذا الانفصال مؤقت فيكمل طريقه وكأن الشخص الآخر معه. فعلى ما يبدو الحياة بطيف من أحبوا حتى وإن كان لفترة طويلة على أمل اللقاء يوماً ما أهون عليهم من أن يستيقظوا.

إن كان من أحببت قد أضاء شعلةً في القلب فقد عصف بها بمجرد رحيله، افتح المجال أمام الآخرين لكي يضيئها مرةً أخرى والنور درجات، فدع مجالاً لمن سينيرها حتى الفراق الأخير
إن كان من أحببت قد أضاء شعلةً في القلب فقد عصف بها بمجرد رحيله، افتح المجال أمام الآخرين لكي يضيئها مرةً أخرى والنور درجات، فدع مجالاً لمن سينيرها حتى الفراق الأخير

هل الحب الأول هو المناسب؟

للبدايات طعمٌ مختلف، وحقيقة الأمر بأن سعي الإنسان أحياناً يكون حولها، أول مرةً نبض فيها قلبه ونظر بعينٍ مرهفة في الجانب الآخر، يحاول الكثيرون التمسك بمثل هذه اللحظات والبحث عن أي وسيلة لإبقائها حية برغمِ التهديدات. الطرف الأضعف في أي علاقة سواء كانت الأولى أو غيرها هو من كان قلبه لا يتحمل الانفصال فتجده تارةً يتنازل ومرات عديدة يرضى بما عارض مبادئه وحياته السابقة قبل أن يلتقي هذا الشريك الجديد ظناً منه بأن هذه هي الوسيلة الأفضل كي يحافظ عليه فالانفصال نارٌ كاوية لا يجيد الكثيرون التعامل معها. هذا التعلق سيؤدي إلى كراهية النفس وحتمية الانفصال فالعلاقات المبنية على أساس التنازل لن تعرف الاستقرار، الشراكة هي المفصل فهما روحٌ واحدة اجتمعت بجَسدين، الشراكة القائمة على دعم الآخر. إن فهم كلا الشخصين هذه العلاقة، انتهينا بتواؤمٍ آخر ملؤه المودة وصعودٌ يعانق عنان السماء.

في الحياة لا شيء مثالي، فالكل مُهدَد حتى البدايات، إن كان لا بد من إنهاء الأمر فعلينا أن لا نتمسك به، علينا أن تركه. فالتنازل لن يرضي أياً من الطرفين. أن تصبح شخصاً آخر مجرداً من مزاياك، مجرداً من صفاتك من أجل من تحب لن ينجح الأمر، فعندما تصل العلاقة إلى طريق مسدود، إبدا بالنسيان ودَعها تَعبر.. دعها تَموت.

هل من سبيل إلى النسيان؟

حقيقةً أشفق على بعض القلوب البائسة والتي لا تعلم معنى النسيان، هؤلاء من فقدوا نور الطريق، فبقوا عالقين في هذا النفق المظلم وظنوا الأمر قد انتهى، لكن درب العودة إلى المسار سهلٌ جداً، وانهاءه الآن عودةً نحو البداية أهون من أن تبقى تسير في دربٍ لا نهاية له. إن كنت أحدهم، لا تدع ذكريات وأقوال من مضوا تشكل عوالمك، وعُد بنفسك وراءً. تذكر من كنت قبل أن تلتقيهم، أحلامك وطموحاتك غير محدودة فكيف تربطها بشخص قد تخلى ومضى. إن كان من أحببت قد أضاء شعلةً في القلب فقد عصف بها بمجرد رحيله، افتح المجال أمام الآخرين لكي يضيئها مرةً أخرى والنور درجات، فدع مجالاً لمن سينيرها حتى الفراق الأخير. قلوب البشر غير متشابهة لكنها هكذا خُلقتْ، كما وجدت الجمال في قلب إنسان ستجده مرةً أخرى في قلبٍ خُلِقَ من أجلك، كن على يقين بأن سَكيْنَ رُوحك لم تصل اليه بعد فمن مضى، ارتد وهان. هناك من هو أجمل وهناك من هو أطيب فالمستقبل واعد، لا تنسى رُوحَك، ولا تدعها تَمُتْ، قُمْ هناك مَنْ يَنتظرُك، فشُعلَةُ البداية مِعطَاءَة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.