شعار قسم مدونات

دعوها لخالِقها إن خلعت الحجاب!

blogs خلع الحجاب

جاءتني تمشي وكأنها حرّرت نفسها، ووجدت الصواب، تفاجأتُ للوهلةِ الأولى ونظرتُ مليّاً في وجهها إن كانت هي حقاً، أو شخصٌ يُشبهُها، كانت قد خلعت الحجاب، حاولتُ أن أتظاهر بأنني لم أرى الفارق، ولكنني بقرارة نفسي، كُنتُ أتمنى أن ألجَ إلى روحها، لأعلم ما الذي دفعها لذلك، ثمّ شاءت الأقدار أن أعرف المزيد عنها، عن روحها، شيءٌ واحد حدّثتني به نفسي شيءٌ واحد مفاده وهنا أتحدّثُ فقط عن التي كانت مُلتزمة بالحجاب وخلعته خلعته بعد صدمةٍ أكبر منها، قبل أن تثوروا، تبصّروا.

لا تُحاسبوها إن خَلَعت الحجاب، هي لم تلبسهُ لكُم، ولم تخلعهُ لأجلكم، خلعتهُ لتخلعَ ألَمها في هذا العالم المُجحِف، لا تُحاسبِوها، فما وجدتُ في القصاص أو العقاب الدنيوي، حديثاً واحداً يُخبركم أن ترجموها بألسنتكُم أو تتقاذفها ألسِنتُكُم، ومهما غرّدت صدوركم، أو احتدمت أنوفكم في ما لا يعنيكُم، جُرحُها أكبر من صوتِكم، من قولِكم، لن تَغترّ بمؤيدٍ أو مُعارض، لا يعنيها شيءٌ البتّه، يعنيها الله، ولكنها تشعرُ بالخذلان حتى من نفسها، اتركوها فلقد اعتلَّ قلبُها، اعتلالاً لا يفهمه الأطباء، ولا تكشفه الأجهزة المُتناثرة في أروقةِ المُستشفيات.

 

لا تُحاسِبوها إن خلَعت الحِجاب أو النّقاب أو غيّرت لباسها، هي قدرتُها الوحيدة على التمرّد على امتلاكِ جسدها، على ارتواءِ روحها

صار قلبُها عليلاً، حتى قلبُها خذَلها، فقط دعوها لخالِقها، فهناكَ رجلٌ أقنعها يوماً برجولته، قد يكونُ أبـاً أو أخاً أو صديقاً أو حبيباً أو هذا كله، كان صرحاً فهوى، فخارت كُلُّ معتقداتها معه، فخلعت حجابها، أنا لا أُبرّرُ فعلها، أنا أقصُّ عليكم، قصة قلبها العليل، تُحاولُ التمرّد على جُرحها، فاتركوها تفعل، هي ما خلعته لتذكروها بأنّها ابنةُ رجُلٍ صالح، وما تركتهُ لتردّدوا عليها بأنها أخت هارون، هي خلعتهُ لأنّ لا أحد انتصرَ لقلبها، لأن الذي صفّق لها يوم فعلت، أو مدّ لها يدَ العون عرفت في قرارةِ نفسها بطريقةٍ أو بأُخرى أنّهُ كان سبباً في اعتلالِ قلب غيرها، تزعزعَ إيمانُها فإمّا أن تقنعوها بأنّه موجودٌ في صدوركم، أو اتركوها تُشفى من النزاعات التي يضيقُ بها صدرها.

 

هي لم تعد تشعر بأنها أخت هارون، ولم تعد تعلم بأنها ليست ابنةَ سوء، هي تحاول أن تُصمِت الضجيجَ الذي في داخلها، والنّدم الذي يكسِرُ ظهرها، وتبحثُ عن الذي محى ذكرها، وتستجدي اليُسرَ الذي قيل لها أنه مقرونٌ مع العسر في آيتين، دعوها، إن كُنتم حملتُم ثقل الدّين على كاهِلكم، ما هكذا توردُ الإبل، ونُصرةُ الله ليست في حجابها، نصرةُ الله في حِلم نفوسكم، وصفاء قلوبكم، في رفع الظلم الذي لا تستطيعُ البوحَ بحقيقته لكم، في رفع العسرِ الذي ألمّ بها.

 

هي تنظرُ البعيد علّ أياً كان يمدُّ يدَ العون لها، وإن كان الشيطانُ ذاته، فخياراتها كانت خاطئة، وقراراتُها كانت مُؤلمة، فلم تعُد تمتلكُ الثّقة، لترتَجي الحياة، لا تُحاسِبوها إن خلَعت الحِجاب أو النّقاب أو غيّرت لباسها، هي قدرتُها الوحيدة على التمرّد على امتلاكِ جسدها، على ارتواءِ روحها، تريد أن تُقنع قلبَها العَليل، بأنّها قادرة على فعل أي شيء، ضدّ هذا الكون، ثم تشعر بالراحة، وتقول أنها وجدت الله أكثر، أتعلمون لما، لأنها وجدت الله حقاً وحده يعلمُ ألمها، جفافَ روحها، ضيق قلبها، اعتلال جسدها، فيرحم، ويربتُ على كتفها، لأنّه ليس مثلكم، هو لا ينظرُ لحجابها، هو ينظرُ لقلبِها العليل، يبعثُ لها أنه ليس مع الذين خذلوا قلبها، دعوها لخالقها، هو كفيلٌ بها، رحيمٌ بها، هي تحتاجُه وهو نصيرُها، هي حاولت طيلةَ حياتها، أن تلتزمَ بالصحيح الذي علّمتموها إيّاه، لكنها خُذلت، لم تحصُد ما زرعت.

 

أودّ في خضم كُل ما تحدثون به أنفسكم، أن أهمس لها بشيءٍ واحد، أن لا أحد يستحق، لا أحد يستحق سوى الله وثم روحها
أودّ في خضم كُل ما تحدثون به أنفسكم، أن أهمس لها بشيءٍ واحد، أن لا أحد يستحق، لا أحد يستحق سوى الله وثم روحها
 

صارت تمتلكُ شيئا واحدا، وكان عليلاً وحيداً، يبكي آناء الليل وأطراف النهار، لا هوَ لها ولا هُو لغيرها، الحزنُ إن تمكّن منّا، غيّرنا جعل منّا أُناساً لا نعرفهم، فلسنا بحاجة لأن تُثقلونا بآرائكم عنا، حزنُنا يكفينا، شعورنا بالألم أكبر من قدرتنا على سماعكم أو الاستماع إليكم، نحن ننتظرُ حُكم الله فينا، لا حُكمكم، نفضنا أيدينا حتى من أحلامنا، إن كنتم تحاسبوها لغيرتكم على دينكم، فالدين معاملة، ولا يضرُّكُم مَن ضلّ إذا اهتديتُم.

 

ويصعقُني أن أكثر الناس تجرُّؤاً عليها هم أناسٌ لا يصلون، ولا يزكُّون، ولكنّي أودّ في خضم كُل ما تحدثون به أنفسكم، أن أهمس لها بشيءٍ واحد، أن لا أحد يستحق، لا أحد يستحق سوى الله وثم روحها، فإن كانت علاقتها بالله وبروحها بخير، فستعلم كيف السبيلُ إلى الصواب، دعوها تخرُج من مخاض روحها الذي تعسّر، وادعاؤكم بأنكم انتفضتم لله، فآمنوا بالله واتركوها له، وإن كنتم انتفضتم بسبب الانفصام الاجتماعي الذي نعيشه، فانشغلوا لإصلاح ارواحكم، ودينكم، واتركوها لخالقها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.