شعار قسم مدونات

الحياة الطبيعية اليوم أمر عظيم!

blogs السعادة المفقودة

في كل يوم شروق الشمس باد، وفيه ضجة النهار وكذب الحياة وزحام الوصول لبر الأمان. في كل يوم ينسال القلم على أكتافنا لينهل من أيامنا يمضغها فيحدد مسلكها. في كل يوم نحن على تماس دائم مع مرضى الروح يشيعون الرذائل في مجتمعاتنا فيشيعونها لمثواها الأخير. كل يوم يكسر القضاء بثقل الفساد، فالفساد محكوم شنقا لكن خشبة العدل لا تضاهي ثقله فيقع على الأرض ويكسر خشبة العدل اﻷرضي.
 
مع كل ذلك منا من يظن أن الحياة سهلة، منا من يستأمن الحياة على حياته، منا من يخال له أنه أدرك فرصة الاستراحة من هذه الحياة، ومنا من يظن أن سكون هذه الحياة إنصات لمراده.. ومنا ومنا ومنا. من يظن أن الحياة سهلة فهو لم يجثو خلال ديارها، وظن أن خياره خيارها، وارتسمت بسمته ببابها، وعلق الآمال على كرمها. من ظن أن الحياة سهلة فليسترق النظر ممن لوى الدهر ظهورهم، وكوى الجوع بطونهم، وكسر الزمان كبرياءهم.
   
يصح توصيف تميم للحياة في قصيدة "أيها الناس" إذ قال:

"يقاتلنا الدهر عن صحة الروح فينا ويدفعنا للفساد
وإن الحياة الطبيعية اليوم أمر عظيم
وإن حياتي لتشعرني أنني مذنب في الصباح
وتشعرني أنني بطل في المساء
وقد مر يومي كمجموعة كلفت باغتيالي فلم ترني
مر وقع خطاهم على شارع لحظة وانحدر
فقد مر يومي وما زلت بعض البشر"

   

بهذا يصف واقع مضَّاء يضعنا فيه الزمان تحت الأمر الواقع لاستدراج حل قد لا يكون بالمثالي بمكان لكنه لعمري يرأف بنا في هذه الحياة. من أعتى الأسباب لما نعيشه اليوم في حياتنا ظَنُنَا أن الخُلق متغيرة حسب الأشخاص المكان والزمان هذا ما نراه جليا في سلوكياتنا فعاملنا كما عُملنا وبهذا تناقلنا الخلق السيئ فأصبح كوباء لم ينجو منه أحد فأصبحت مجتمعاتنا هدامة للخلق، فاعتبرنا الخُلُق في كثير من الأماكن لا لزوم لها.
   

أيتها الحياة كوني المهد ﻷفراحنا وكوني اللحد ﻷتراحنا، أيتها الحياة كوني كما أردناك أن تكوني، كونيي الميناء لنفس أثقلها السفر
أيتها الحياة كوني المهد ﻷفراحنا وكوني اللحد ﻷتراحنا، أيتها الحياة كوني كما أردناك أن تكوني، كونيي الميناء لنفس أثقلها السفر
  

فسلام على خلق غربت قصرا عن بلادها سلام عليها فغربتها عن من سبقونا صعبة. سلام على خلق استدارة لتعود لمنشأها لمن يحفظها لتظل على الأقل ذاكرة أو تراثا أو حتى آثارا نبكي عليها لأننا بطبيعتنا لا نعرف قيمة أي شيء إلا بفقدانه. على رغم كل ما تحشده البشرية من وسائل لثقل خلقنا وإذا بها تخفت فتخفت لحد التلاشي. فنركض وراء الإفك والحق يركض وراءنا، نملك الصحة ونسعى لهلاكها، ننال الخلق فنخسرها. أنستعطي ملك أيماننا ونسرق ما يشيننا؟
    
من يملك الأسطر لا يستطيع ملأها كما يريد، من يملك الأرض ليس بالضرورة بمكان أن يحكمها، من يملك العقل ملك جزأ من الكل، أما من يملك الخلق فقد ملك كل الكل، فالخلق مَلَكَةُ كل مَلَكَة. من يملك الحياة ليس بالضرورة بمكان أن يعيشها كما يريد وبذلك أستذكر عنوان قصيدتي "رثاء في حضرة البقاء" ومن ما ورد فيها قول طفل ذاق مرارة اللجوء إذ قال: "إني فعلا ذلك الحي فقيد الحياة أعيش الواقع فتموت الأمنيات".
   
نحن في هذه الحياة كشجرة على ضفاف نهر مدت جزورها في النهر لتأخذ الماء بأسهل وأسرع وسيلة وكل يوم تكبر وتكتبر وتمد جزورها في قعره حتى ترامت أطرافها وزهت على وجه المياه وباتت لا ترى إلا السماء لكن قعر النهر لم يرق له كل هذا التكابر فأرداها على الأرض.
   
أيتها الحياة كوني المهد ﻷفراحنا وكوني اللحد ﻷتراحنا، أيتها الحياة كوني كما أردناك أن تكوني، كوني الميناء لنفس أثقلها السفر، كوني الندى يرتاح على الوردة الجورية كوني نسيم الصبح العليل، كوني فرع الزيتون الجديد من جزع مقطوع النسل، أيتها الحياة كوني المطر لزرع أكله اليباس، كوني الغروب ليوم كثير التعب، كوني ضوء القمر لبحر يشتهيه، كوني الأرض لمن ضاقت بهم الأرض، كوني زهرة الليمون التي حاربت كل العواصف، كوني رائحة الزهر في الربيع ورائحة التراب بعد المطر، أيتها الحياة كوني قدرنا في هذه الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.