شعار قسم مدونات

المواقع الاجتماعية.. ميدان للتواصل أم للتسلية؟

blogs هاتف

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يعيش مع أهله وأصحابه، ويسند ظهره وصاعده لمجتمعة، ويجد العطف والحنان داخل أسرته ومجتمعه، ويتواصلون فيما بينهم، ولكن عملية التواصل بين الإنسان مختلفة عبر التاريخ، وكذلك الوسائل المستخدمة للتواصل مختلفة وفي كل حقبة زمنية لها وسائلها الخاصة، وفي الماضي يستخدم الإنسان عمليات التواصل البدائي.

ولكن تسارعت في القرن الواحد والعشرين تطورا كبير في المجال التكنولوجي، واكتُشف أجهزة متطورة ومختلفة تساعد الإنسان للتواصل عبر القارات بنقرة واحدة، بسبب الانترنت وأنتشر بحيث ربط العالم كله، وجعله قرية صغيرة يسهل التعارف بين الناس في أنحاء العالم، وأصبح الانترنت أفضل وسيلة اتصال بين الأفراد حيث يتبادلون الآراء والأفكار.

فمواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن مواقع إلكترونية داخل الانترنت تسهل المستخدم بإنشاء مدونات إلكترونية يتفاعل مع الأخرين، ويجري المحادثة، ويرسل الرسائل، كما تتيح مشاركة الصور ومقاطع الفيديو، وتسهل للمستخدمين نشر كتابات حول موضوعات محددة تدخل دائرة اهتمامات المشاركين في المجموعات داخل المواقع الواحد، ويعلق الأخرين وينتقدونها.

ذهب الكثير للتسلية والشعور بالسعادة ليشاركوا أصدقائهم كل جديد في حياتهم اليومية، لذا يبحثون الغرائب في حياتهم اليومية وينشرونها ليحصلوا كثيرا من الإعجاب والتعليق

فاستخدامات المواقع الاجتماعية متنوعة منها من يستخدم ميداناً للتعارف وكسب كثير من الأصدقاء في العالم الافتراضي، ويتبادلون الهموم فيما بينهم، أو مع تكوين علاقات عاطفية في الجنس الأخر، لأن هذا العالم الافتراضي يمكن للشخص أن يخفي حقيقته فيعرض أصدقائه الوجه الإيجابي والشخصية المثالية، بحيث يصبح من وجهة نظرهم الشخص المثالي الذي يجب الاقتداء به، ويتمتع الشخص هذه المثالية المصطنعة ويستأنسها داخل هذا العالم الافتراضي.

في حين يستخدم آخرون المواقع الاجتماعية ميداناً للتسلية وهدر الوقت، ما دام تساعد المواقع في اتصال الأشخاص الآخرين البعيدة عنه بالصوة والصورة، بأرخص مما كان فيه عبر التليفون، وتساعد كذلك أن يعبر الشخص كل ما يجول في خاطره من أفكار والتسلية بها للنشر في المواقع، في ظل شبه انعدام الرقابة مثل هذه المواقع، فيعبر الشخص آرائه كتابة أو رسما أو تعليقا، أو من خلال تسجيل مقطع فيديو، فينشرها ويعلقون الآخرين ما بدالهم من شتم أو إعجاب، بحيث يشعر الأشخاص من قمة التسلية عند حصولهم كثيرا من الإعجاب والتعليق عن منشوراتهم، ولكي يحصلوا مزيدا من الإعجاب والتعليق يلجئون بنشر صور سيلفي. لان أكثر الناس يتفاعلون مع الصور الشخصية بدل المعلومات التي تنشر في المواقع.

 

وذهب آخرون أبعد من ذلك في التسلية والشعور بالسعادة ليشاركوا أصدقائهم كل جديد في حياتهم اليومية، لذا يبحثون الغرائب في حياتهم اليومية وينشرونها ليحصلوا كثيرا من الإعجاب والتعليق، أو ينشرون غرائب الصور أو الفيديوهات، في حين يقوم آخرون على جعل واجة موقعهم على صورة أحد المشاهير لكي يوهموا الناس أن الموقع لهذا الشخص وينشرون القصص ليحصلوا كثيرا من الاعجاب والتعليق.

أكثر المتأثرين على المواقع الاجتماعية أي هذا العالم الافتراضي، هم من المراهقين الذين يبحثون على الثقة بالنفس والإعزاز بالذات والتسلية والأنس
أكثر المتأثرين على المواقع الاجتماعية أي هذا العالم الافتراضي، هم من المراهقين الذين يبحثون على الثقة بالنفس والإعزاز بالذات والتسلية والأنس
 

ولذا تسمع كثيرا من مستخدمي المواقع الاجتماعية يكررون هذه المقولات، حصلت الصورة التي نشرتها منذ قليل أكثر من خمسين إعجاب، وحذفت ذاك المنشور لأنه لم يحصل أي تعليق أو إعجاب، ويشعرون بالأنس ما دام هناك أصدقاء في عالمهم الافتراضي يتفاعلون مع منشوراتهم، أو التسلية والافتخار بنفسهم ما دام منشوراتهم تفاعل بهذا العدد الكثير بدقائق معدودة، لذا كثير من الناس يقضون أوقات كثير في المواقع الاجتماعية لبحث معجبين، ويهدرون أوقاتهم الثمين ليل نهار في التعليق والإعجاب بمنشورات أصدقائهم، ونشر منشورات لهم لكي يعلقوا أصدقائهم، بحيث يشعرون التسلية والأنس داخل أصدقائهم، إذا حصد منشورهم كثيرا من الإعجاب والتعليق، وفي العكس يشعرون الهم والغم إذا لم يحصل منشوراتهم العدد الكافي من الإعجاب والتعليق مقارنة بأصدقائهم.

وأكثر المتأثرين على المواقع الاجتماعية أي هذا العالم الافتراضي، هم من المراهقين الذين يبحثون على الثقة بالنفس والإعزاز بالذات والتسلية والأنس، لذا لا عجب أن نرى رئيس الروسي وهو يبدي مدى حزنه في هدر الشباب كثيرا من أوقاتهم في المواقع الاجتماعية، حيث نصح تلاميذ المدارس الروسية الثانوية، بمناسبة اجتيازهم الامتحان النهائي للتعليم الثانوي، وحثهم في تطوير معارفهم بما يخدم بلدهم، وطلب منهم الحد والتقليل على تركيزهم في الحصول اللايكات في المواقع الاجتماعية.

في حين غائبة مثل هذه النصائح التي تأتي من قمة الهرم في البلدان العربية، وجعلوا همهم الوحيد ألا ينشر في المواقع الاجتماعية، ما ينتقد الملك والحكومة، وما يتحدث سوء معيشة فقراء البلد ورغد عيش الحاكم، لذا يجب العمل على نشر الوعي والحد من سلبيات المواقع الاجتماعية، ونصح الشباب على عدم هدر أوقاتهم الثمين في المواقع للبحث على الإعجاب، والاستخدام الأمثل للمواقع الاجتماعية، وهذا هو التحدي الأكبر أمام الطبقة المثقفة في المجتمعات العربية في الوقت الحاضر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.