شعار قسم مدونات

اركني أوجاعك جانبا.. وابتسمي!

BLOGS امرأة

يقول الفيلسوف الرومانيّ سينيكا عن جوهر الحياة "بينما ننتظر أن نحيا.. تمرّ الحياة".. لذلك أقول لك أنت: اركني أوجاعك جانبا وابتسمي وعيشي الحياة ولا تتركيها تمر. تأكدي أن هذا الوقت مثل كل الأوقات سيمر، كله سيمضي ربما سيعبرك كإعصار أو شاحنة ضخمة لكنه سيمضي، حتما سيلوح لك ذات هزيمة مودعا حتى يتلاشى، لذلك كوني غير مبالية لمثل هكذا أوقات، فبعض من لا مبالات يكون مفيدا للذاكرة لاحقا.

تأكدي أن الأيام كعادتها دائما، ستسلب منك ما لا تتوقعين يوما سلبه. كأن تلتقين الشخص الخطأ في المكان والتوقيت الخطأ ستظنين أنه هو الشخص المختلف الوحيد لتكتشفي متأخرا أنه نسخة من غيره مع بعض التعديلات البسيطة. سيمتلك قلبك، بعضه أو جميعه ليتركك بعد ذلك كومة من التساؤلات التي لن تجدي لها إجابة ما حييت ويسلبك بذلك براءتك. ستتعرفين على صديق، ستظنينه الأفضل ولكنه لن يكون كذلك فيترك فيك شروخا مؤلمة ويسلبك سلامتك.

أو أن تعيشي في مكان لا يشبهك وبيتا لا تشعرين فيه بالدفء، يشقيك برده، وترضين أن تقضي به أمسياتك الشحيحة وتستقبلين فيه صباحاتك الباهتة. أو أن تصادفي أمام بيتك ذاك، جارك الذي لا يلقي عليك تحية الصباح حتى، ولا تعرفين عنه إلا لون سيارته وحتى لو التقيته خارج ذاك المحيط الضيق ووسط الزحام فإنك لن تنتبهي منه ولن تتعرفي عليه حتى، وتنتبهي أنه لا يجمعك بجارك إلا إحدى الصناديق الاسمنتية المتراصفة على طول الطريق، لا تختلف إلا على مستوى ساكنيها وأشكالها وألوانها مختلفة.

ستشقيك الحياة أكثر مما تظنين، ولكن لا تكترثي، ستسعدين بدءا من اللحظة التي ستكتشفين فيها بأن في الشقاء حياة وولادة، واعلمي بأن ما تتدعين أنه شقاء هو فرصة لكي تعرفي نفسك

أو أن يغادرك حبيب ليتقرب منك غريب فتصبحين وحيدة جدا وبائسة أكثر. ستختلط عندك مفاهيم الحياة الرتيبة فتضيعين الاتجاهات ولن تقدري المسافات ما بين الخطأ والصواب وستصبحين في صراع مع ثوابتك، وفي خلاف مع قيمك ومعتقداتك، وعلى غفلة منك تنتبهين فتجدين أن الوجوه تغيرت من حولك وتلوثت أعماقك وساءت النوايا من حولك وامتزج هذا بذاك ففقد كل شيء لونه.

ستخلعين أقنعة ذات ألوان زاهية عن وجوه ممتقعة متربصة بك لا لون بها، تحمل ملامح أخرى غير التي عهدتها به. ستحزمين أمتعتك مرارا وتعدلين عن المغادرة وتتقاسمين الأزمنة والأمكنة مع أشخاص تغير وجوهها كل يوم، فتستهلكك أكثر. ستؤلمك الحياة، سترش على جروحك ملحا لأنها لا تأبه لتورم جروحك وستقوم بالضغط عليها في كل مرة حتى تصرخين ألما.

 

ستعلقين قلبك بشخص تفصل بينكما مسافاتٍ جغرافية وواقع تعيس، ستسوء حالتك! ستبكين كثيراً، وتتألمين أكثر وستستيقظين ذات صباح وقد قررت أن تتعافي منه. فتعوضين إدمانك ذاك بإدمان آخر أتعس. ولن يكون في ذلك نجاتك لأنه لا يفترض بك أن تشعلي النار في قلبك لمجرد زائر لا يليق بأن يقيم به، ما عليك إلا أن تختاري سكان قلبك قبل أن تشرعي لهم أبوابه، وإذا حدث وهدمك زائر أقام فيك وبعثرك، اقصميه وأعيدي بناءه مرة أخرى.

حتى وإن أوجعك حبك فلا تكفي عنه وأعيدي الكرة، لأن الحب هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة المليئة بالزيف ولا تندمي على شعور نبيل استودعته شخصا بالخطأ قولي فقط "أنا تعلمت درساً عظيماً". وإن أرهقك كل هذا واحسست أنك في حاجة لعزلة مع فوضاك، اقفزي وانفضي عنك كل الشوائب واستحضري أجمل الأشياء فيك، لملمي اعتبارك المتناثر وعودي إلى عزلتك الأنيقة وإلى كتبك المكدسة على وسادتك، استرجعي دعوة أودعتها الله في الظلام وانت تخنقين لحافك على صدرك ببطء، استبدلي دعواتك بشتيمة، قولي "تبا لعضلتي الرعناء"، ولا تكوني ممن يراقبون الأوان وهو يفوت ويفلت من بين لحظاتك. ولا تكوني كالشجرة التي زرعت في غير أرضها واجعلي كل تفاصيلك تحرض على الحياة.

لا تضعي نفسك في دائرة وأنت تظنين أن هذا هو شكل الحياة، فالحياة لا شكل لها، وإن حدث وأن تورطت في هذا، فكوني لبقة وخططي جيدا للهرب. لا تكوني مغفلة أكثر، واهربي. سيجبرك كل شيء لاحقا على البقاء! لا تنحني بل ثوري وغادري حتى وإن كان في ذلك خسارتهم، اخسريهم ولا تبالي، الأفضل ألا تخسري نفسك. من يريد البقاء معك، عليه أن يحسن البقاء وأن يمسكك بإحسان وإلا فليدعك تغادرين بمعروف.

وعيشي كما تُريدين أنت، ليس كما يريدون هم. راوغي خططهم وصممي على الحياة بشكلك أنت.. ستتعثر خطواتك قليلا! لكن ستصبحين أفضل وستعلمين بأنه لا يتعلم أبدا من لا يخطئ، وكاذب من يقول أنا لا، ولم، ولن أخطئ، لا وجود لبشر مصنف ضمن الملائكة ونحن لسنا في الجنة ولسنا محفوفين بالملائكة.

لا تكوني طوعا لثأرك ولا ساذجة يتلاعب بك المغرضون، احملي نفسك وغادري فقط، ولا تلوثي فطرتك بالركض خلفهم حتى تثأري لنفسك
لا تكوني طوعا لثأرك ولا ساذجة يتلاعب بك المغرضون، احملي نفسك وغادري فقط، ولا تلوثي فطرتك بالركض خلفهم حتى تثأري لنفسك
 

ستشقيك الحياة أكثر مما تظنين، ولكن لا تكترثي، ستسعدين بدءا من اللحظة التي ستكتشفين فيها بأن في الشقاء حياة وولادة، واعلمي بأن ما تتدعين أنه شقاء هو فرصة لكي تعرفي نفسك وبواطنها وحتى تدركي كل نبض فيك لأي كائن يعزف، واعلمي أن ليس بوسع إنذار عفوي خاطئ أن يهدر حلما من أحلامك واعلمي بأنه لا يجب أن تنتظري مرور العقبات كي تعيشي الحياة. لا تتمسكي بشيء لم يخلق لك ولا تعيشي حياة لا تشبهك لتجدي نفسك في مكان لا تشعرين فيه بالراحة، لا تمسي في مكان لا تضمك نجوم سمائه ولا تصبحي أمام حائط لا يحمل مسماره إطار صورة لك وأنت في كامل حياتك.

وحتى يمر كل شيء كما تريدين وفي أثناء أن تستجمعي نفسك وتلملمي بعثرتك عودي إلى رفيقتك قهوتك، ترشفيها ببطء، حددي مقدار سكرها أو اشربيها مرة لأنها حتما لن تكون بمرارة ما مر بك، كوني امرأة أخرى فحسب، مختلفة، امرأة لا تترك نفسها لانتظار أو لعابث يعبث بها. تعرفي إلى وجهك من جديد، تفرسي أمام المرآة في تفاصيل جسدك المنهك، تحسسي شعرك المثبت فوق رأسك الأخرق، حرريه واتركي الهواء يدخل في ثناياه لينعشه، ركزي في لون عينيك ولمعانها، في الرغبة الجامحة بهما، وتساءلي إن كنت هذه أنت حقا.

تجاوزي انكسارك، كوني بخير دائما، لا تطيلي الصمت كرري كثيرا "أنا بخير". مارسي سلطتك وعنفوانك وشيئا من عفويتك. خللي جروحك وحدك بالملح سيكون الألم أكبر، لكن التعافي سيكون أسرع. كوني ماكرة قليلا واخلعي عنك ثوب الحملان لأنه لا يليق بأمثالك.

لا تدعي أحدهم يمتص طاقتك يستنزف صبرك وينهكك، لا تدعي أحدا يستبيح تفاصيل حياتك. ارم كل هؤلاء في حاوية أنيقة مع حقائبهم وابحثي لهم عن منفى يكون مقبرة لهم. لا تدعي أي شيء يستهلك جزءا كبيرا منك بل اجعلي كل شيء تمردا يبقيك حية. املئي فراغاتك، احضني قرآنك وادفني فيه أحزانك وشكواك، قولي "يا رب" وأودعيه كل شيء، اطلبي ما تشائين وكرري الطلب وألحي في ذلك. امض في حال سبيلك واقتلعي أقدامك العالقة في أرض غير أرضك، مارسي الأحلام، إنو تحقيقها لأن لكل أمرئ ما نوى، رتبي فوضاك، لا تدعي أي شيء يؤذيك.

 

لا تكوني طوعا لثأرك ولا ساذجة يتلاعب بك المغرضون، احملي نفسك وغادري فقط، ولا تلوثي فطرتك بالركض خلفهم حتى تثأري لنفسك، فقد تتيهين وأنت تركضين خلفهم. وابتري بعضا منك لتنقذي بعضك الآخر. اركضي إلى خالقك، إلى من أبوابه مشرعة لك في أي وقت وفي أي مكان وزمان، وتذكري دائما أن أسوأ ما حصل لك فهو من الناس وأروع ما حصل لك هو هدايا من الله. ولا تنتظرين مرور أحد كي تعيشي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.