شعار قسم مدونات

هل تجتمع مشاهدة كأس العالم مع الوطنية والتدين؟!

blogs مباريات كرة القدم

منذ صغري كثيراً ما كنتُ أتساءلُ في قرارةِ نفسي لماذا يُوبخ "المتدينين" و"الوطنيين" كل من يشاهد المباريات ويتابع أخبارها!؟ وهناك من ينعتهم بكثير من الصفات السيئة التي تجردهم من الوطنية والعربية وحتى الدينية لمجرد متابعتهم أو فقط لمجرد حديثهم عن مجريات المباريات وكأن ذلك عيبا يعاب على الإنسان!

وكما نعلم جميعا أنه منذ فترة وجيزة قد بدأت مباريات كأس العالم، وقد شرع الناس بمشاهدة المباريات والحديث عن مجريات الأحداث من باب الترويح عن النفس بصفة عامة، ولكن ما لبث كأس العالم بالبدء حتى بدء بعض الناس بـ"التنظير" و"المزاودة" على من يشاهدون المباريات ويتحدثون عنها، وكأنهم عديمو الدين وعديمو الوطنية! وللأسف هذا الكلام موجود بشدة بالأخص بين أوساط بعض "المتدينين" و"الوطنيين" من الناس، وكأن التدين والوطنية يستحيل أن يجتمعا مع مشاهدة المباريات ومتابعتها، وبصدق لا أدري على ماذا يستندون بذلك.

وسأتحدث عن الأمر من واقع عايشته إلى حدٍ ما، ألا وهو واقع "التدين والوطنية"، فكثيرا ما كنت اسمع الكلام المنمق والتنظيري على من يشاهدون المباريات ويتبعونها وكأن الأمر محرم شرعا ومُعاب وطنيا! بصراحة و"بنظري على الأقل" أنه من إهانة الدين وإهانة الوطنية ومن قلة الفهم الموضوعي أن نضع الناس في مقارنة ومفاصلة بين مشاهدة مباراة قدم والتدين أو الالتزام أو حتى الوطنية، بحيث يشعر من شاهد المباراة بالذنب والفسوق أو حتى النقص وعدم المسؤولية اتجاه وطنه لمجرد مشاهدته، وبالمقابل يشعر من لم يشاهد المباراة بالأفضلية دينيا أو وطنيا فيُعجب بنفسه وكأنه قدم للدين والوطن الكثير الكثير وكل ذلك بسبب مباراة لا تتجاوز الساعتين كل يومين أو ربما كل أسبوع!

لندع الناس وحرية اختياراتهم، فليس الناس ذوي همة واحدة، والإسلام يسع الجميع، وليس لنا إلا النصح والوعظ والتنبيه

ولنتحدث بشكل منطق وعلمي وواقعي، فعليا ما العيب بأن يشاهد الناس المباريات ويتبعونها باستمرار حتى؟! وما المانع الشرعي من مشاهدتها إن كانت لا تتعارض مع الصلاة أو العبادات أو غيرها من الفروض؟! وما مدى الضرر "الوطني" الذي سينتج من مشاهدة المباراة أو متابعة أخبار الكرة!؟ فيا عزيزي رُب مشاهد لمباراة يقوم بعدها طيلة الليل، ورب شخص غير مشاهد للمباريات تارك للصلاة أصلا! وكثيرا ما أعرف أُناس حفظة لكتاب الله ومتقنين يشاهدون المباريات من باب الترويح عن نفوسهم، فهل هذا يجعل منهم عصاه ومذنبين؟!

ورب مشاهد لمباراة قدّم الكثير للوطن وأمضى عمره بالسجون في سبيل الله والوطن، ورب شخص غير مشاهد للمباريات لم يقدم مثقال ذرة للوطن غير الشعارات الرنانة والكلام التنظيري! وكثيرا ما رأيت أُناس يقضون أحكاما عالية في السجون الإسرائيلية بسبب دفاعهم عن أرضهم ويتابعون المباريات في سجنهم فهم يرون بها متنفسا لهم، فهل ما يفعلونه يجردهم من الوطنية والعربية!؟ فبربكم مالكم كيف تحكمون؟!

ولكي أكون منصفا، فهذا لا ينفي أن المبالغة والإفراط والبذل بالمتابعة والتشجيع مرفوض أيضا وخصوصا في ظل ما نمر به من أحداث قتل وتدمير وتشريد، فالتوسط والمراعاة هنا مطلوبان وبشدة! ولكن أن يصل بنا الأمر إلى مجرد النقد ولو البسيط حتى لكل من يشاهد أو يتابع المباريات فبنظري هذا لا يقل عن المبالغة في المتابعة وهو نقد غير بناء وفي غير موضعه، فلندع الناس وحرية اختياراتهم، فليس الناس ذوي همة واحدة، والإسلام يسع الجميع، وليس لنا إلا النصح والوعظ والتنبيه، وليس لنا أن ننصب من أنفسنا حُكاما على أحد باسم الغيرة على الدين أو الوطن، أو نقع في احتقار وازدراء الآخرين لسبب بسيط كهذا، وهو من الكِبر المنهي عنه والمحرم.

فبربكم هلا بلغتم الدين كما هو دون مبالغة أو تشديد لا داعي له، فالفقه جاء للتوسيع والتيسير وليس للتضييق والتشديد، ولسيما أن كل الأمر يدور في المباح ليس إلا. وبربكم هلا رحمتم الوطن من شعاراتكم الرنانة وكلامكم المنمق التنظيري، فمن يريد التقديم فالميدان خير شهيد ودليل، والوطن بحاجة لأفعال لا لأشعار لا تسمن ولا تغني من جوع!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.