شعار قسم مدونات

ثورات الربيع والأمل بإسقاط الثورات المضادة!

blogs الربيع العربي

من المعروفِ أنَّ شدة الضغط تولد الانفجار وهذا قانون ينطبقُ اليوم على ما يحصل من انفجاراتٍ تحصل في المنطقة أو ما يعرف ثورات الربيع العربيّ، وهناك من يطلق عليها الخريف العربي. لقد كانت هذه الثورات عاصفة قويّة بعد سوء عيش وظلم وضغط من قبل الأنظمة الجائرة في المنطقة، الأمر الذي أجبر الشعوب على ركوب موج الثورة للتخلص من السرطان الذي فتك بها على مر العقود الماضية، وقد نالت الثورات رواجًا كبيرًا بين شعوب الدّول بداية من تونس ثم ليبيا ومصر واليمن وسوريّا.

وكعادة كلّ ثورة، يجب على الأنظمة التصدي لها بكلِّ الوسائل المعروفة من قتلٍ وتعذيبٍ وترهيبٍ واعتقالٍ عن طريق أجهزة الأمن والجيش. لكن كلّ تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تجدي نفعًا ضد هذه الموجة الشعبيّة فسقط النظام التونسيّ وتبعه المصريّ، وبعمل عسكريّ سقط القذافي، وبصفقةٍ سعوديّةٍ رحل صالح. أمّا في سوريّا فالأمر مختلف فقد فشلت الثورة في إسقاط النظام لعدة أسباب فبمواجهة الشعب بالحديدِ والنّار بدعمٍ دوليّ يتمثل في إيران وميليشيّاتها وروسيّا وصمت عربيّ مطبق تجاه المجازر الّتي ترتكب بحق الشعب السوريّ. وتحويل تلك الثورة لصراع عسكريّ لإخضاعها وإعادتها لبيت الطاعة المسمى "بسوريا الأسد" ولتبيان للعالم أنَّ هذه الثورة لم تكن إلاّ صراع عسكريّ مسلح يريد الدّمار لا الإعمار.

تاريخ ثورات الربيع لم ينتهِ بعد ومازال للقصة بقية ويقظة الشارع السياسيّ كفيلة بإرجاع حقّ الثورات الحقيقيّة المغتصب من تلك الثورات المضادة الغيّر شرعيّة

لكن بعد هذا كلّه، لم يُرضي ما حصل – من تبديل رؤوس الحكم – بعض الدّول فدعّمت الثورة المضّادة في الدّولِ السابقة لإعادتها لما كانت عليه قبل الثورة، وإرجاعها لزريبة الأنظمة الديكتاتوريّة تمامًا كما حدث بمصر بعد أن قاد وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي انقلابًا عسكرياً ضد رئيس الجمهوريّة محمد مرسي المنتخب شرعيّاً، وأعاد مصر إلى الّتي كانت قبل الثورة وأشد سوء منها فقد عادت من جديدٍ سياسة القمع والتهميش والاعتقالات للساحة المصريّة.

الأمر تكرر أيضًا في اليمن حيث قامت الميليشيات الحوثيّة المدعومة من إيران ومن الرئيس السابق علي صالح بالانقلاب على نظام الحكم المتمثل بالرئيس عبد ربه منصور هادي والاستيلاء على نظام الحكم هناك وإرجاع الامور على ما كانت عليه وكأنّ ثورةً لم تحدث بل زاد الوضع مأساة على اليمنيّين اجتماعياً واقتصاديّاً. في ليبيا كذلك حصل الأمر ّذاته حيث قاد اللواء خليفة حفتر ثورة مضادة ذات طابع عسكريّ ضد الفصائل الّتي أسقطت القذافي، فبعد أن سقط القذافي عاشت ليبيا استقرار أمني وسياسيّ. لكن حفتر تلقى دعمًا عربيّاً للقضاء على هذا الاستقرار وإدخال ليبيا في دوامة الحرب الاهليّة، وبالتالي إجهاض الثورة الليبيّة وإفشالها.

ثورات الربيع العربيّ كانت طوق نجاة للشعوب من جحيم الأنظمة القمعيّة لكن سرعان ما قُطِعَ هذا الطوق نتيجة مواجهتها بثورةٍ مضادة جعلت من مصيرها الفشل وحدت من انتشارها بين الشعوب، فقد كان الهدف الأول لهذه الثورات الشعبيّة إسقاط الأنظمة الاستبداديّة واستبدالها بأنظمة أخرى ترعى أمن وأمان الدولة والشعب دون انتهاك وظلم لكن الثورات المضادة أبت ذلك فقد كان هدفها إفشال ما تصبوا إليه الشعوب وإرسال رسالة واضحة لكلِّ شعب يرد الثورة أنّ مصير ثوراتكم سيكون كمصير تلك الثورات التي فشلت كالثورة المصريّة والتي أدت إلى وصول الصراع العسكريّ المسلح كالّذي في ليبيا وسوريّا.

لم تستطيع تلك الثورات أن تكون كالثورات الحقيقيّة، إنّما كان هدفها ليس ردع الظلم ومحاربة الفساد بل هدفها تشويه وإطفاء شمعة الثورات منذ أن أشعلها الشعب، ولا أظن أنّ الثورة المضادة ستنجح للمدى الطويل لأنها ما زالت تحارب كلّ محاولة بزوغ أمل للقيام بثورة أخرى تقضي عليها وتخاف من ذلك خوفًا شديد. إنّ تاريخ ثورات الربيع لم ينتهِ بعد وما زال للقصة بقية ويقظة الشارع السياسيّ كفيلة بإرجاع حقّ الثورات الحقيقيّة المغتصب من تلك الثورات المضادة الغيّر شرعيّة وكفيلة بإسقاطها لأنّها جاءت بأنظمةٍ فاشلة طاغيّة سيكون مصيرها كسابقتها إن انتفض الشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.