شعار قسم مدونات

إن لم تزرعوا الياسمين.. فلا تملؤوا الطريق شوكاً

blogs أصدقاء غضب

إن حنينك إلى الغيم الذي يروي قصة سماء ماطرة في منتصف صيف حارق، كأن الكرة الأرضية تجمع قوتها لتجعلك تحت وطأة الاختبار الأقسى على الإطلاق، وليكن فؤادك عارماً وعيناك ندية في العتمة، وعندما تخرج الشمس ف لتقف بعينين لامعة وثغر كأنه لم يعاني يوماً مرارة التردد، كحنينك الطويل إلى زفير لا صوت له، ورسائلك الكثيرة التي لم تصل، وأدراجك التي فاضت حدها فلم تعد تغلق على أكوام الأوراق المؤجلة، يجب أن تعلم أن خوفك الصغير ينمو ليصير هاجساً ما، لن تبقى الأوراق ساكنة، وستبقى عاجزاً عن فتح أدراجك مرة أخرى ولو عادت فارغة.

كان هذا الحوار الأبرد على الإطلاق والأصدق تماماً، عارٍ عن محاولة الكذب والالتفاف، لن يطلق النكات ولن يحاول تغيير الحديث ولن يستخدم كلمات دبلوماسية ولن يتحجج بالوقت أو مواعيده المكتوبة على قائمة غاياته المؤجلة، تلك التي حتى لو تمكن من الهرب من هنا، لن تكون هي وجهته أبداً، لا أؤمن بكل المذكرات ولا حتى بقائمة الأمور التي لا ينبغي على الشمس أن تغرب قبل تمامها، أنا فحسب أؤمن بقلبي المتيقظ على أرض أحلامه الصلبة، ما كنت أود يوماً ان يصيبها رعشة فتهتز، لا أيادٍ تلقفها، فكيف إذا أصابها الزلزال، من يعيد ترتيب صبري في مخازنه، ومن يداوي جدراني المتشققة؟

كانت تلك قائمة أصدقائه منذ سنين، إن صح حقاً أن يضفي عليهم هذا الطابع الذي يفترض به أن يكون ملاذاً آمناً، عرفنا من الناس ضحكاتهم، أقدامهم الثابتة فوق أراضٍ كنا نظنها تهتز، لم نجد فيهم الند لأنهم كانوا سنداً، كان هذا صديق عمري الذي ما زال أخضراً في قلبي حتى لو كنت أغير الطريق حتى لا ألتقي بعينيه، عرفنا الرحمة بهم دائماً، وعرفنا كيف نقتلع نخيلاً جذوره في أرض لا نعلم عمقها، حتى لا تتصحر قلوبنا، ثم يغير الصاحب أرضه، عرفنا أن نحبهم أكثر مما أحبوا أنفسهم، ثم نجونا بأنفسنا من أماكن لم تكن تناسبنا وجباه تظن أنها ينبغي أن تكون فريدة عن جليساتها.

 

تأتي المغادرة مطمئنة، يستكين الصدر من بعض ألامه، ويغدو الصوت حراً، لا حشرجة بكاء ولا صمت أسى، لا يتلعثم اللسان ولا تسقط الكلمات من الحنجرة خائفة
تأتي المغادرة مطمئنة، يستكين الصدر من بعض ألامه، ويغدو الصوت حراً، لا حشرجة بكاء ولا صمت أسى، لا يتلعثم اللسان ولا تسقط الكلمات من الحنجرة خائفة
 

كنا نصلح للمواساة والصبر والرضا بأي شيء، ولكننا لا نصلح لنلمع في مكان ما قد يعكس النور قليلاً عن جباههم، كان من الممكن أن يصبح الأمر أسوأ من ذلك، فيمسكون بنا نصارع أنفسنا من أجل عدم التخلي، فننتهي بخسارتنا أنفسنا، عرفنا من الناس وجوههم المتعددة ولم نكن بصدد تغييرهم ولا هدايتهم، ترتكب ألسنتهم حكايات يقعدنا عنها الوقار، ما كنا بصدد آذيتهم، من مر خفيفاً فله منا ريحاً طيبة وسلام، ومن جاء في قلبه منشاراً بلا حول منا ولا قوة ولا تدبير، فله منا بمثل ما جاءنا به، عرفنا اللئام وعرفنا من لم تطل الأيام بيننا لتنجلي سوءاتهم، رغم ذلك أحببناهم ولو كنا نراهم من خلف قضبان الحديد، ولكن الغدر يمحي ما قبله ويمنع ما قد يأتي، بعد سنوات طويلة في قلبه وحزنه، لم يعد يكترث حول القائمة القديمة، غير ساعٍ إلى بناء أي جسور جديدة!

تأتي المغادرة مطمئنة، فلا طريق بسلاسل في أقدام سائره، ولن ينام أحدٌ على سرير يؤرقه، ولن تتشابك الأيادي بأصابع قاسية، يستكين الصدر من بعض ألامه، ويغدو الصوت حراً، لا حشرجة بكاء ولا صمت أسى، لا يتلعثم اللسان ولا تسقط الكلمات من الحنجرة خائفة، ما زلنا قادرين على أن نعطي ما لا نملك ولا نسأل معروفاً يقابل ما صنعت يميننا، ينتقي صانع الفخار أي الطين يلينه وأي الحجارة يلقيها قاسية، فلا يرضى أن يقضي حياته في طين لا رجوة منه ولا ملاذ، يكمل حياته المزدحمة بالحكايات، يدور في حلقات الألفة البشرية، قد تكون القشرة مرضية بما يكفي، بكل الأحوال ستكون أقل وطأة من المعاناة التي تواجهها في بؤرة العمق، يواجه حياته كأفلام صامتة أكثر واقعية من كل الأحاديث التي تركها أصحابها في مهب الريح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.