شعار قسم مدونات

الديناميكا العاطفية.. كيف تؤثر العاطفة على قراراتنا اليومية؟

blogs امرأة

كثيرة هي القرارات في حياتنا اليومية، بل كثيرة جدًا، تتراوح أهميتها من تافهة إلى مصيرية، مشقتها من بسيطة إلى كؤود، تختلف مسبباتها وعليه تختلف قوى التأثير فيها. نعم بالفعل، إنها أشبه بعلم الديناميكا، فهو ذلك العلم المهتم بشئون الأجسام المتحركة والقوى المؤثرة عليها، ففي الديناميكا وضع نيوتن قوانينها باعتبار أن الوزن والشد وغيرهما هم قوى التأثير على الجسم، أما قراراتنا فيؤثر عليها قوى تختلف كثيرًا جدًا عن تلك التي فرضها نيوتن.

هي قوى الصراع الدائم، لوهلة نراه صراع لطيف، نراها مناظرة هادئة، ولكن كلما أمعنّا النظر، وأحدقنا البصر نجدها مواجهة عنيدة عنيفة، تصير أنت أولى ضحاياها، ونواتجها لا تتوقف على الموت، بل ربما تكون تلك هي النتيجة الأيسر، ولكنها تُخلف عذاب وضياع بين ردهات الدنيا. أجل، إنه الصراع الثنائي، صراع العاطفة والعقل، ذلك الصراع المُبهم النواتج ذو الآلية المعقدة. ولكن لمن نحتكم في بهو تلك المحكمة ذات القاضييْن، أنحن بحاجة لقوانين لتنظم ذلك الصراع كما فعل نيوتن؟

 

"الغلو في العاطفة غياب للعقل" هذا أول قانون وضعه لنا الطبيب الموسوعي الفرنسي جوستاف لوبون (French: Gustave Le Bon) ومنه عرفنا متى نحتكم لأحد القاضييْن دون الآخر، وهو من خلال المبالغة وتضخيم العاطفة وجعلها هي ذات السيادة في قاعة المحكمة، ربما في بادئ الأمر نختار حكمها لما فيه من قبول لدينا ولكن ذلك التراضي غير دائم، فما أن تمتلك العاطفة زمام الأمور حتى يظهر تأثير النظرية العكسية لقانون لوبون والتي ساقها لنا مواطنه الرسام الفرنسي هنري ماتيس (French: Henri Matisse) والتي تتمثل في مقولة تُنسب له "أنا حين أرسم طاولة، فأنا لا أرسمها فعلًا ولكن أرسم العواطف التي أثرت عليّ بها".

العاطفة، ربما لا نستطيع أن نتملص منها ومن تدخلها في قراراتنا، ربما تصدق تنبؤاتها تارة، وبالتأكيد تخيب تارة
العاطفة، ربما لا نستطيع أن نتملص منها ومن تدخلها في قراراتنا، ربما تصدق تنبؤاتها تارة، وبالتأكيد تخيب تارة
 

وكما لميكانيكا نيوتن وديناميكاته عدة قوانين فمحكمة العقل والعاطفة لها هي أيضًا قوانينها المتنوعة. فسطّر لنا الفيلسوف الروسي بيتر د. أوسبينسكي (English: P. D. Ouspensky) القانون الثاني من قوانين العاطفة حيث ينص على "إن الذين يعتقدون أنهم يتحكمون في مشاعرهم وعواطفهم السلبية، وأنهم يظهرونها متى يريدون، فهم ببساطة يخدعون أنفسهم" فهو ببساطة يدعو إلى عدم التيقن من سيطرتك على عاطفتك فهي داهية تتسم بوعورة الطرق المؤدية إليها، وهو ما يخشاه الفيلسوف الفرنسي جان ب. سارتر (French: Jean P. Charles) بقوله "علينا أن نتصرف بعيدًا عن العاطفة قبل أن نشعر بشيء".

"أريد أن أعرف أكثر عن الحب، ليس الذي أقيم على رمال متحركة من العاطفة العنيفة، بل على صخرة ثابتة وعاطفة عميقة وملزمة" هكذا وجدت البريطانية فيكتوريا هولت (أو Eleanor Hibbert) لنفسها مكانًا بين واضعي القوانين، فهي تحتكم لعاطفة هادئة تتحكم في الحكم أو بالأحرى الحب، يستمع العقل من تلك العاطفة ويتخذ موقفه من الحكم، ليَخرج لنا الحُكم – من قاعة المحكمة ذات القاضييْن – عن تراضٍ من كل منهما في ظاهر الأمر، ولكن باطنه عبارة عن إجبار لذلك العقل المخطط للقبول بقراراتها.

بالفعل، إنها العاطفة، ربما لا نستطيع أن نتملص منها ومن تدخلها في قراراتنا، ربما تصدق تنبؤاتها تارة، وبالتأكيد تخيب تارة، بل وربما نتعجب كثيرًا من غياب الدور الفعلي للعقل بالرغم من كثرة الدعوات بتنحية العاطفة عن المشهد كما تمثل في أحد أبيات الفيلسوف العباسي أبو العلاء المعري "فشاور العقل واترك غيره هدرًا.. فالعقل خير مشير ضمّه النادي". 

هل يمكننا فعلًا استخدام الإرادة لتحقيق التناغم الصعب المنشود؟ وبالرغم من صعوبة الإجابة الصحيحة مائة بالمائة إلا أنني أُفضل الإجابة بلا، فمن وجه نظري الإرادة سلاح قوي جدًا ويمكنه صنع الكثير، إلا أنه هنا تكمن مشكلته، في صعوبة السيطرة عليه، هو ليس مستحيلًا ولكن بالتفكير في الأمر ربما نجد أنه إذا أدركنا الخيط الفاصل بين العقلانية والعاطفية، لعرفنا كيف نقوض من جماح العاطفة ونحرر العقل الدفين، بل وربما كان العكس. ولكن يظل هناك سؤالًا قائمًا وهو هل التناغم هو الحل للوصول لنتيجة جيدة أم أن التفرد لأحد الطرفين بالقرار هو ما سيخلق الانفراج؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.