شعار قسم مدونات

الدراما.. تسليةٌ أم قوة؟!

blogs تلفاز

ما معني الدراما؟! هي نوع من التعبير الأدبي التي يؤدى تمثيلا في المسرح أو السينما أو التلفزيون أو الإذاعة، وقد أخذت الكلمة من مصطلح في اللغة الإغريقية القديمة بمعني "العمل"، وتأتي أيضاً بمعنى التناقض حيث إنها كلمة مشتقة من عدة أسماء لكُتَّاب وفلاسفة مشهورين، حيث يجتمع في هذا النوع من التمثيل خليط من الضحك والجد والواقع والخوف والحزن. وبتوضيح هى "حكايةٌ لجانبٍ من الحياة الإنسانية يعرضُها ممثِّلون يقلَّدون الأشخاص الأَصليين في لباسهم وأقوالهم وأفعالهم". هذا ما بدأ به الأمر منذ عدّةِ ألفيّات فى أوروبا وحضارات الشرق القديمة، وهذا هو ظنُّ العامّة من الناس!، ولكن أهي حقًّا تسلية؟!.. أقصدُ فى جوهرِها! لا.. لا ليست كما تعتقد!!

فبدايات الدراما والتمثيل كانت لضرب الأمثلة وتوضيح النصائح بصورة مرئية ومسموعة ومشهودة، وليست للتسلية والمشاهدة بقصد الاستمتاع وقضاء الوقت!، وقد كانت أول ما كانت بين طبقات الحكماء والفلاسفة والمُعَلِّمين حتى ظهر بعد هذا المفهوم والجيل الأول أجيالٌ تقوم بها بقصد الاستمتاع، كما هو حال أي فائدةً يستحدثها البشرُ دون وضع حدود وقواعد لها، فظهرت الدراما الواعية أو التوعويّة ثمّ الحماسيّة ثمّ التجريدية ثمّ دراما الفنّ والتمثيل التي لا تهتمّ كثيرًا بالغرض الذى من أجلِه نشأت الدراما ألا وهو النصح والإرشاد والاقتداء كما هو حال القصص التاريخي والروائي، غير أنَّ هنا الأمر مسموع ومشهود فهو أكثرُ تأثيرًا في النفوس والكيان!، ولكن تهتمّ بالشُهرة والاستمتاع والقضاء على الفراغ ثمّ بعض الفائدة!..، وإن كنت لا تعتقد هذا لرأينا أنَّها إن كانت ذات فائدة كما بدأت أول مرّة لتهافت عليها الحكماء والعلماء وأهل النُصح لكتابة السيناريو أو المشاركة فيه لا بعض من ليس لهم سِوى خيالهم!

ترى اقتداء الناس بهؤلاء المُعلنُ عنهم بنجومٍ وهم يُمثّلون في الظاهِر وفى الباطِن هم ناصحون ويأمرون من يُشاهدهم بإتباعهم في أفعالِهم وأقوالِهم

لكن إن كانت الدراما الآن بهذا القدر من التفاهة -إلا ما رَحِمَ اللهُ- فأين قوّتها؟! أُجيبُك وأقول لك هل يفقد البارود قوته التفجيريّة إن نزعتَه من السلاح وعبأتَ به ألعاب الأطفال من أشباه تلك المُفرقعات الصغيرة؟! لا، لا يحدُث هذا، .. لا زال هو نفسه البارود ولكن صار للهو ولا زال ينفجر وإن لم يظهر أثره الآن ولكن على المدى يتجمّع تأثيره ويظهرّ، وكذا الدراما!

لا زالت هي نفسها تلك النصيحة والإرشاد والقوة الكامنة في التأثير على النفس البشرية، إنَّها نصيحة وتوجيه وتربية ومنهجيّة في الأمر بالأشياء، بل تأخُذ بمجامع النفس البشرية وتجعلها تقتدى بما رأتَه كما أراد لها ومنها الحكماءُ الذين أبتدأوها، بل هي أقوى من النصيحة المُباشرة متى ما تطوّرت وأصبحت ذات أسلوب مُؤثّر في الكيان الإنسانيّ!

والآن مرحبًا بك في عصر التكنولوجيا والجرافيكس والمُؤثِّرات التي تخطفُ عقلك وتجعلك كأنك تعيش الدراما والفنّ التمثيلي الذي تُشاهده، هذه القوّة التي مِن خلالِها استطاعت إمبراطوريّات هوليود وبوليود والدراما التركيّة غزوَ البيوت في أوروبا وإفريقيا والشرق حتى صِرت تسمع مقولات وترى أفعال المُمثّلين هؤلاء خُلفاء يعملون في أماكن أولئك الذين كانوا في بداية الأمر منذ ألفيّات حُكماء وعُلماء وفلاسفة، وترى اقتداء الناس بهؤلاء المُعلنُ عنهم بنجومٍ وهم يُمثّلون في الظاهِر وفى الباطِن هم ناصحون ويأمرون من يُشاهدهم بإتباعهم في أفعالِهم وأقوالِهم ولبئستِ النصيحة في أغلب الأعمال الدراميّة سواء كانت موندراما المسرح أو ميلودراما السينمات. 

أتعرف ما مقدار تلك القوّة؟! أُخبرُكَ وأقول لك هل تعلمّ أنَ بعملٍ دراميّ قذرٍ واحدٍ يتمّ العمل عليه بمجهودٍ وأموال وعبقريّة وصناعة شُهرة للمُمثّلينِه تجعل لهم مكانة في نفوس الناس -كما حدث في القرن العشرين وللآن في الواحد والعشرين- يستطيع هدم صفة حميدة وخُلق حسن كالحياء والصدق والأمانة وحفظ اللسان من السوء في أمّةٍ لم تسطيع لألفِ عامٍ جيوشُ الفساد الحربية وجيوشُ الغزو من هزِّها فضلًا عن المساس بها في نفوس الناس!

لا تعجب يا قارئي فالحالُ يُغني عن المقال، فبسلسة الأفلام والمُسلسلات الغربيّة والعربيّة القذِرة في مضمونها الأخلاقي قولًا وعملًا، مُباشرةً أو تلميحًا، فسدت نسبة كبيرة من تعاليم وأخلاق الدين الإسلامي والمسيحيّ أيضًا في نفوس مُعتنِقيهم في مصر والوطن العربيّ والشرق عمومًا، بل وصل الأمرُ أنَّ من خالفَ الدراما وتمسّك بالدين هو الغريب الأطوار والمنبوذ في المجتمع من حولِه، قد لا يرى البعضُ هذا بعد ولكن هذا دليل على أنَّ مجتمعك لا زال يقاوم تأثير الفساد الدراميّ كما كان حال المجتمعات التي أتحدّثُ عنها قبل أن تنقلب الآية فيها، ولكن إن عودّت قليلًا بالزمن ستجد أنَّ مجتمعك أيضًا قد تغيّر عن ماضيه في الأخلاق والقيم كحال غيره ولكن مع اختلاف نسبة التغيّر والظروف التي تحيط بكلّ مجتمع عن غيره واختلافها!

وأوضّحُ لك، فبمسرحياتٍ وقصصٍ دراميّة شوّهَ الرُهبانُ وكذا الكنيسة صورت الإسلام والمُسلمين والعرب في أوروبا حتى كان يظنُّ الفلّاحين أننا المسلمون لسنا في أنظارهم كفرةً وفقط، بل كالجآنّ وقُطّاعُ طُرق ومدعاةٌ للخوف، وبل وكذبوا عليهم في تعاليم ديننا وأخلاقنا، وأطمعوهم في حربنا حتى كانت الحروب والحملات الصليبيّة! وهذا الأمر بدأ بدراما البابا أوربان الثانيّ بابا فرنسا الذي بأسلوب وكلمات وخلفيّة دراميّة أستطاع تحريك الملوك، وبعد ذلك انتشرت المسرحيات والقصص والروايات الدراميّة الكاذبة عن المسلمين فتحرّك الشعبُ الساذجُ خلف ملوكِه ورُهبانِه عن فكرةٍ وعقيدة منشأُها الدراما المكذوبة التي تعرض لها.

وأُخبرُك فأقول لكَ "أنَّ ببعض التدليس -الواضح جدًّا- في أعمال الدراما التاريخيّة يمكنك تغير تاريخ شعوب!!" فكمّ منّا لا يعرف من السيرة إلا فيلم الرسالة وهو على ما فيه يحتوىّ على أخطاء تاريخيّة ونصّيّة وكذلك فيلم فَجر الإسلام وهِجرة الرسول، والدراما التي تحكيّ عن هارون الرشيد، والتي تحكي عن الدولة العثمانيّة والأتراك المسلمين، كلُّها إلا بعض ما خضع لتدقيق علماء ومؤرّخين وباحثي تاريخ عدول وثِقات مثل مُسلسل "عمر" الذي انتجه التلفاز القطري عقب ثورات الربيع العربي ليؤثّر في تفكير الناس الذي عبث به العابثون ويعيده للصواب كما كان في عهد الراشدين ليختاروا راشدين مثلهم في الحكم وينتهجوا صراط وسير الصحابة عن طريق دراما إسلامية صادقة ظاهرة في مسلسل عمر.

لا أخشى على أحدٍ بقدر ما أخشى على الأطفال هؤلاء الذين صارت قدواتهم بعض القتلة والمُدّعين الرومانسيّة وهم أبعد ما يكون عنها، بل يُجاهرون بالمعاصي والأفعال المُشينة أمام المُشاهدين
لا أخشى على أحدٍ بقدر ما أخشى على الأطفال هؤلاء الذين صارت قدواتهم بعض القتلة والمُدّعين الرومانسيّة وهم أبعد ما يكون عنها، بل يُجاهرون بالمعاصي والأفعال المُشينة أمام المُشاهدين
 

أمّا تلك الدراما الفاسدة في سرد تاريخ العثمانيين والعبّاسيين وصلاح الدين وأخطاء فيلم الرسالة التي رغم التدقيق فيه غفل عنها العلماء لكونهم لم ينظروا لما هو أبعد من ذلك بنظرةٍ سياسيّة وبُعد نظر سليم أدّي لتشويّه الكثير من معالم ذلك التاريخ العظيم إمّا بالافتراء عليه وتعظيم أمورٍ هامشيّة يستخدمها المُغرضين كمسلبةً يتحّدّثون بها عن ما أرغم أنوفهم في الأرض من قبل، وينشرون العداوة والبغضاء به بين أهل ذلك التاريخ كالعرب والأتراك، بل وفى الأفلام التي تحكي عن السيرة النبويّة يأتون بصور لاختلاط وللموسيقي والطبل، وكفلم الناصر صلاح الدين المليء بالأخطاء التاريخيّة حتى يأتِ جيل يعتمد عليه كمصدرٍ تاريخيّ!!.. وقد أتى هذا الجيل وظهرت بوادره!

يا قارئي مرحبًا بك في القرن الذي لم تعد حربه الأساسية بالسلاح بل بالصحافة والدراما والكلمات والتمثيل! ولكن لا زال العدوّ يكذب ويُدلِّس فهو يريد أن يهزمك دون قتال لأنَّه يحبُّ الحياة ويخافُ الموت، وأنت من لا تقرأ ولا تفهم وتأخذ الأمور عن عمى بصيرةٍ وبصرٍ، فيسهُل خِداعك! يا قارئي تذكّر في عصرنا الحالي أنَّ الدراما قوةٌ لا تسلية، ومصدر تأثيرٍ عظيم حتى أنَّه الآن من يُتابعون الدراما أكثر -للأسف- ممن يحضرون خطبة الجمعة فالدراما الآن أكثر تأثيرًا لكثرة العددِ وتطوّر الأسلوب، ولا تُعطي أذُنَك وعينيك وعقلك وتفكيرك لكل مادّةٍ تُعرض أمامك، بل انتقِ ما تُشاهده فهو -إن شاء اللَّهُ- سيؤثّر فيك أنتَ شئتَ أم أبيت!

ولا أخشى على أحدٍ بقدر ما أخشى على الأطفال هؤلاء الذين صارت قدواتهم بعض القتلة والمُدّعين الرومانسيّة وهم أبعد ما يكون عنها، بل يُجاهرون بالمعاصي والأفعال المُشينة أمام المُشاهدين. وهنا تحدث الطفرة السرطانية القاتلة في الأمم التي كانت يومًا تقود العالم للتطوّر، فإن سقطت القدوة الحسنة من بين النسل والناس وخآصّةً الشباب تسقط الهمم و القيم وتنهار القمم ومتى حدث ذلك فعلى الأُمّةِ السلام!! وقد قيل "يمكنك برصاصةٍ قتل شخص، ولكن بفكرةٍ خاطئة يمكنك قتل أُمّة"، والدراما كما قُلنا هي نصيحةً يتمّ تمثيلَها وأفكارٌ يتمُّ تسويقَها فأنظُر أىَّ بضاعةٍ تُخزّنُها في عقلكِ وأي حكيمٍ ينصحُك أو تستنصحُه، اللَّه اللَّه في نفسك لا تقتُلها بفكرةٍ خاطئة أو دراما ساقطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.