شعار قسم مدونات

المواطن الأردني بين بوصلة الفساد وصندوق النقد الدولي

مدونات - الأردن مظاهرات الغلاء البرلمان

ربما أصبح الحديث عن صندوق النقد الدولي والأزمة الاقتصادية الخانقة التي أحدثها على الساحة الأردنية وبخاصة بعد التلويح عبر البحار برفضهم جملة وتفصيلاً القرار الذي اتخذه الرزاز رئيس الوزراء الأردني إبان استلامه للحكم برفض قانون الدخل الجديد موضة قديمة أمام أحدث صرعاتها في اكتشاف حالات الفساد التي ساهمت المخابرات الإسرائيلية والأمريكية في رصد إحداثياتها، والأغلب أنها كانت موجودة وظاهرة للعيان كما كانت البتراء المدينة الوردية وإحدى عجائب الدنيا السبعة الجديدة موجودة قبل أن يعلن المكتشف المستشرق السويسري يوهان لودفيغ بركهارت عام 1812 اكتشافها ورغم وجود الكثير من ساكني المدينة الغارقة من الأردنيين.

   
والموضة الأكثر صرعة في عالم الاكتشافات هي سفر المطلوبين خارج الحدود الأردنية دون أن يعرف أحد متى وكيف ويمكن أن يكون ذلك بيوم واحد من إعلان اتهامه بالفساد أمام الرأي العام، والمضحك في الأمر قدرة الحكومة الأردنية إعادتهم للأردن وإخضاعهم للمحاكمة واسترجاع الأموال المنهوبة منهم بواسطة المواثيق الدولية التي وقعها الأردن دولياً على الرغم من عدم نجاح ذلك مع غيرهم من المطلوبين معروفي النشاط ومكان الإقامة دولياً. وبعيداً عن هذا وذاك هل يمكن ترجيح أن تكون عملية اكتشاف الفساد عملية جميع أطرافها من الماسونيين والذين يصفون بعضهم البعض بمنتهى الشفافية.

   

هل يمكن القول أنّ من مخططات النوادي الزجاجية على مستواها العالمي أيضاً تصفية حساباتها مع الفاسدين من جماعاتها من أجل زعزعة الأمن القومي؟

ويبقى السؤال البسيط هل يمكن أن تغطي هذه الأحداث الملهبة للساحة الأردنية على مطالب صندوق النقد الدولي الرافضة للقرارات التي يمكن وصفها بغير المسؤولة من قبلهم؟ وهذا بحد ذاته يتنافى مع تصريحاتهم السابقة بأن سياسة صندوق النقد الدولي لا تفرض توجيهاتها الإصلاحية بقدر ما توصي بها باعتبارها خياراً في عملية الإصلاح الاقتصادية، وهذا بدوره يجعل المواطن والمشرع الاقتصادي الأردني في حالة من اللبس على حدٍّ سواء.

  
وبنظرة بسيطة إلى مجموع المنح التي يتم تقديمها لدول العالم الثالث بأنها تقدم كمعونات للدول ذات الدخل المتوسط وليس إلى الدول الفقيرة، ورغم تسميتها معونات ومنحاً إلا أن مسماها وبمجرد استلامها من الدول المقترضة يتغير إلى كونها قروضاً ويتم تسديدها وفق جدولة مرحلية كل مرحلة تتضمن برنامجاً إصلاحياً لا يهدف بالأساس للنيل من جيب المواطن ولكنه في الوقت نفسه يُشترط في المواطنين القادرين، وعلى العموم فإن كلا الفئتين سواءً الفئة الفقيرة منهم أو الفئة المتوسطة التي تعتبر فئة القادرين هما بنظرة المصلح الاقتصادي الأردني شريحة واحدة، وربما تعتبر الشريحة الفقيرة التي استضافت الطبقة المتوسطة كجزء إضافي لها الفئة الأكثر قدرة على توفير المطلوب وبأشكال مختلفة وأهمها قانون ضريبة الدخل الجديد.

   
ومن الجميل أن تكون المعونات والبرامج الإصلاحية من تصميم الدول المانحة التي تحدد الدول التي تستحق هذه القروض، وهو بالإساس ما يعبر عن اتجاه وسياسات هذه الدول التي تتحكم في البنك الدولي وهي نفسها الدول التي تملك حق الفيتو وهي ذاتها التي كانت بالأمس القريب تسمى بالدول الاستعمارية وهي التي تبدل مسماها فيما بعد إلى الدول الصديقة التي يُطلب منها التدخل بكافة الصور لحل الأزمات. الغريب في الأمر أن الأنظمة والشعوب تشترك في هذا المطلب تحت شعار حماية الإنسانية، من الأمور التي تستحق الوقوف عندها في كون السياسات المالية الإصلاحية التي تتبعها في الشأن الإصلاحي لا تهدف بالضرورة لدعم الدول المقترضة أو النهوض بها بقدر ما تكون أداة لخدمة أهداف ومصالح الدول المانحة التي اختلف مسماها بقدر ما تهدف إلى خلق بيئة متضادة وأزمات اقتصادية واجتماعية، وهذا الأمر لا يعتبر طرفة أو شذوذاً في سياساتها وهذا ما يحكيه الواقع.

 

ورغم أن الهدف العام هو مكافحة الفقر في العالم الثالث ومراقبة الاستراتيجيات الاقتصادية لكل دولة من خلال تقديم القروض والمساعدات والسعي لمكافحة الفساد إلا أنّ عملية المنح تركز على دعم شركات الدول المانحة في الدول المقترضة بل وتمنح كثيراً من العائلات ذات الشأن الاقتصادي فيها والتي لها شأن في العملية السياسية، ويمكن أن تسمى العائلات الديكتاتورية في بعض الدول، جوزيف ستجليتز صرح بتغريدة بأنّ هذه السياسات أدت في العديد من الحالات إلى المجاعة والهياج الشعبي. والسؤال كيف تنعكس قروض صندوق النقد الدولي على الفقراء؟

      undefined

 

يمكن حصر الإجابة بغلاء المعيشة وإلغاء دعم الطاقة ورفع الضرائب وتحرر سعر عملاتها، حيث يشترط صندوق النقد تقليل معدلات الدعم بشكل عام وتخفيض دعم أسعار السلع الأساسية وخفض الدعم للكهرباء والبنزين والمشتقات البترولية، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل وهذا يؤدي إلى مزيد من التهميش الاجتماعي للفقراء الجدد وهم أغلبية الشعب الأردني وقس على ذلك من زيادة لنسبة الجريمة وما يصاحبها من أمراض اجتماعية أخرى.

  
فيما بين عامي 1859 و1871 عمل الجنرال بايك الأمريكي بوضع مخطط عسكري لحروب عالمية وثلاث ثورات كبرى حيث ستؤدي في القرن العشرين إلى نهاية المؤامرة والرحلة النهائية حيث سيجد مواطنو الأمم أنفسهم أمام الدفاع عن بقائهم لتتحطم الحضارات وسيتم ذلك من خلال تنظيم الجماعات المسلحة لزيادة الاضطرابات، ويعتبر النورانيون أن الأساس هو القضاء على كافة أشكال الحكم الدستورية بصورتيها الملكية والجمهورية، مع التركيز على الوصول إلى الخطيئة إلى الدرك الأسفل حيث أنّ الأرواح تنجو إذا تسامحت وهذا لا يتحقق إلا بالخطيئة، مع التركيز على العمليات التي يقودها القادة الثوريون والجماعات المحرضة خلف الستار الوطني والتي في حقيقة أمرها تأمر ظلالها ليثيروا بجهودهم التحريضية لزيادة المواجهة بين الشعب والشرطة لأن التسامح ليس من قيمهم الفورية بقدر ما تحققه الفوضى التي تبدأ أول خطواتها بإطلاق النيران على المتظاهرين ثم يُطلق سراح المسجونين ويُقتل من الشرطة الكثير وتزداد الشراهة للدماء.

   
هل يمكن القول أنّ من مخططات النوادي الزجاجية على مستواها العالمي أيضاً تصفية حساباتها مع الفاسدين من جماعاتها من أجل زعزعة الأمن القومي أم أنه استمرارية لمساعيها المتوازية مع مزيد من تدخلات صندوق النقد الدولي أم أنها بمجموعها سياسة عالمية؟ ويبقى السؤال الذي تدور رحاه في أذهان الأردنيين ألا يمكن سداد هذه الديون المتراكمة على الأردن من أموال الفاسدين المعروفون والذين يغيبون فجأة عندما يعرف البسطاء أسماؤهم؟ ربما يبقى السؤال عالقاً كغيره من الأسئلة في صندوق النقد الدولي للحكايات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.