شعار قسم مدونات

هل أصبح القطاع الصحي بالمغرب قطاعا استثماريا؟

مدونات - دكتور ومريض طب مستشفى مريض

الواضح أن قطاع الصحة العمومية في المغرب يكاد يدخل مرحلة انهيار تام، لكن أحد أهم الإشكالات التي تدلي بظلالها على واقع الصحة في البلد، أزمة التواصل بين الإطار الصحي والمواطن المغربي، وبينهما الصحافة، والمتطفلون حولها، التي غالبا ما تصطاد في الماء العكر. أصحبت الحاجة ماسة أن يدرك معشر الأطباء وكل أصناف الممرضين ومهني الصحة عموما، أن أساليب التواصل المرنة مع المواطن تعد ضرورية في ظل الظروف الحالية، التي جعلتهم في خط المواجهة المباشر. أصبح لزاما أن يتعلم الجميع ان إشراك المواطن في الفعل الصحي، واعتماد أسلوب تواصل فعال، يأخذ بعين الاعتبار اطلاع المريض على حالته وعلى الإمكانيات العلاجية والمضاعفات المحتملة وغيرها من المسائل التي تدخل في إطار العلاقة بين طالب العلاج والمستفيد منه.

إن النسق القديم الذي ما زال سائدا لدى بعض الأطر، لم يعد صالحا وتقادم عليه الزمن، في ظل الانتظارات على المقياس الأوروبي، وواقع المنظومة والوسائل المتوفرة على النسق الإفريقي. تكبر التطلعات والانتظارات، وسرعان ما تخفت وتتحول الى غضب وصدامات، الضحية فيها المواطن والمهني على حد سواء، أمام تنصل المسؤول وتهربه وتحريضه للمواطن لمواجهته المهني من أجل حقه في الصحة. إن كل من يعتلي برجا وجب عليه أن ينزل متأنيا، قبل أن ينهار به، ويسقط بعد أن تتآكل أساسته الهشة. رغم كل الإكراهات من الطلب المتزايد، وقلة الموارد البشرية والمادية وضعف الخدمات.. وجب الإبقاء على خط دفاع أخير، التواصل الفعال.
 

وضعية المغرب أن التسيير في القطاع العام فاشل، وأن مشاريع التغطية الصحية لم تشمل جل المواطنين، وأن الفقر مدقع والدخل منخفض

إن كثيرا من الإشكالات الحالية في العلاقة المتوترة بين المهني الصحي، والطبيب خاصة على رأس هذا الهرم، من قبيل العنف تجاه الأطر، والمتابعات القانونية في ما بات يلقب بالمتابعات في إطار الخطأ الطبي، واللقب الشهير “الجزارة”، الذي يكشف اندحار العلاقة وفقدان الثقة.. وغيرها، لها أصل مشترك غالبا ما تبتدأ في بتواصل فاشل بين المهني والمريض أو ذويه. كثير من حالات العنف تتولد نتيجة قلة تواصل وعدم إشراك المريض وذويه في الاطلاع على سيرورة الخدمة الصحية.

 

وكثير من القضايا التي تسوق على أنها "أخطاء طبية" جلها كما فصلت في ذلك السلطة القضائية تدخل في إطار المضاعفات المحتملة، إلا أن الصحافة تصطاد في الماء العكر. وهذا لا يعني أنها ليست نتاج استراتيجية تواصل فاشل بين المعالج والمريض في اطلاعه وادراكه لما يمكن أن يحصل مسبقا. فالمبدأ أن المريض وذويه ينتظرون الشفاء والعلاج، في حين إن المسؤولية الطبية تفرض الكفاءة واستعمال الوسائل الممكنة من أجل العلاج، لا الشفاء. وهنا حين تقع الواقعة خاصة إذا كان التعامل فظا، وأطر الجانب المادي العلاقة بينهما، ينشب الخلاف وتصل الأمور الى ما لا تحمد عقباه. أما إن الأمر يتعلق بخطأ أقره القانون لعدم الكفاءة أو مخالفة قاعدة من القواعد المتعارف عليها، فاللوم والمسؤولية كلها على صاحب الخطأ.

بين الحق في الصحة، وخرابها يضيع الكثير، وتفتقد الثقة، فكلنا كمواطنين لنا طبع مغربي خاص، أننا نطلب الخدمة الأحسن والأفضل بأقل ثمن ممكن، في حين أن واقع الصحة اليوم في البلد، أمام انهيار القطاع العام، استثماري محض كجل القطاعات كما هو الحال في كل دول العالم، وذلك مما فرضه واقع الرأسمالية. قطاع الصحة مدر للمال في استثماراته الكبرى، وتتحكم فيه شركات الأدوية والتجهيزات البيوطبية الكبرى المكلفة والباهظة، وذلك ما يلقي بظلاله على التعريفة العامة للخدمات الصحية. وضعية المغرب أن التسيير في القطاع العام فاشل، وأن مشاريع التغطية الصحية لم تشمل جل المواطنين، وأن الفقر مدقع والدخل منخفض، والخناق يشتد علينا جميعا يوما بعد أخر، وجل ذلك يخلق طابع عاما متوترا، وفقدان ثقة شامل في القطاع العمومي وفي الأطر، والنتيجة معاناة يومية، ومؤشرات متأخرة، ومراتب عالمية متدنية.

لا يمكن بتاتا أن تعطي نموذج نظام صحي على النمط الأوروبي بوسائل وواقع إفريقي لدولة من دول العالم الثالث، وكل من ينتظر العكس فهو في حلم من أحلام ديزني لاند.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.