شعار قسم مدونات

تجربتي مع الطلاق الناجح

blogs - طلاق

في جعبتي الكثير! قد أشارككم مستقبلاً ما يحدث في غرفتي العلاجيّة بصفتي أختصاصية نطق، لغة وتواصل متخصصة في علاج التأتأة في مهنتي وقد أشارككم أفكارًا من عالم الأنوثة، الأمومة أو أفكارًا من وحي تجاربي الشخصية المليئة بالسقوط ثم النهوض والمليئة بخفايا الإصرار على الوصول للأهداف رغم قسوة الظروف.

 

أما في مدونتي الأولى؟ ربما أكون جريئة في كتابتي! وقد أكون غريبة أو متمردة.. لكنني أدرك أن واجبي الكتابة وواجبي أيصال الرسالة، أعلم أنّ ما سأكتبه قد يكون مادة للتفكير لكثر.. وإن غيّر تفكير شخص واحد فسأكون راضية. الطلاق يعني أن تُطلِق لروحك العنان من جديد بعد أن كنت تقضي أغلب يومك في أطار لا يناسبك، يقلّصك أو ربما هو مصدر تعاستك، وكما نعلم جميعًا، يترتب على هذا القرار الكثير من المواجهات!

 

لطالما كان الطلاق خطوة لا تعتبر مقبولة أو منتشرة أجتماعيًا، ولطالما رافق الطلاق الكثير من المشاكل والنّميمة بين الزوجين المنفصلين التي تولد الحقد بينهما.. حقد قد يتبعه أنتقام، كل ذلك منتشر الحدوث في عائلات كثيرة عن طريق حرمان الأطفال من التعامل السلس مع أحد الوالدين ليصبح الطفل/ة بمثابة مخزن لجميع مشاعر الحقد أو الأنتقام التي يفرغها الطرفين فيه!

 

نحن من نخلق الواقع الذي نريد، نحن من نختار العيش وفق طباعنا، معتقداتنا، أفكارنا أو قناعاتنا، كل ذلك يحتاج لقرار واضح في قرارة أنفسنا

في مجتمعي، لم يكُن سهلاً أن أقرر الطلاق وفي ذات الوقت المحافظة على أحترام الطرف الآخر! رغم أن ذلك كان يتطلب مني صفحًا وعفوًا لأعيش بسلام داخلي وتطلب مني المحافظة على معاملة طيبة مع جميع من أنفصلت عنهم لتصل لطفلي رسالة واضحة.. أن الطلاق لا يعني أن نكره! الطلاق يعني أن ننفصل فقط! بغض النظر عن معتقدات كل طرف اتجاه الآخر، فحين يكون للطرفين أطفالاً.. الحكمة واجبة! ، كل ذلك يحتاج للكثير من الطاقات لموازنة أسلوب الحياة من جديد.. لكن! التحدي الأكبر كان المجتمع للأسف.

 

أذكر أنني كنت أحتاج الى ربع طاقاتي لأصبّها على خلق وضع جديد يستحق طفلي العيش فيه والتأقلم معه بينما باقي طاقاتي كانت تُصب على أخماد نظرات أستغراب المجتمع وتقبّل طريقة "الطلاق الناجح" التي أعتمدتها! نعم، حين أوصل أبني ليلتقي بوالده، كانت نظرات الأشخاص المستغربة تصرفي أصعب من عناء سفري مدة ساعة لأفي "بأتفاق مشاهدة الطفل"!، ردود فعل المستمعين صدفة لحديث يدور بيني وبين جدة أبني أو بيني وطليقي فيما يخص تربية أبني وتنسيق نمط التربية في البيئتين، ردود الفعل تلك كانت أقسى من قساوة الأضطرار على فعل تلك الخطوات!

 

لم يكن سهلاً أن أواجه تعابير وجه أحدى البائعات حين ذهبتُ بمرافقة أبني لشراء ملابس لحفل زفاف والده، حين رأيتُ ردة فعلها المستغربة تلك، حدقتُ بها بحزم وقلت لها "هو أبن العريس.. شوفيلنا أحلى لبسة لأنه أهم واحد بالعرس" وأعتقد أنها ستبقى تذكر نظرتي الجنرالية تلك تماما كما انا أذكر ملامح وجهها حتى يوم كتابتي المدونة هذه.

 

أذكر بائعة أخرى لم تستوعب طلب أبني الذي توجه أليها طالبًا تزيين هدية لأخيه الذي ولد للتوّ.. من أم أخرى!، حينها مازحتُ البائعة قائلة لها: "نحن عائلة مجانين.. عقلاء!" ربما لم تدرك عمق الكلمات لكن كلمة "مجانين" كانت كفيلة بأزالة ملامح الأستغراب عن وجهها، كل ذلك كان يتطلب مني جهدًا! جهدًا في تفسير الأمور لطفلي وجهدًا مضاعفًا في تحمل ردود الفعل.

 

هي جهودٌ كبيرة تحتاج لقلب بحجم البحر ولرقي في التعامل ولصفاء وصفح كبيرين! هي جهود ليست مفهومة ضمنًا ، لكن ما نحن عليه اليوم، يستحق تلك الجهود.. وما أنا عليه اليوم يستحق أمتصاصي للَكمات المجتمع! رغم الندبات التي تركَتْها الكثير من النظرات المستغربة أسباب محافظتي على التواصل الدائم مع عائلة طليقي، إلا أن تلك الندوب أزهرت! وكأنها بذورٌ كانت تُسقى بحسن المعاملة وأزهرت في قلب أبني!

 

يمكننا أن نعيش بسلام عند الأنفصال، يمكننا خلق فكر جديد غير مألوف عن الطلاق، فيه يعيش الأطفال مع ألم أقلّ.. كلما تقبّلنا نحن البالغون ذلك السلام أكثر، كلما دفع الأطفال ثمنًا أقل، الطلاق هو أن نسرّح بإحسان، أؤمن أننا نملك قوة أدراكيّة مدهشة، ما نقرره نتيجة أدراكنا يمكنه أن يكون واقعنا. نحن من نخلق الواقع الذي نريد، نحن من نختار العيش وفق طباعنا، معتقداتنا، أفكارنا أو قناعاتنا، كل ذلك يحتاج لقرار واضح في قرارة أنفسنا، قناعة أنّنا نستحق خلق نمط الحياة الساكن الذي نريد واستعدادنا للتنازل من أجل تحقيق ذلك، فمثلاً عند قراري بخلق "طلاق ناجح" كنت على استعداد للتنازل عن قسم كبير من طاقاتي. لنفسنا علينا حق! ألا يحق لأنفسنا سَكينة ورضا وعيش كما نحن نريد، لا كما المحيط أو المجتمع يريد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.