شعار قسم مدونات

في عِشقِهم نَسينا أرواحَنا

مدونات - الحب رجل ومرأة

صديقٌ لي تفاجأت به مهموماً وكثير الشرود على غير عادته. بعد شَدٍ وجَذب، تحدث لي بما كَتمه خلال الفترة الأخيرة. صديقي هذا كَان قد أنهى علاقةً عاطفية منذ أكثر من 4 سنوات، علاقةً دامت لسنتين فقط. فَرقهُما الزمان وأخذ بهما المكان في اتجاهين مختلفين، تَغيرَ هو وتغيرتْ هي لكن بقي قَلبُه. صارحته بأن الذي يفكر فيه غير منطقي! فكيف له أن يتذكرها وقد مَرَ على فراقهما أكثر مما قضاه معها، فأجابني أنه لم ينسها كي يستحضرها الآن وقال: كيف لي أن أنسى عيناها التي أسَرتْ كَلمَتي، كيف لي أن أنسى قَلبها وقد أحيا نَبضِيْ، كيف لي أن أنسى روحاً سكنتني.

 

كلماته أصابتني بالألم ولكن في نفس الوقت لم أكن قد تخيلت حقيقة الموقف بعد. شردت بي الذاكرة قليلاً لأقف عند قيس بن الملوح (مجنون ليلى) وهو الذي قضى يُنشِدُ في حبيبته أكثر من نصف عمره، لم ينس ذاك الحب والقرب مهما فعلوا وحاولوا معه، ولَعل ما حدث مع والده هو الأكثر استغراباً حين أخذه للكعبة راجياً من الله أن يشفيه فتعلق بأستارها قائلاً: "اللهم زدني لليلي حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا".

  
والأمثلة على من أحبوا وتلوعوا بنار الشَوقِ تطول. كل ذاك وصاحبي لم يكن يتجرأ بعد أن يعاود الحديث معها. كان خوفاً من مصير محتوم ونهاية حلمٌ وأخيالٍ زاهية، فعلى ما يبدو الحياة بطيفها تلك الفترة على أمل اللقاء يوماً ما أهون عليه من أن يستيقظ. طال حديثنا وفارقته على اتفاقٍ بيني وبينه بأن يكلمها فأسوء ما يمكن أن يحدث هو أن ترفض مكالمته.

 

أشفق على بعض القلوب البائسة والتي لا تعلم معنى النسيان، مجرد التفكير بأمرٍ ما لبضع ساعات قد يصيبنا بالجنون فكيف إن كان ذلك لأعوام!

عُدت إليه بعد فترة وقد كنت متفائلاً، تصورت بأنك عندما تكلم شخصاً عَزَ عليك في يومٍ من الأيام ستكون على أقل التقديرات سعيداً، ظننت بأن إرهاق الذكرى والحنين تلك الفترة سيعود عليه بالنفع أخيراً، حين يكلمها فتسمعه لتعلم بأنه لم ينسها وبقيت في قلبه خلال ما مضى من الأيام. صَديقي هذا كلمها، كلمها بعد أن استجمع قواه وشتات ذكراه، كلمها بنفسٍ ملؤها الأمل وحنين روحٍ على ما مضى، كلمها.. لكنها أدمته. فقَلبُها قد اتسع وأزال فوضى أعوامٍ مضت كي يستقبل عَوالِم أخرى، ما عادت هي وما عادت الذكرى تنفعه بعد الآن، ودخل في دوامةٍ جديدة من التيه والضياع في حبٍ كان قد فقده من سنين فائتة وذكرياتٍ بائسة شوهتها حقيقة الواقع.

 
الحب في اللغة العربية عشر مراتب، أعلاها هو الهُيام أي الجُنونُ الخَالِص. لعل ذلك ما وصل اليه صديقي أو لربما أكثر، تشبيه هذه الحالة قد يصل دَرجة الإدمان، فكما المدمن لا يستطيع العيش بعيداً عن عقاقيره، صديقي وجد في ذكرها طيلة الأعوام الماضية مخدراً لأعصافِ قَلبه. لم يبتعد عنها وعن تخيلها في أربع سنين، قد يستمر به الحال هكذا طيلة حياته أم هل هناك مَفَرْ؟

  

هل الحب الأول هو المناسب؟

  

undefined

  

للبدايات طعمٌ مختلف، وحقيقة الأمر بأن سعي الإنسان في بعض الأحيان قد يكون حولها، أول مرةً نبض فيها قلبه ونظر بعينٍ مرهفة في الجانب الآخر، يحاول الكثيرون التمسك بمثل هذه اللحظات والبحث عن أي وسيلة لإبقائها حية برغمِ التهديدات. الطرف الأضعف في أي علاقة من كان قلبه لا يتحمل الانفصال فتجده تارةً يتنازل ومرات عديدة يرضى بما عارض مبادئه وحياته السابقة قبل أن يلتقي هذا الشريك الجديد ظناً منه بأن هذه هي الوسيلة الأفضل كي يحافظ عليه فالانفصال نارٌ كاوية لا يجيد الكثيرون التعامل معها. هذا التعلق سيؤدي إلى كراهية النفس وحتمية الانفصال فالعلاقات المبنية على أساس التنازل لن تعرف الاستقرار، الشراكة هي المفصل فهما نفسٌ واحدة اجتمعت بجَسدين فإن لم يكن كلا الشخصين معنياً بإنجاحها لن تستمر، الشراكة القائمة على دعم الآخر وانتظار نجاحه فرصة للفرح وعند الوقوع أنت المتكئ. إن فهم كلا الشخصين هذه العلاقة، انتهينا بتواؤمٍ آخر ملؤه المودة وصعودٌ يعانق عنان السماء فَسعيُك بالحياة سيكون أسهل إن وجدت الدعم فكيف إن كانت رُوحُكَ الأخرى هي المعين.
   
في الحياة لا شيء مثالي، فالكل مُهدَد حتى البدايات، إن كان لابد من إنهاء الأمر فلا تتمسك به واتركه، التنازل لن يرضيك ولن يُرضي الطرف الآخر. عندما تصل إلى طريق مسدود، دَعها تَعبر دعها تَموت.
    

هَل مِنْ سبيلٍ إلى النسيان؟

حقيقةً أشفق على بعض القلوب البائسة والتي لا تعلم معنى النسيان، مجرد التفكير بأمرٍ ما لبضع ساعات قد يصيبنا بالجنون فكيف إن كان ذلك لأعوام. إن كنت أحد هؤلاء الذين فقدوا نور الطريق فالأمر لم ينته بعد، درب العودة أسهل ما تتصور. لا تدع ذكريات وأقوال من مضوا تشكل عوالمك.

  
عد بنفسك وراءً وتذكر من كنت قبل أن تلتقيهم، أحلامك وطموحاتك غير محدودة فكيف تربطها بشخص قد تخلى ومضى. إن كان هذا الشخص قد أضاء شعلةٌ في القلب فقد أطفأها بمجرد رحيله، أفسح المجال أمام الأخرين لكي ليضيؤها مرةً أخرى فالنور درجات فمن أنار لك طريق الحياة لأشهر أو سنة لا يصلح أن تركن إليه ما بقي من العمر ودع مجالاً لمن سينيره حتى الفراق الأخير. قلوب البشر غير متشابهة لكنها هكذا خُلقتْ، كما وجدت الجمال في قلب إنسان ستجده مرةً أخرى في قلبٍ خُلِقَ من أجلك، كن على يقين بأن سَكيْنَ رُوحك لم تصل إليه بعد فمن مضى، ارتد وهان، هناك من هو أجمل وهناك من هو أطيب فالمستقبل واعد، لا تنسى رُوحَك، ولا تدعها تَمُتْ، قُمْ، هناك مَنْ يَنتظرُك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.