شعار قسم مدونات

دور المرأة المسلمة في العهد النبوي (2)

blogs مرأة مسلمة

أستكمل في هذا المقال حديثي عن الدور الدعوي للمرأة المسلمة، وقد ذكرت في المقال السابق أربعة عناوين، وأذكر البقية هنا، وهي:

المطالبة بحقوقها الدينية

بعد أن أصبحت المرأة عارفة بالحلال والحرام، وتعي جيدا طبيعة واجباتها في المجتمع، تطور وعيها الديني، فطمحت إلى نيل حقوقها الدينية، والباعث لذلك أن التكاليف الشرعية واحدة للرجال والنساء، والحلال والحرام ينطبق على الجميع، فإذا عملت المرأة حسنة فلها أجرها، وإذا اقترفت معصية فلها وزرها، إذن لماذا لا تتم مساواتها بالرجل من حيث الذكر في القرآن الكريم؟ إنه مطلب وجيه جدا، ترفعه أم سلمة رضي الله عنها للنبي الكريم.

فقد أخرج النسائي في سننه من حديث عبد الرحمن بن شيبة قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، قالت: فلم يرعني ذات يوم ظهرا إلا نداؤه على المنبر، قالت: وأنا أسرح رأسي فلففت شعري، ثم خرجت إلى حجرة بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول على المنير: يا أيها الناس إن الله يقول في كتابه "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ" إلى آخر الآية "أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".

أما عند الترمذي، فالمرأة التي سألت النبي هي أم عمارة، فعن عكرمة عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزلت هذه الآية "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ".

بذلت النساء في العهد النبوي دورا مهما في تربية النشء على الكتاب والسنة، ومن ذلك أنهن أرسلن أولادهن لمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنالوا العلم الغزير، والبركة في النفس والأهل والمال

هذه هي الحقوق، التي تطلبها المرأة المسلمة، إنها لا تتطلع لحظوظ دنيوية، فتفرح بها وكانها ملكت الكون، فتخرج بذلك الفرح عن حدود الشرع، ولا تسعى لما هو ليس لها حقا، بأن تطالب بمساواتها في الرجل في الميراث على سبيل المثال، فتعتدي على حدود الله، التي حدها لعباده، وإنما تريد أن تذكر عند الله تعالى، تبحث عن عز الدنيا والآخرة، فيحقق لهن مرادهن، ويذكرهن الله عز وجل على قدم المساواة مع الرجال، فعلى عظم الدور الذي بذله الصحابة من الرجال، إلا أن المجتمع لن يقوم بهذه الجهود فقط، فلا بد من دور آخر مواز له، يضطلع به النساء، دور يكون مناصفة بين الرجل والمرأة، كما كان مناصفة في الآية الكريمة.

أما إذا تعرضت لظلم، فإنها تلجأ إلى رفعه، فالإسلام لا يرضى لأتباعه السكوت عن الحقوق، والقعود عن رد الأمور إلى نصابها الصحيح، وهذا ما كان مع خويلة بنت مالك بن ثعلبة، وتروي قصتها التي أوردها أبو داود في سننه، قالت: "ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: "اتقي الله، فإنه ابن عمك" فما برحت حتى نزل القرآن "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا" إلى الفرض، فقال: "يعتق رقبة" قالت: لا يجد، قال: "فيصوم شهرين متتابعين" قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: "فليطعم ستين مسكينا" قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأتي ساعتئذ بعرق من تمر، قلت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر، قال: "قد أحسنت، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك".

وهو موقف عظيم لهذه المرأة، التي لم تسكت على خطأ، لكنها حكيمة في طريقة المعالجة، إذ إنها ذهبت إلى رسول الله، وطلبت حلا لقضيتها، فشرف الله قدرها بأن أنزل في شأنها قرآنا يتلى، ثم انظر إلى كرمها ووقوفها إلى جوار زوجها، فهي تعينه بعرق من تمر، والنبي يثني على خلقها، وقد كفرت عنه من غير أن تستأمره، كما قال أبو داود. وعليه فإن وسطية إسلامنا (وهي الكمال والتمام) تقتتضي بأن تكرم المرأة، فتأخذ حقها كاملا، لا زيادة ولا نقصانا، بعد أن تحظى هي بتربية على الكتاب والسنة، تربية حقيقية لا مصطنعة، نابعة من إيمان راسخ بدورها في المجتمع.

تربية الجيل

بذلت النساء في العهد النبوي دورا مهما في تربية النشء على الكتاب والسنة، ومن ذلك أنهن أرسلن أولادهن لمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنالوا العلم الغزير، والبركة في النفس والأهل والمال. وسنقدم مثالا بارزا على دور المرأة التربوي، من خلال سيرة الغميصاء بنت ملحان، فقد تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية فولدت أنساً، وبعد موت زوجها، تزوجت أبا طلحة بعد أن أسلم، وكان الإسلام هو صداقها، وذلك بعد بلوغ أنس، ففي الإصابة في معرفة الصحابة، أنها قالت لأبي طلحة لما خطبها: "لا أتزوج حتى يبلغ أنس ويجلس في المجالس فيقول: جزى الله أمي عني خيراً، لقد أحسنت ولايتي. فقال لها أبو طلحة: "فقد جلس أنس وتكلم فتزوجها".

وقد عهدت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففس صحيح مسلم عن أنس قال جاءت بي أمي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت: يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له. فقال "اللهم أكثر ماله وولده". قال أنس فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة اليوم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.