شعار قسم مدونات

‎أثر الدولة البوليسية على المجتمع

blogs الأمن الوطني

‎إنَّ الدولة البوليسية تعتمد بالأساس على نظام أمنى واستخباراتي قوي للسيطرة والتحكم بالتوجهات المجتمعية بشكل عام. فغالبًا ما نجد أن مرحلة ما بعد الانقلابات تتصف بالحكم البوليسي، حيث يتولى أشخاصٌ عسكريون أو حزب واحد مقاليد الحكم والسيطرة. وهنا تتبع سياسات العنف والإقصاء والتهميش لبقية المكونات السياسية وحتى المجتمعية المطالبة بالتغيير أو بالحقوق. ويمكننا ملاحظة هذه السياسات بوضوح في الأنظمة المنبثقة من انقلابات عسكرية. ففي القرن العشرين، استخدم جمال عبد الناصر في مصر (١٩٥٦-١٩٧٠) جهاز الدولة القهري لفرض سياساته وإقصاء معارضيه السياسيين والعسكريين على حد سواء، وكذلك مصطفى كمال اتاتورك في تركيا استخدم النظام البوليسي الإجباري والقهري لتوجيه المجتمع حسب ما يراه هو أو حلفاؤه.

   
‎النظام الأمني في كثير من الدول يتم استعماله للسيطرة على جميع مفاصل المجتمع وكذلك رسم توجهات المجتمع الدينية والسياسية والاقتصادية، ففي مصر على سبيل المثال يسيطر الجيش على المصانع والمعامل ويمتلك قوة اقتصادية هائلة نستطيع أن نقول بأنها هي المسيطرة على سياسات الدولة الاقتصادية. وهذا يؤدي إلى تقسيم المجتمع الى طبقات أعلاها المتنفذين في الدولة والعسكريين ورؤوس الأموال وهذا بالنتيجة يسبب أضرارًا كبيرةً على فئاتٍ كثيرة وكبيرة من المجتمع المصري حيث أن البطالة تنخر المجتمع المصري وتسبب سخطًا وعدمَ رضى عام. فنجد عزوفًا عن الزواج وحُبٌّ للهجرة وترك البلاد، فإذا لم يكن هناك منفذ للبسطاء من الشعب فإنهم يتوجهون إلى الانتحار.

 

‎التهميش، الإقصاء، السجون السياسية، غياب حرية التعبير عن الرأي، سياسة التجهيل والسيطرة على كل السلطات التي تؤثر على المجتمع منها الإعلام والدين وكذلك الاقتصاد

‎للدولة البوليسية أشكالٌ عديدةٌ، أحيانا تكون في خدمة المستبد وأحيانا أخرى في خدمة الحزب الحاكم أو تحت هيمنة العوائل الحاكمة. فهناك دول بوليسية تنطلق من أفكار ومنطلقات قومية حيث أنها تتصف بالعنصرية وتوطد للدكتاتورية كنظام عبد الناصر. وكذلك هناك دول بوليسية تنطلق من منطلقات دينية وتتخذ الدين ذريعة ووسيلة لفرض السيطرة وتكميم الأفواه، فليس من المعقول أن يخالف أحدهم السلطة الدينية التي "تستمد شرعيتها من الله" كما تدعي هذه الأنظمة. وأفضل مثال على هذه الدول التي "تستمد شرعيتها من الله" هي إيران في وضعها الحالي عندما انتهجت هذا المنهج بعد الثورة الإسلامية الإيرانية ١٩٧٩ وهيمنة نظام الولي الفقيه على مقاليد الحكم. وهذا النظام يستعمل النظام البوليسي والقمعي في تصفية معارضيه، حيث نجد أن إيران من أكثر الدول المنفذة لحكم الإعدام وخصوصا ضد الأكراد والعرب الإحوازيين. وبالنتيجة إن لهذه السياسات تأثيرات على المجتمع الإيراني منها النفور من الدين وكذلك الشذوذ في كل مفاهيمه.

  
‎إن للدولة البوليسية تأثيرات على المستوى الاجتماعي وكذلك على الصعيد السيكولوجي للفرد النامي إذ التوجهات والأفكار ترسم وتنشر حسب ما ترغب به السلطة الحاكمة، فالإعلام ينادي بما تريد والاقتصاد موجه لدعمها والدين كذلك أداة بيدها. إن ما يتم بثه من رسائل غير مباشرة ومباشرة من خلال الإعلام نجد له تأثير كبير على السلوكيات الجمعية والفردية على حد سواء وعلى سبيل المثال، الإعلام المصري يطبل ويوجه إلى تحمل سوء الحياة وقلة الخدمات وسياسات الإقصاء والتهميش التي يتم اتباعها من قبل حكومة عبد الفتاح السيسي. أما الدين فهو السوق الرائج في الوقت الحالي للمتاجرين والسراق السياسيين في الدول البوليسية الدينية كما في إيران أو ما تتبعه جماعة بوكو حرام في نيجريا وكذلك الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا التي تم إنهاء دورها في ذلك الوقت.

  
‎التهميش، الإقصاء، السجون السياسية، غياب حرية التعبير عن الرأي، سياسة التجهيل والسيطرة على كل السلطات التي تؤثر على المجتمع منها الإعلام والدين وكذلك الاقتصاد، هي السياسات التي تتبعها الدول البوليسية وقد تكون كوريا الشمالية أفضل الأمثلة على ذلك. هذه السياسات تؤدي إلى ازماتٍ مجتمعية متوالية ومتراكمة أهمها البطالة، الفقر، الخوف والانتحار.

 

إن أبرز ما نحتاجه اليوم إلى طبقة قوية وحرجة تكون دائمةَ الحركة، ساندةً في الثورات والانقلابات والنزاعات، نستطيع أن نسميها طبقة "المجتمع المدني" والمقصود بها هو المؤسسات الحقوقية والإغاثية والتعليمية وغيرها حيث تكون درع يتلقى ظلم السلطات تجاه المجتمع وتخفيف أثره وفاعليته، كذلك تستقبل المطالب الشعبية والثورات الغضبية وتحولها إلى مطالب مقننة مدعومة وموافق عليها عالميًا، كونها تعبر عن حقوق وحرياتٍ أساسية لكل شعب، إذ توفر هذه الثلة النخبوية ترابطًا حكوميًا مجتمعيًا اضافة إلى مجتمعي دولي حكومي. ‎ونستطيع أن نقول إن أكثر ما تحتاجه بلداننا العربية بشكل عام إلى هذه الطبقة الحرجة "المجتمع المدني أو مجتمع المؤسسات" للحفاظ على الهيكلية العامة والأسس التي يقف عليها المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.