شعار قسم مدونات

في ترتيب أوراق أمة مغتصبة الوعي

مدونات - الجزائر الشباب الفشل العرب

العجز عن الفعل هي ميزة الأمة اليوم، فحتى وإن وجد الصادقون فالمشاريع الجادة غائبة أو مغيبة، ويبقى الشباب حائرا بين الرغبة في العمل وعدم وجود مشاريع تحتضنه. إننا في هذه الجزئية نتأكد من عجز النخبة المفكرة في الأمة عن القيام بدورها وعن خلق بدائل للشباب -النخبة المنفذة- التي وجدت نفسها رهينة لمشاريع هدامة وماصة لقوتهم وحرارتهم -على غرار داعش والقاعدة.. إلخ- وهي مشاريع لا تملك بعدا فكريا عميقا لكنها تملك قوة قيادية استطاعت تعبئة الكثير من الشباب الذين يملكون نوايا طيبة لكنهم وقعوا في تلك المشاريع الفاسدة والمفسدة.

  
إن الحكومات التي تبحث عن إبعاد الشباب من براثين التطرف، والقيادات الفكرية التي تحث الشباب على الانخراط في حملات الدفاع عن مقدسات الأمة وأهمها الأقصى عليهم ايجاد مشاريع لحث الشباب على بذل جهودهم فيها وتفريغ طاقاتهم عليها، مشاريع تحتاج المصمم والممول والمنفذ وستلقى بكل تأكيد من يتبناها من الشباب، مشاريع من قبيل صناع الحياة، وخواطر والتي ستكون بأثر السحر على شباب الأمة وأوجاعه، لأننا نعاني في أمة أهم ما يميزها:

  

الشباب هو الخاسر الأكبر في أمة تطلب منه أن يكون صالحا ولا تنتج له مشاريع للانخراط فيها والعمل على تنميتها، مهمة يفترض أن يقوم بها النخبة المفكرة والنخبة القيادية

1- المتكلمون عن مشاريع إحياء الأمة الغافلون عن مصادر تمويلها مجرد سلاطين كلام غير واعين ولا مؤهلين للتنظير والتفكير، وأغلبهم مهووس بالظهور الإعلامي وتكثير الأتباع والمريدين الحماسيين، والذين يجدون أنفسهم بعد حين يخدمون الشخص لا المشاريع.

  
2- إن الحديث عن مشاريع إحياء الأمة الإسلامية يعترضه اليوم أيضا التناحر الطائفي الذي بات يميز مختلف الفرق الإسلامية السنية التي باتت كل منها ترى نفسها الناجية، وأن الجنة تحت أقدام شيوخها، وغيرها في النار وإن كانت تشهد أن الله واحد وأن محمد عبده ورسوله، وهو ما يعيق بشدة أي تحرك لتحرير العقل العربي من براثين التشدد والتعصب الذي أضحى عاملا مثبطا لكل محاولة انطلاق نحو تحرير مقدسات الأمة، ويمكن أن نرى قوة الفكرة الدينية في تغيير معادلة موازين القوى في جيش الحشد الشيعي الذي أضحى جيشا يوازي الجيوش العربية وهو الذي تأسس بدعوة من المرجع الشيعي السيستاني وها هو اليوم يخوض معارك طاحنة داخل العراق لتحرير الموصل من داعش التي تعتبر هي الأخرى انتصار لفكرة دينية سنية متشددة وهو ما ذهب اليه بن نبي في وصفه لمعادلة الحضارة حين اكد ان تفاعل مقومات الحضارة لا يكون الا بالفكرة الدينية والتي لم يفسرها الرجل ولا من جاؤوا بعده لقراءة أفكاره.

  
3- هل الأمة اليوم في حالة ركود وتوقف؟ الإجابة طبعا لا، لأننا في مرحلة إعادة تقسيم الولاءات داخل الأمة، وميزان القوة في هذه الأيام يعاد رسم موازينه داخلها، من خلال تمزيق جسدها بطريقة معينة لإعادة إخاطته مرة أخرى وفق ما يساعد القوى الدولية، حلفاءها في المنطقة، بمنح بعض الدول مهام جديدة وتقليل مهام دول أخرى، وتغطية كل ما لا يرضي الشعوب بفتوى دينية على المقاس، فتاوى تؤكد أن الطاعة والخنوع أحسن حل في هذه المرحلة، لكن غياب الفهم الجيواستراتيجي عن شيوخ الدين يحجب عن بصيرتهم، الكوارث التي تعد للأمة مستقبلا والنتاتجة عن السكوت الآني، عن ما حدث ويحدث بل ومنحه الغطاء الديني وسوريا وليبيا واليمن وحتى مصر أمثلة حية عن قصر نظر علماء اليوم أمام ما أعدته مخابر تدس السم في العسل لحصد الأخضر واليابس.

   undefined

 

4- الشباب هو الخاسر الأكبر في أمة تطلب منه أن يكون صالحا ولا تنتج له مشاريع للانخراط فيها والعمل على تنميتها، مهمة يفترض أن يقوم بها النخبة المفكرة والنخبة القيادية، لكن الشباب ترك عرضة لمشاريع غربية سخرت لها القنوات والجرائد والمواقع الإلكترونية، ثم تبرر النخبة فشلها بعدم صلاحية الشباب. والذي يستطيع الشباب الحماسي العملي القيام به اليوم في ظل التصحر الفكري والمشاريعي هو بذل قصار جهده في التعلم وتعليم الأجيال القادمة، لأنك لن تستطيع أن تفهم شعوب جاهلة وغير المتعلمة التخندق وراء الحق وهي لا تستطيع تمييزه من الباطل، حيث أضحى حالها كحال الناس وقت نزول الدجال الذي تكون ناره جنة وجنته نار، ولا يفقه هذا إلا من آمن وعمل صالحا، ولا إيمان دون علم فأكثر من يخشى الله عباده العلماء، فتعلموا وعلموا.

  
5- ما يجعل مآسي الأمة تزداد هو ما يعيشه المسلمون من مآسي شخصية عميقة تتلخص في عدم قدرتهم على تحقيق أي حاجة من حاجاتهم الشخصية فلا عمل ولا سكن ولا زواج في أوطان نخرتها الحروب العراق، اليمن، سوريا، ليبيا. وأخرى زادت فيها الفتن، فأصبحت هي من مآسي الأمة وأصبح أهلها هائمين في حل مشاكلهم، وفي ظل هذا الجنون كيف يمكن أن تفهم شعوب جاهلة أن حل مشاكلهم الشخصية ومآسي أوطانهم يمر بمعركة أكبر بكثير منهم، وهي معركة الأمة، فالذي يريد اضعاف الأمة يساند حكام الدول الظالمين ليقسوا على شعوبهم فيحولوا الحصول على حقوقهم منة ومنحة من الحكام بعد أن كانت حقا لا جدال فيه، فيلتهي الجميع عن قضايا الأمة ويعيش كل فرد لنفسه، وهذا لن يتغير إلا بالعلم، فالعلم أساس ارتفاع الأمة وسبب هوانها.

  
على الأفراد اليوم التأكد أن أدوارهم ليس تصميم المشاريع والتفكير في سبل تنفيذها، لأن الأمر يتجاوز قدرة الأفراد، لكن الأساس هو قدرة كل فرد على أن يكون فاعلا وقادرا على التمييز بين المشاريع البناءة ونظيرتها الهدامة للانضمام للأولى حال بروزها، وهذا لا يكون إلا بالطلب المتواصل للعلم والذي يبقي الإنسان في أسواء الأحوال جاهزا نفسيا وعمليا وبشكل دائما، فالإبقاء على قلب حي يحس بمآسي الأمة إنجاز في عصر السبات الأمة، وإن عاجلا أو آجلا سيخرج من طلبة العلم من يملك مشروعا قادرا على إخراج الأمة من الظلمات إلى النور، لكن هذا يحتاج صبرا إن كنتم تعلمون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.