شعار قسم مدونات

سنترال بارك.. رواية تحتاج أن تتحول إلى فيلم

مدونات - سنترال بارك

يعتبر الفرنسي غيوم ميسو (مواليد سنة 1974) أحد أكثر الروائيين الفرنسيين شهرة في السنوات الأخيرة، فقد تربعت رواياته على عرش الكتب الأكثر مبيعًا في فرنسا، وتٌرجمت إلى لغات عدة. وقد ذاع صيته في أوساط القُرّاء، فباتت عناوين كتبه تتصدر لائحة الروايات المقترحة. مؤخرا، عزمت على قراءة روايته "سنترال بارك" (Central Park) بعدما اقترحها عليّ شخصٌ عزيز، وأمدّني بعناصر تشويقية عنها حفزّتني لكي أتحدّى عدد صفحاتها البالغ حوالي 350 صفحة.

    
صدرت الرواية باللغة الفرنسية سنة 2014، وتُرجمت للعربية سنة 2016 عن المركز الثقافي العربي. تتحدث الرواية عن شرطية "أليس شافر" تستيقظ صباحا لتجد نفسها مقيدة بالأصفاد مع رجل مجهول "غابرييل كوين" يدّعي أنه عازف موسيقي، وذلك على أحد مقاعد حديقة سنترال بارك في نيويورك، فكيف وصلا لهذا المكان وهي التي كانت البارحة رفقة صديقاتها في باريس، بينما هو كان يُحيي حفلة موسيقية في دبلن بإيرلندا. تتواصل الأحداث وتتلاحق بشكل مفاجئ وغامض، لتبدأ معها رحلة البحث عن الحقيقة، وفك خيوط هذا اللّغز المُحيّر.

   
هي رواية بوليسية-درامية-رومانسية حُبلى بالمفاجآت، مع نهاية غير متوقعة. التشويق عنوانها من البداية حتى النهاية، فلا تكاد تقف على خيط موصل لفهم حقيقة ما يجري حتى تتشابك الخيوط فاسحة المجال لعُقد أخرى تنتظر الحل. ويمكن استعراض أهم مميزات هذه العمل الروائي في النقاط الآتية:

(تنويه: الأسطر القادمة قد تحتوي على حرق لبعض أحداث الرواية)

  

دقة الوصف
تستحق رواية "سنترال بارك" أن تتحول إلى فيلمٍ سينمائي، على غرار روايتي "وبعد" التي تحولت إلى فيلم سنة 2008، وكذلك رواية "لأني أحبك" التي تحولت لفيلم سنة 2012

يهتم ميسو بشخصيات روايته فيصفها وصفا دقيقا يساعد على تمثّل الشخصية في الذهن، فتظهر الشخوص مرسومة بطريقة مُتقنة، وكأنه حين يصفها يُمسك بقلم لا يكاد يترك جزئية إلا وخطّها. كما يصف بدقة الأماكن التي تتنقل إليها الشخصيات، إضافة إلى كمِّ المعلومات العامة التي يسوقها أثناء ذلك، والتي تجدها متناثرة بين صفحة وأخرى، فتُحفزك للبحث عنها قصد إغناء الرصيد المعرفي.
     

طبيعة الشخصيات

يختار ميسو شخصياته بعناية، ويجعلها على نسق يناسب توجه الحبكة، ففي هذه الرواية نجد أن الشخصيتين الرئيسيتين يتميزان بصفات متنوعة، فأليس حادة الطباع وصارمة تارة وضعيفة عندما تستحضر ماضيها المؤلم، وغابرييل الذي ينتقل من عازف للجاز، إلى شرطي في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ثم إلى طبيب نفسي يُحاول مساعدة أليس التي تعاني من مرض ألزهايمر.
   

استرجاع الذكريات (الفلاش باك)

 

undefined

 

كثيرا ما تعود "أليس" للوراء لتتذكر أحداثها السابقة، محاولة منها لفهم وقائع الحاضر، فتستحضر ذكرياتها الأليمة عن تعرضها للطعن من القاتل المتسلسل "فوغن" والذي أدّى لفقدان جنينها، ثم تعرُّض زوجها لحادثة سير مميتة عندما كان يريد اللحاق بها إلى المستشفى. تساعد هذه الذكريات على فهم طبيعة شخصيات الرواية، وتربط الحاضر بالماضي بغية استيعاب الأحداث الجارية، لكنها لا تخلو من الملل في بعض اللحظات، بل وتؤدي لكسر إيقاع الرواية خصوصا عندما تتكرر في عدة محطات.
 

الاقتباسات

وهذا ما يطبع روايات غيوم ميسو عموما، فلا تكاد تجد فصلا يخلو من اقتباس في بدايته، عبارة عن قولة أوحكمة أو اقتباس من فيلم سينمائي. ويبدو هذا الأمر مثيرا ومُحفزا على تقليب صفحات الرواية، وهي سُنّة حميدة تُشكل إضافة للعمل الروائي، وتُكسبه بابا آخر للإبداع بانتقاء أفضل الاقتباسات، وجعلها وسما لكل فصل.

 

إمكانية الاقتباس السينمائي

تستحق هذه الرواية أن تتحول إلى فيلمٍ سينمائي، على غرار روايتي "وبعد" التي تحولت إلى فيلم سنة 2008، وكذلك رواية "لأني أحبك" التي تحولت لفيلم بعنوان (La Traversée) سنة 2012. ويساعد على ذلك السيناريو الذي يكتسي صبغة سينمائية، وكمّ التشويق والإثارة المناسب لإخراج عمل سينمائي يقدم للعمل الروائي الأصلي إضافة، ويمنحنا فرصة معاينة "أليس" و"غابرييل" صوتا وصورة. وبالحديث عن السينما، يبدو أنّ بطلة الرواية تُشبه شخصية "ليونارد شلبي" في الفيلم العبقري (Memento) في بعض الجزئيات، مع اختلاف الحبكة بين القصتين.
   
هذه بعض السّمات التي لاحظتها عن هذا العمل الإبداعي، فقد استطاع غيوم ميسو نقل القارئ في مسار مليء بالإثارة والتشويق، وحافل بالأحداث المتتابعة. ولم تكن نهاية الرواية يوتوبية محضة، فقد مزجت بين الواقعية والأمل، ويظهر ذلك جليّا في القسم الأخير المعنون بـ (سيكون). ففيه إشارة إلى أنّ الأمل لا يزال قائما في تجاوز آلام الماضي، وتأسيس حياة جديدة، في ظل وجود شخصين مستعدان لخوض المعركة، لا سلاح لهما سوى الرغبة في الاستمرار، وانتزاع لحظات السّعادة والأمل من بين يدي القدر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.