شعار قسم مدونات

أهلا بكم في عزبة السيسي.. "مصر سابقا"

مدونات - السيسي

لم يشهد التاريخ الحديث وربما القديم، شيئا مماثلا لتلك الحالة التي تشهدها مصر منذ العام 2013 وإلى الآن، وعلى الرغم من كون البلاد قد شهدت فترات مريرة وطويلة من الاحتلال البغيض بدأت منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد مع غزو الهكسوس (هؤلاء البدو الرعاة)، تبعهم الفرس ثم الإغريق ثم الرومان ثم الاحتلال الفرنسي وأخيرا الإنجليزي، قوات احتلال أجنبية، يسيطر فيها على زمام الحكم من ليسوا بمصريين، إلا أن مصر شهدت أيضا احتلالا من نوع آخر، إنه الاحتلال الوطني، حكام فسدة يعملون تحت حذاء العدو ،يُمكنهم هو من السلطة، فيصنعون له أفضل مما يريد.

  
عقب أفول نجم أكبر قوتين احتلال بالعالم في العصر الحديث (بريطانيا وفرنسا)، أواسط القرن العشرين، جاء دور أمريكا لتتسلم الزمام، بعيد خروجها منتصرة من حرب عالمية كبرى، حينها دعمت ثلة من عساكر جيش، أزاحوا ملكا على رأس الحكم في مصر، لينصبوا أنفسهم آلهة تستعبد المصريين، يستنفدون خيراتهم وينهبون ثرواتهم ويسجنونهم طويلا داخل قطار، يُسرِع بهم نحو هاوية من تخلف وتأخر وفساد، ومع ذلك، يبقى عمل هؤلاء جميعا (الاحتلال وأدواته، من عملاء ومأجورين) هو السلب والنهب بأكبر قدر ممكن، ولأطول فترة من الزمان، لم يمتد إفسادهم وتخريبهم لأصول الدولة، جميعهم شوهوا الحاضر، فعلاً، لكن لم يدمروا المستقبل، أفقروا البلاد وأذلوا العباد، لكن ظلت مصر مع كل هذا: دولة، إلا السيسي، هو الوحيد الذي لم يكتف بتخريبها بل بمحوها محواً، حتى باتت مصر على يديه، كما وصفها هو بلسانه -منذ ما يزيد عن العامين- شبه دولة.
   

عنونت الإيكونوميست البريطانية، المجلة الاقتصادية الأشهر في العالم، سلسلة تقارير لها بعنوان تخريب مصر، في أغسطس 2016، واصفة ما يفعله السيسي بالاقتصاد المصري ومجالات الصناعة والزراعة والسياحة، بكونه تخريباً متعمداً، لم تكن ثمَّة مبالغة من خبرائها المحترفين، بل هي وصف منطقي وموضوعي لكل ما ترصده لنا المؤشرات على كافة الأصعدة.
   

الصندوق السيادي هو نقل مباشر لثروات البلاد ومواردها وأصولها وأملاكها، بالإضافة إلى تاريخها وحاضرها ومستقبلها، من يد الشعب إلى يد السيسي

يبدو وكأن السيسي في سباق مع الزمن، مطلوب منه ألا يُبقي شيئا على الإطلاق، بيع منظم وإفساد ممنهج لكل ما في مصر من موارد وأصول وثروات، لم يكتف بالتفريط في حقوق مصر من مياه النيل، أو آبار الغاز شرق المتوسط، أو جزيرتي تيران وصنافير، وقرر أخيراً أن يتوقف عن البيع القطاعي، ليستبدله بالبيع بالجملة، قانون عجيب وغامض، تم تمريره بين سلسلة من قوانين مثيرة للجدل، وافق عليها مجلس نواب الانقلاب، الاثنين 16 يوليو، إنه مشروع قانون إنشاء صندوق سيادي، تحت مسمى "صندوق مصر"، برأس مال قدره 200 مليار جنيه، وبالرغم من أن الصناديق السيادية ليست بدعة بين دول العالم، إلا أن جميعها تهدف لادارة الفائض من أموال وموارد البلاد، أي ما يزيد عن حاجتها في الوقت الحالي، لضمان مستقبل الأجيال القادمة.

   
فإذا علمنا أن مصر هي الأولى عربيا في الاقتراض، وقد قدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، مؤخرًا، حجم الدين الخارجي لمصر بنحو 100 مليار دولار ليعادل 44 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2017، ووفق تقارير صحفية، فقد لجأ "عبدالفتاح السيسي" إلى الاقتراض نحو 35 مرة خلال عامين فقط، من دول وبنوك دولية ومؤسسات نقدية حول العالم، بإجمالي قروض يفوق الـ 50 مليار دولار، أي ما يعادل نحو تريليون جنيه مصري، نتأكد حينها أن صندوق السيسي السيادي، يختلف عنهم تمام الاختلاف.

  
ومن أبرز ملامح هذا الصندوق طبقا لبنود القانون:
"1- أنه يخضع بشكل مباشر لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، على غرار صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه منتصف عام 2014، وبموجب قرار منه يتم تشكيل جمعية عمومية لإدارته.
 
2- الصندوق لا يخضع كذلك لأي نوع من أنواع الرقابة الحكومية أو الشعبية، ولا تتقيد أعماله بالقوانين الحكومية، بل بقانونه الخاص، وتقوم الجمعية العمومية لإدارة الصندوق باختيار مراقبان، أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات والآخر من البنك المركزي،(ويمكن تغييرهما واقتراح آخرين) وتكون مهمتهما، هي وضع تقارير عن قوائم الصندوق المالية، وذلك بمقابل مالي يحصلان عليه، ومقابل مالي يحصل عليه الجهاز المركزي للمحاسبات، ويتم عرض تقريرهما على الجمعية العمومية، ومن ثَمَ رئيس الجمهورية. (أي أنه في النهاية، المراقب الوحيد على أعمال الصندوق، وما يتخذه من قرارات برئاسة عبد الفتاح السيسي، هو عبد الفتاح السيسي نفسه)!!
 
3- من حق إدارة الصندوق بيع وشراء وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة للدولة والانتفاع بها. (لاحظ معي عبارة : بيع أملاك وأصول الدولة، والتي تؤذن بعصر جديد من الخصخصة المتوحشة، ربما لم تشهد مصر مثيلا لها من قبل، وستؤدي في النهاية، إلى أن يصبح المصريون ضيوفاً في بلادهم).

  

  
4- كذلك من حق الصندوق تأسيس شركات جديدة بشراكات مع شركاء محليين أو أجانب (لاحظ معي كلمة أجانب) للعمل في مشاريع قائمة بالفعل أو إنشاء مشروعات جديدة، بالاضافة إلى المشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد، بل وتداول الأسهم لتلك الشركات والأصول بسوق الأوراق المالية. (أي أن أصول الدولة ستكون مشاعا في أسواق المضاربة المالية، تذهب ملكيتها لمن يدفع أكثر).
 
5- كذلك يحق للصندوق الاقتراض الداخلي والخارجي وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين، دون إذن أو موافقة من الجهات الرقابية. (الديون التي ستسددها الأجيال القادمة، سيحصل عليها السيسي منفرداً بوصفه رئيساً للصندوق، ولن يحتاج فيها لإذن من أحد، راجع عدد القروض التي حصل عليها السيسي في الفترة السابقة، وتخيل معي ما يمكن أن يحدث مستقبلا)!
 
6- للصندوق إدارة أمواله وأصوله بذاته كما له أن يعهد بإدارتها إلى شركات ومؤسسات متخصصة في إدارة الأصول. (لاحظ هنا، عدم تحديد القانون لجنسية تلك الشركات التي يحق للصندوق نقل إدارة أملاك الدولة إليها، الأمر الذي يمكن أن يصبح بداية لعودة عصر الانتداب الأجنبي، أو هيمنة الشركات متعددة الجنسيات على صنع القرار في مصر، وهو نوع جديد من أنواع الاحتلال).
 
7- تُعفى المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من كافة الضرائب والرسوم وما في حكمهما. (يبدو أن الضرائب في مصر، هي حكر على المواطن البسيط، يدفعها وحده، ولا يحصل مقابلها على شيء)".
 
باختصار، الصندوق هو نقل مباشر لثروات البلاد ومواردها وأصولها وأملاكها، بالإضافة إلى تاريخها وحاضرها ومستقبلها، من يد الشعب إلى يد السيسي، والقانون بإنشاء ذلك الصندوق يمثل تغييراً جذرياً في شكل الدولة، وعلاقتها بالحاكم والمواطنين، القانون (بلا أية مبالغة) يحول مصر من دولة بمفهومها الشامل، إلى (عزبة) يمتلكها السيسي حصراً وقصراً، يفعل بها ما يشاء، يبيع ما يشاء، ويؤجر ما يشاء، ينتفع بما يشاء، ويتنازل عما يشاء، يقترض ما يشاء، ويضارب بثرواتها متى وكيفما يشاء، بلا حسيب ولا رقيب.
 
وإذا ما نظرنا إلى تاريخ السيسي، وتلك الأشواط المهولة التي قطعها في مهمته المقدسة نحو تدمير مصر وسحق أبنائها، خلافا عن بنوَّته غير الشرعية من إسرائيل (الراعي الرسمي له)، يمكنكم أن تستبشروا بالمستقبل القادم،
   
في (عزبة السيسي).. مصر سابقا

أهلا بكم

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.