شعار قسم مدونات

هل تعد حرب أمريكا في العراق حربا وقائية؟

blogs الحرب الأمريكية بالعراق

في ديسمبر 1837 قام بعض الأمريكيين باستخدام عبًّارة أمريكية اسمها كارولين لإيصال المساعدات العسكرية للكنديين الذين بدأوا تمردا مسلحا في كندا ضد المملكة المتحدة المحتلة لها في ذلك الوقت، وقد كانت هناك مساندة شعبية أمريكية للمتمردين الكنديين بدون دعم حكومي رسمي، الأمر الذي دفع بالقوات العسكرية البريطانية بتعقب تلك العبارة داخل المياه الإقليمية الأمريكية وإحراقها وإغراقها وهو ما تسبب في قتل بعض الأمريكيين على متنها.

ألقت السلطات الأمريكية القبض على بعض الضباط الإنجليز والتهديد بملاحقتهم جنائيا بتهمة القتل، وبعث وزير الخارجية الأمريكي دانيال ويبستر برسالة احتجاج لنظيره الإنجليزي اللورد أشبورتون فرد بأن القوات الإنجليزية في حالة دفاع وقائي عن النفس، ومنذ ذلك الوقت يقر العديد من فقهاء القانون الدولي بوجود حق الدفاع الشرعي الوقائي وأصبحت قضية كارولين مرجعية للحرب الوقائية أو الحرب الاستباقية، وقد أشار اللورد فليمور عام 1923 إلى أن أي دولة تلاحظ وجود تجهيزات عسكرية ضدها وقريبة منها فلها الحق في طلب تفسيرات لذلك وإذا لم تكن الإجابة مقنعة فلها حق اتخاذ إجراءات دفاعية على نحو وقائي. 

الحرب الوقائية والإرهاب المحتمل

إيمانا منها بأن الديمقراطية تمنع الحروب قامت الولايات المتحدة بتوجيه سياستها الخارجية لتحويل كل الأنظمة الحاكمة إلى أنظمة ديمقراطية، فإذا رفضت الأنظمة غير الديمقراطية، والتي تمثل خطرا على السلام العالمي، أن تتحول إلى أنظمة ديمقراطية وجب على القوى الديمقراطية فرض الديمقراطية عليها بالقوة حماية للسلام العالمي بما يسمى بالحرب الوقائية أو حرب الإرهاب المحتمل.

ظرية الحرب الوقائية هي عنوان آخر لنظرية التدخل الديمقراطي التي تهدف إلى إعادة تشكيل العالم لإقامة نظام للأمن الديمقراطي الهدف منه تغيير الأنظمة الديكتاتورية وليس التعايش معها

إذا كانت الديمقراطية تمنع الحروب فلماذا تحارب أمريكا الدول الديمقراطية التي انتخبت شعوبها رئيسا شرعيا لها كما فعلت في مصر حيث دعمت الانقلاب العسكري الدموي على الرئيس الدكتور محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا بمراقبة المنظمات الدولية المعنية بحجة الحرب على الإرهاب المحتمل. وإذا كانت الديمقراطية تمنع الحروب فلماذا حاربت أمريكا العراق واحتلت أرضه وقتلت شعبه؟ هل الديمقراطية تمنع الحروب أم تُفرض بالحروب؟ وهل حرب أمريكا في العراق تمثل حربا وقائية؟ هل كانت هناك تجهيزات عسكرية عراقية بالقرب من الحدود الأمريكية حتى تمارس حقها في إجراءات دفاعية وقائية؟

يبين كتاب وليم كريستول ولورانس كابلن (طريقنا تبدأ من بغداد – 2004) أن نظرية الحرب الوقائية هي عنوان آخر لنظرية التدخل الديمقراطي التي تهدف إلى إعادة تشكيل العالم لإقامة نظام للأمن الديمقراطي الهدف منه تغيير الأنظمة الديكتاتورية وليس التعايش معها.

كيف تصنع حربا وقائية؟

1- اصنع ديكتاتورا مستبدا معه الدبابة والمدفع بداية من اندونيسيا والعراق مرورا بمصر وليبيا وغيرها.
2- اصنع عداوة بين هذا الديكتاتور والشعب.
3- أعلن الحرب على الأنظمة الديكتاتورية لنشر الديمقراطية.
4- أعلن الحرب الوقائية على هذا البلد المراد احتلاله وتقسيمه لمحاربة الإرهاب المحتمل.
5- هل تحارب أمريكا الديكتاتور أم تقتل الشعوب المسلمة بهذا الديكتاتور ثم تصنع ديكتاتورا آخر؟

لقد صرح جورج بوش في عام 2006: أن الحرب على الإرهاب ليس صراعا مسلحا والعنصر الأساسي في استراتيجيتنا هو مشروع الحرية، فالأمم الحرة هي أمم مسالمة وأن الديمقراطيات لا تحارب بعضها بعضا، سنقوم بتغيير الأنظمة الديكتاتورية العنيفة بأنظمة ديمقراطية مسالمة لنجعل من أمريكا والشرق الأوسط والعالم بأسره أكثر أمنا. تصريح جورج بوش يعني تحويل الأنظمة الديكتاتورية العنيفة بأنظمة ديمقراطية مسالمة عن طريق إعلان الحرب على تلك الأنظمة مثلما فعل في العراق فهل عنف الأنظمة الديكتاتورية أشد من الحرب التي أعلنها جورج بوش على الشعب العراقي؟ وهل الشرق الأوسط يكون أكثر أمنا باحتلال أمريكا لدوله احتلالا مباشرا بعد أن كان احتلالا بالوكالة من قبل الأنظمة العميلة له؟

الديمقراطية الأمريكية في العراق
هل سنترك حل مشكلاتنا بيد النظام العالمي والمنظمات الدولية والقوانين الدولية التي تفصل لتقنين جرائمه في العالم الإسلامي ليكون لدينا نظام ديمقراطي وهيئة مستقلة للانتخابات النزيهة

1- تم اجتثاث حزب البعث من المجتمع العراقي حيث تعطي اتفاقية جنيف الرابعة سلطة الاحتلال الحق في تغيير المسئولين الحكوميين الذي يشكل وجودهم خطرا على سلطة الاحتلال.

2- حل الجيش العراقي وتشكيل جيش جديد بعقيدة جديدة موالية للمحتل.

3- إنشاء وزارة لحقوق الإنسان لمعالجة انتهاكات حزب البعث وضمان توافق القوانين العراقية مع معايير حقوق الإنسان (نسيت هذه السلطة الانتهاكات التي قامت بها قوات الاحتلال وسجن بوغريب للتعذيب وانتهاك الحرمات شاهد على تلك الانتهاكات بالإضافة إلى مليوني قتيل على أيدي قوات التحالف، ولن يفلت مجرم بجريمته).

4- تعديل القانون الجنائي العراقي لتجريم التعذيب وتحريم عقوبة الإعدام (غالبا يحرمون جريمة الإعدام حتى لا تكون رؤؤسهم أول من تكون على المقصلة نتيجة جرائمهم وقتلهم للشعب العراقي).

5- تغيير النظام المصرفي والمالي والضريبي والتجاري وقانون النفط وإلغاء القوانين المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية (لتصبح ثروات العراق النفطية وغيرها مستباحة من قوات الاحتلال التي جاءت بحجة إعادة بناء العراق وهم من قاموا بتدميرها على رؤؤس أبنائها من الشعب العراقي).

6- أنشأت هيئة مستقلة للانتخابات وأصدرت قانون الانتخابات وغيره من القوانين التي تظل سارية المفعول حتى بعد رحيل الاحتلال (لا أدري هيئة مستقلة عن ماذا؟ مستقلة عن مؤسسات الدولة وتابعة للنظام الدولي أم ماذا).

أخيرا أصبح بالعراق هيئة مستقلة للانتخابات، فليفرح الشعب العراقي بعد معاناته والمقتلة والتعذيب وانتهاك الحرمات التي عاناها من أجل أن يكون لديه نظام ديمقراطي وهيئة مستقلة للانتخابات النزيهة. ماذا عن حال العراق الآن؟ سؤال موجه للأمم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها المعنية بحقوق الإنسان ومجلس الأمن وقوات التحالف والولايات المتحدة والدول المشاركة في التحالف، وقبلهم أوجهه للفقهاء القانونيين في بلاد المسلمين ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، كما أوجهه لعلمائنا ومفكرينا. هل سنترك حل مشكلاتنا بيد النظام العالمي والمنظمات الدولية والقوانين الدولية التي تفصل لتقنين جرائمه في العالم الإسلامي ليكون لدينا نظام ديمقراطي وهيئة مستقلة للانتخابات النزيهة. متى تستوعب عقولنا خطط أعدائنا وكيف نواجهها بخطط مضادة وحرب استباقية أقرها القانون الدولي؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.